الموسيقا > عظماء الموسيقا

جوستاف ماهلر الموسيقي الذي سبق عصره

استمع على ساوندكلاود 🎧

كل فان هو رمز فحسب و كل ما لا يمكن الوصول إليه سيصير هنا حادثاً و ما لا يمكن وصفه قد جرى ها هنا فعله إن الأنوثة الخالدة تجذبنا إلى أعلى" بهذا أنهى ماهلر سمفونيته الخالدة ناقلاً نشيد جوقة الملائكة الأخير في مسرحية فاوست لجيته، " تخيلوا أن الكون قد بدأ الغناء، إنها ليست أصواتاً بشرية بعد الآن، بل نجوم و كواكب تدور و تدوي" قال عن سمفونيته الثامنة "الألفية".

جوستاف ماهلر هو مؤلف موسيقي و قائد أوركسترا من مواليد بوهيميا 1860 – اشتهر طوال حياته كقائد أوركسترا أكثر من كونه مؤلفاً ذلك كون موسيقاه لم تكن تلقى إقبالاً و رواجاً من معاصريه .

حياته:

بدأ ماهلر الصغير حياته الموسيقية بتعلم العزف على البيانو و هو في سن السادسة، و لما بلغ الخامسة عشرة انتسب إلى معهد فيينا الموسيقي فتتلمذ على أيدي عدد من كبار موسيقيي عصره (روبرت فوكس، يوليوس إبشتاين، فرانز كرين)، بعدها بثلاث سنوات التحق بجامعة فيينا حيث كان السمفوني العملاق أنتون براكنر محاضراً فيها، فدرس التاريخ و الفلسفة إضافة إلى الموسيقى .

خاض أول تجاربه في التأليف الموسيقي مشاركاً في مسابقة جامعية فألف كنتاتة "أغنية رثاء – Das klagende lied" و قد خسر تلك المسابقة بقرار لجنة التحكيم التي كان يترأسها جوهانس برامز.

عام 1880 بدأ ماهلر مسيرته كقائد أوركسترا في مسرح " Bad Hall" الصيفي ، و بمرور الأعوام عمل في مسارح أهم و أكبر "1881 مسرح ليوبليانا ، 1882 مسرح كوسيتش ، 1883 مسرح فيينا و مسرح كاسل ، ثم مسارح براغ ، ليبزيغ و بودابست ، و في عام 1887 سجل اسمه كواحد من أهم قائدي الأوركسترا في عصره بعد أن قاد أوبرا فاغنر " خاتم النيبولينغ - Der Ring des Nibelungen " محققاً مكاسب قياسية و شهرة واسعة ، حتى أن يوهانس برامز سحر بقيادته لأوبرا جيوفاني .

شهد عام 1895 مأساة كان لها شديد الأثر على ماهلر ، فبينما كان هو في هامبورج قام أخوه الأصغر "أوتو" و الذي كان مؤلفاً موسيقياً أيضاً بالانتحار واضعاً حداً لحياته التي لم تتجاوز الواحد و عشرين عاماً .. بعد هذه الحادثة بعامين تولى أهم و أفخم منصب موسيقي في الإمبراطورية النمساوية حيث عين مديراً ل دار أوبرا فيينا .

تزوج عام 1902 من ألما شيندلر و أنجب منها ماريا أنا و أنا جوستين ، لم تصمد ماريا أنا كثيراً في الحياة فتوفيت في الرابعة من عمرها محطمة فؤاد والدها منزلة به أشد أنواع الكآبة و العذاب ... و بما أن المصائب لا تأتي فراداً فقد تم تشخيصه في نفس العام مصاباً بمرض القلب . كما حورب كثيراً لأسباب فنية أحياناً و لأسباب سياسية في أحيان أخرى ، فاتهم بمعاداة السامية و أصبح هدفاً رئيساً للصحافة .

أمضى ماهلر آخر أيامه في صراع شديد مع المرض فتوفي عام 1911 و هو في الخمسين من عمره قبل أن ينهي سمفونيته العاشرة و قد كانت آخر كلمات حياته "Mozartl" بمعنى ( عزيزي الصغير موزارت).

موسيقى ماهلر:

بطبيعة الحال فإن موسيقى ماهلر هي حياته نفسها بكل ما شهدته تلك الحياة من حب و ألم و صراع، لقد كانت له رؤيا خاصة لهذا العالم ، عالم تتداعى أقطاره غارقة في الفساد و النفاق ، عالم قاس مؤلم لا يرحم أبداً، و هكذا كانت سمفونياته عنيفة مجلجلة "تتسع العالم كله" كما كان يقول ، كانت تعكس صورة المجتمع الغربي في لحظة اضمحلاله الأخلاقي و ضياعه و هذا ما لم يفهمه معاصروه حينها.

ألف ماهلر تسع سمفونيات كاملة ، و خصص لكل واحدة ترسانة أوركسترا ضخمة ليزيد اتساع مداها إلى أقصاه ، كما ألف رباعية للبيانو و مؤلفات عديدة أخرى لن يتسع لنا ذكرها تجدونها هنا :هنا

إذا لماذا نتحدث عن ماهلر دون غيره؟ أستطيع القول و أنا أسمع سمفونيته الثانية الآن – بأن نفوسنا البشرية يطيب لها أن تشارك بعضها مشاعرها و أحاسيسها و خاصة تلك الحزينة منها التي تعصف في ساعات الخلوة و التأمل ، بل إن نفوسنا تنتشي بانسحاق آلامها في بوتقة فنية معبرة قد تكون لوحة أو معزوفة أو كتاب ، أننكر أن أشد ما يستهوينا عند قراءة الأدب هو تلك الشخصيات التي تناقش في ضميرها و ذاتها – ضميرنا نفسه ، مشاكلنا، كوابيسنا و مخاوفنا نفسها ، إن الفن هو الملجأ الذي يطيب للروح أن تلبث فيه في ساعات خلوتها و لهذا بالتحديد كتبت عن ماهلر ، لأن موسيقاه تمس جوهر تلك الروح و تناجي آلام الحرب و الموت التي أرهقتنا و مازالت تفعل ، نعم لقد حان وقت ماهلر ..

المصادر :

هنا

هنا

مقطع من السيمفونية الخامسة

مقطع من سيمفونيته الثانية ضمن الحركة الأولى:

مقطع من سيمفونيته التاسعة ضمن الحركة الرابعة: