الفنون البصرية > أيقونات فنية خالدة

لوحة خلق آدم والرسالة الغامضة التي حملتها

تعدُّ لوحة "خلق آدم" للفنان مايكل آنجلو واحدةً من أشهر الجداريات الفنيّة على الإطلاق؛ إذ تزيِّن سقفَ كنيسةِ السيستين في الفاتيكان وتوصف باللوحة الأجمل من مدرسة الفنِّ الغربيِّ تليها لوحة "خلق حواء" الموجودة في مركز القاعة، ثمَّ لوحة "جميعة الماء" الأقرب إلى مذبح الكنيسة.

يختلف المشهد المصوَّر في لوحة "خلق آدم" عما عُرِفَ حتى ذلك الحين عن مشاهد الخلق التقليدية، إذ يتمثلُ المشهد بعنصرين اثنين هما: الإلهُ في يمين اللوحة وآدمُ في يسارها.

وأمّا الإله فيظهرُ ضمن رسم ضبابيٍّ عائمٍ مكوَّنٍ من أقمشة ويدعمه مجموعةٌ من الملائكة غير المُجنَّحة، وتبدو حركة الملائكة الطائرة واضحةً بسببِ حركة الأقمشة من حولهم.

صوَّر مايكل آنجلو الإلهَ على هيئة رجلٍ مسنٍّ بعضلاتٍ واضحةٍ وشعر رمادي ولحيةٍ طويلة متموجة، وهو تصوُّرٌ مختلفٌ تماماً عما ظهر في الصور الإمبراطوية عن الإله التي تعود إلى مرحلة متأخرة من العصور القديمة، ونراه يكتفي بسُترةٍ خفيفةٍ تُبقي جزءاً كبيراً من ذراعَيه وساقَيه عُرضةً للهواء بدلاً من الملابس الملكيّة الدالة على الجبروت والقوة المطلقة.

وأما آدم؛ فخلافاً لهيئةِ الإله، يظهر آدم لامبالياً ومتكاسلاً، إذ يردُّ ببرودٍ على لمس الإله الوشيك له؛ تلك اللمسة التي ستعطي الحياة للبشرية جمعاء لا لآدم فحسبُ، وهي تمثِّل بذلك لحظة ولادة الجنس البشري!

يبدو جسم آدم مُقعَّراً معاكساً لشكل الإله المحدَّب ضمن التشكيل الضبابي العائم، ما يوحي بفكرةٍ أكبر أراد مايكل آنجلو جعلَها مألوفة لنا؛ وهي أنَّ الرجل قد خُلِق على صورة الإله!!

وبالنظر إلى لوحة "خلق آدم"؛ تُثار كثيرٌ من التساؤلات حول هوية العناصر المجاوِرة للإله، فعلى سبيل المثال؛ مَن تكون الأنثى التي تظهر تحت ذراع الإله؟!

وانطلاقاً من موقعها المميَّز وقربها البالغ من الإله، اعتُقِد قديماً أنها حواء زوجة آدم المستلقي جانباً، وبأنها تنتظر مرحلة خلقها من ضلعه.

وفي الآونة الأخيرة؛ ظهرَ احتمالُ كونِ هذه الأنثى هي مريم العذراء صاحبة المرتبة الشرفية المجاورة للإله وبالتالي يكون الطفل بقربها هو يسوع المسيح، وتدعمُ ملامسةُ أصابع الإله للطفل الرأيَ السابق؛ إذ تُشابِهُ أصابعَ الراهب التي ترفع القربانَ أثناء القدَّاس، ويمثِّلُ جسدُ المسيح - بحسب اللاهوت الكاثوليكي - القربانَ المقدَّس متجسداً في لوحتنا هذه.

تتشارك اللوحة مع باقي أعمال مايكل آنجلو ببعض السمات المميِّزة؛ مثل وضعية الاستلقاء لكلٍ من آدم والإله، وإظهار جسديهما بعضلاتٍ بارزةٍ ومفتولةٍ، بالإضافة إلى رسم الشخصيات رسماً يشبه النحت.

ما الرسالة الخفية من المشهد؟!

تحمل لوحة "خلق آدم" رسالةً خفيَّةً أراد مايكل آنجلو إظهارها للعامة: وهي أنَّ الدماغ البشريَّ مكوَّنٌ على هيئة الإله، وعلى الرغم من رسم اللوحة في عام 1511 م، فقد كتب Frank Lynn Meshberger وهو طبيبٌ من ولاية إنديانا-الولايات المتحدة الأمريكية عام 1990 م  في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية أن الأرقام والأشكال المُكوِّنةَ لشخصية الإله توحي برسمٍ تشريحيٍّ للدماغ البشري على وجه الدقّة.

ويساعدنا إلقاءُ نظرةٍ عن كثبٍ في ملاحظة الشقِّ المركزي المتمثلِ برأس أحد الملائكة، بالإضافة إلى طيَّةٍ من سترة الإله،والذي يقسم الفَصَّ الجبهيَّ عن الجداري، في حين يُشبِهُ جزءُ الملاك السفليُّ الداعم لوزن الإله جذعَ الدماغ، ويشبهُ وشاحُه المتدليّ الشريانَ الفقريّ، وقدمُ ملاكٍ آخر مجاورٍ الغدةَ النخاميَّة، وأمَّا ركبتُه فتمثِّلُ التصالبَ البصريَّ إذ تعبُرُ الأعصابَ البصرية من العين، ونرى في اللوحة ذراعَ الإله اليمنى ممتدةً عبر قشرة الفص الجبهيّ التي تُعَدُّ مركزَ الأفعال الإرادية والواعية، ويميِّز هذا الخيالُ والإبداعُ الجنسَ البشريَّ عن باقي المخلوقات.

طُرِحت كذلك فكرةُ تمثيلِ نقطةِ تلاقي إصبعِ الإله بإصبع آدم بالشقِّ المشبكيِّ عبر الخلايا العصبيّة، والذي تمرُّ جزيئات كيميائية تُسمَّى النواقلَ العصبية بواسطته، ولكنَّ المثيرَ للاهتمام هو أنَّ فكرةَ الكهربائيّة الحيويّة لم تُكتشَفْ حتى القرن الثامن عشر؛ أي بعدَ رسم اللوحة بقرنَين، وبذلك يكون إبداع مايكل آنجلو في هذه اللوحة نبوءةً واضحة أو صدفة غريبة، وتقترحُ اللوحةُ أن دماغَنا هو قطعةٌ من الإله أو امتدادٌ له، وبأنَّ الإله نفسَه هو إسقاطٌ من الدماغ البشريِّ، وبذلك تكون تسمية اللوحة "خلق الإله" أكثرَ منطقية.

وفي النهاية؛ فإنَّ كلَّ الإبداع الهائل المتجليّ في هذه اللوحة لم يكن إلا جزءاً بسيطاً من عبقرية مايكل آنجلو الذي كان نحاتاً ولم يكنِ الرسمُ مجالَ عمله الرئيس!

المصدر:

هنا

هنا