الطب > مقالات طبية

ألمُ الصدرِ الخطير

يومٌ ربيعيٌّ جميلٌ وأنتَ جالسٌ بصحبةِ أصدقائِكَ تشرَبُ كوباٌ ساخناٌ من القهوةِ أثناءَ تناولِكَ فطوراٌ لذيذاٌ، وفجأةً بدأتَ تشعرُ بإحساسٍ حارقٍ بشدّةٍ في صدرِكَ، وتذكّرتَ أنَّكَ تعاني من حموضةِ المعدةِ، فرميتَ كأسَ القهوةِ جانباً وجلستَ تكلّمُ أصدقاءَك منتظراً زوالَ هذا الشعورِ، ولكنَّهُ آخذٌ في الازديادِ!! ولم تعد ترى ببوضوحٍ؛ بل أنتَ على وشكِ أن تفقد وعيَك!!

لقدِ ارتكبتَ خطأً جسيماً بالانتظارِ، وكان عليكَ الاتّصال بالإسعاف فوراً قبلَ فواتِ الأوانِ.

ما الّذي حدثَ؟

ربّما اعتدنا على فكرةٍ مفادُها أنَّ الأعراضَ القلبيةَ تظهرُ فقط بسببِ الجهدِ والتّعبِ، ولكنَّ هذا خطأٌ شائعٌ، فمنَ الممكنِ - كما ذكرنا في المقدّمةِ - أن تظهرَ هذهِ الأعراضُ فجأةً وأثناءَ الرّاحةِ دونَ سابقِ إنذارٍ، فما حدثَ هنا هو أحدُ أشكالِ المتلازمة الإكليليّة الحادّة.

فما هي هذه المتلازمة؟

تحدثُ المتلازمة الإكليليّة الحادّة عندما تنقص التروية الدمويّة عن العضلة القلبية، فيحدثُ اختلالٌ في التوازنِ بين العملِ المبذول من القلب والوارد الأوكسيجينيّ، وتتضمّن شكلَين هما: خنّاق الصّدر غير المستقرّ، واحتشاء العضلة القلبيّة.

كيفَ يحدثُ نقصُ الترويةِ هذا؟

تكونُ آليةُ حدوثِ نقصِ الترويةِ عبارةً عن تضيّقَ الشرايين الإكليليّة المسؤولة عن ترويةِ القلبِ أو انسدادها، ففي خنّاقِ الصدر غيرِ المستقرِّ تتشنّج هذه الشرايين؛ أي تتضيق أو تتشكّل خثراتٌ دمويّة صغيرة غيرُ سادَّةٍ لهذه الشرايين، ولكنَّها تُبطِئُ الجريانِ الدموي، مما يؤدّي إلى ظهورِ أعراضِ نقصِ الترويةِ؛ وأهمُّها الألمُ دونَ أذيّةٍ في النّسيجِ القلبيّ، وغالباً ما يكونُ هذا أثناءَ الرّاحةِ وفي أوقاتٍ غيرِ متوقّعةٍ، وهي لا تزولُ بالرّاحةِ أو بالموسّعاتِ الوعائيّةِ، بل تسوءُ الحالةُ مع الزمنِ، خلافاً لخنّاقِ الصّدرِ المستقرّ؛ إذ تظهرُ الأعراضُ عند درجةٍ معيّنةٍ من الجهدِ يعتادُ عليها المريضُ، وتزولِ بالرّاحةِ أو الموسّعاتِ الوعائيّةِ.

أمّا في احتشاءِ العضلةِ القلبيّةِ فإنَّ أحدَ الشرايين الإكليليّةَ ينسدُّ فتتموّتُ المنطقةُ الّتي يرويّها هذا الشريان ، وتنقصُ ترويةُ المنطقة المحيطة بمنطقة الاحتشاء دون أن تتموّتَ، وتظهر الأعراضُ القلبيّة.

ما الّذي يسبب هذه المتلازمة إذاً؟

إنَّ السبّبُ الرئيسَ هو التصلّبُ العصيديّ؛ وهو مرضٌ تنكسيّ يؤدّي إلى تراكُم صُفيحاتِ الكولسترول في بِطانةِ الشرايين، ممَّا يؤدّي إلى تضيُّقها وأحياناً انسدادها. ولهُ عواملُ خطورةٍ أو مُسرِّعةٍ عديدةٌ؛ وأهمّها: ارتفاعُ الضغط الشريانيّ، والتدخين، والسكريّ، والبدانة، وقلّة الحركة، وارتفاع كولسترول الدم، والتغذية السيّئة، والسّوابق العائليّة.

كيف تظهرُ الأعراض؟

- الألم الصدريُّ أو الإحساسُ بالضغط على الصدر.

- التعرّق.

- الغثيان والإقياء.

- انتشار الألم إلى أيّةِ منطقةٍ بين الذقن وأعلى البطن؛ أي إلى الفك السفلي أو العنق، أو إحدى الذراعين أو كلتيهما، أو الظهر.

- خفّة الرأس، وشعورٌ مفاجئٌ بالضعف.

- تنفُّسٌ سريعٌ وغيرُ منتظَم.

وعند الشكوى من هذه الأعراض لا تنتظر حتّى تزول، بل اتصل فوراً بالإسعاف، وإن كانَ بحوزتك بعضُ أقراص الأسبيرين قم بمضغ 2-4 أقراص مُنخفضة الجرعة أو قرصٍ واحد عالي الجرعة.

عندَ إيصالك إلى المشفى أو إلى أقربِ عيادة طبيب كيف تُشخَّصُ هذه المتلازمة؟

يكونُ التشخيص بـ:

- أخذِ قصّةٍ مرضيّة تتضمن التاريخ المرضيّ للمريض بسرعةٍ.

- إجراءِ تخطيطِ القلب الكهربائيّ الّذي يعبّر عن حالةِ القلبِ إن كانَ يعملُ جيّداً أو لا، وملاحظةُ التغيّرات الّتي تطرأ أساساً على الموجة T والقطعة ST والتي تعبُّر تبدُّلاتُها عن نقص التروية.

- اللجوءِ عادةً إلى تحليلِ الدمِ ومعايرةِ الخمائرِ القلبيّةِ؛ وأهمّها التروبونين الّذي يشيرُ ارتفاعُه إلى أذيّةٍ قلبيّةٍ ناجمة عن الاحتشاء؛ أي إنَّه لا يرتفع في الخنَّاق غير المستقرّ.

- تصويرِ القلبِ بالنظائرِ المشعّةِ لمعرفةِ المناطقَ المصابةَ بنقصِ الترويةِ والمناطقَ المتموَّتةَ.

وبعدَ إثباتِ التشخيص كيف تُعالَج المتلازمةُ؟

هدفُ العلاجِ هو إعادةُ ترويةِ القلب لِمنع تموّت المناطق الّتي مازالت في حالةِ نقصِ التروية، ونعالجُ هذا بدايةً بمضغِ أقراصِ الأسبيرين، ثمَّ استعمال الأدوية التي تحسن من تروية القلب كالمُوسِّعات الوعائية، وحاصرات بيتا، والأدوية الحالَّة للخثرات الدموية، ومسكّنات الألم، والأوكسجين؛ وذلك لتأمين كفاية القلب. وقد تكون هناك حاجةٌ للقَثطرةِ القلبية؛ إذ يُفتَحُ الشريانُ المسدودُ بنفخ بالونٍ خاصٍّ ضمنَهُ ويُمكنُ وضعُ دعامةٍ معدنيةٍ لمنع انغلاقه مجدّداً، وكحلٍّ جراحيّ يمكنُ اللجوء للمجازاتِ الشريانيّةِ، إذ يُحوَّلُ مجرى الدم حول الشرايين المسدودة باستخدام شرايين أخرى سليمة من جسم المريض نفسه.

وبعد الخروج من المشفى؛ يُتابَعُ العلاجُ بالأدويةِ التي تُقلِّلُ من خطورةِ الإصابةِ مرَّةً ثانية، كمانعاتِ تَشكُّلِ الخثراتِ الدموية (الأسبيرين)، وخافضاتِ الضغط الشرياني، وخافضاتِ كولسترول الدم، والأدويةِ التي تُقلِّلُ من حاجة القلب للأوكسجين (حاصرات بيتا).

ومثلما نقولُ دائماً: درهمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطارِ علاج، فما هي التدابيرُ الوقائيّة؟

- الأهمُّ هو الطّعام الصحيّ الغنيّ بالخضار والفواكه والحبوب الكاملة و البروتينات، والابتعادُ عن الإكثار من الدهون والسكريّاتِ سريعةِ التفكك مثل الحلويّات، للحفاظ على وزنٍ صحيّ.

- التمارين الرياضيّة المنتظمة.

- ضبط سكّر الدم وشحومه والكولسترول جيّداً.

- الابتعادُ عن التدخين.

- التخفيف من التوتّر.

- الأسبيرين اليوميّ وذلك حسب نصائح الطبيب.

ويمكنكم قراءة المزيد عن الذبحة القلبية والتصلُّب العصيدي في مقالاتنا السابقة :

هنا 

هنا 

هنا 

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا