الطب > متلازمات طبية

سلسلة التوحد: كيف يحدث ومالذي يسببه؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

- من يُصابُ بالتّوحّد ؟

يمكنُ أن يحدثَ اضطّرابُ طيفِ التّوحّدِ لدى أيّ فردٍ من الأعراقِ والمجتمعاتِ المختلفة، ومن كلّ الأوساطِ الاجتماعيّةِ والاقتصاديّة، ولكنّهُ يعدُّ شائعاً لدى الذّكورِ أكثرَ منهُ لدى الإناثِ بـ 4 مرّات ونصف.

- كيفَ يحدثُ التّوحّد ؟

كما ذكرْنا في المقالِ السّابق؛ فإنّ التّوحّدَ عجزٌ نمائيٌّ أو تطوّريّ، وقد ينجمُ هذا العجزُ عن إصاباتٍ أو شذوذاتٍ في مناطقَ محدّدةٍ في الدّماغِ تُعنى بالوظائفٍ الفيزيائيّةٍ والتّعليميّة واللّغوية؛ أو الوظائفِ السّلوكية للأفراد، وتظهرُ الإمراضيّاتُ المسبّبة لهذا العجز في مرحلةِ النّموّ المبكّرِ للطّفل ( المرحلةُ الممتدّة من ولادةِ الطّفلِ وحتّى بداياتِ المراهقة)، وتعدُّ الآليّةُ المسبّبةُ للتّوحّدِ غيرَ واضحةٍ وضوحاً كاملاً بعد، إذ يقترحُ العلماءُ أنّه يمكنُ للتّوحّدَ أن يُسبَّبَ شذوذاتٍ في بعضِ مساحاتِ الدّماغِ المختصّةِ بتفسيرِ السّيالاتِ الحسيّةِ الواردةِ ومعالجةِ اللّغة ِوفهمها تحديداً .

- ما سببُ الإصابةِ بالتّوحّد ؟

عواملُ الخطورةِ والاكتشافاتُ الحديثة   

لا نعلمُ  بَعدُ الأسبابَ الكاملةَ للإصابةِ بالتّوحّد، ولكنّنا وجدنا على أيّ حال الكثيَر من العواملِ الّتي قد تكونُ سبباً لأشكالَ مختلفةٍ منه. وكذلكَ يوجدُ العديدُ من العواملِ الّتي قد تجعلُ الطّفلَ أكثرَ عرضةً للإصابةِ باضطّرابِ طيفِ التّوحّد، ومنها العواملُ البيئيّةُ والحيويّةُ والجينيّة أيضاً.

الأسبابُ الجينيّة:

- يتّفقُ معظمُ العلماءِ على أنّ الجيناتِ أحدُ عواملِ الخطرِ الّتي قد تجعلُ الطّفلَ أكثرَ عرضةً للإصابةِ باضطّراب طيفِ التّوحّد، وحوالي 20% من الأطفالِ المصابينَ به؛ مصابون أيضاً باضطّراباتٍ جينيّةٍ محدّدة، وقد تتضمّنُ هذه الاضطّراباتُ متلازمةَ داون أو متلازمةَ الصّبغيّ إكس الهشّ، أو اضطراباتٍ أخرى تشملُ السلَّ لدى بعضِ الأطفالِ الآخرين.

خلالَ العقدِ الماضي رُصدَت علاقةٌ بين طفراتٍ في أكثرَ من 60 مورثّةً مختلفة، مع الإصابةِ باضطّرابِ طيفِ التّوحّد ومن بينها طفراتٌ تسمّى " طفراتُ دو نوفو -De Novo mutations " وهي طفراتٌ مُكتسبةٌ تحدثُ عفويّاً.

وكذلك تُظهرُ إحدى الدّراساتِ الحديثةِ الّتي أُجرِيت على حوالي 6000 عائلةٍ؛ أنّ مجموعةً معيّنةً  من تلكَ الطّفراتِ طفراتُ " دو نوفو -DE NOVO mutations " تلعب دوراً في حدوثِ التّوحّد، وتحدثُ بعدَ الحملِ وبالتّالي تؤثّرُ على مجموعةٍ فرعيّةٍ من الخلايا.

ويمكنُ للطَّفراتِ السَّابقةِ أن تحدث في بويضة الأمِّ أو في نطفة الأب، أو قد تحدث بعد التقاء البويضة والنطفة، ويُعرَفُ هذا النُّوعُ من الطَّفراتِ بالطَّفراتِ الجسدية، أو " الطفراتِ بعد الإلقاح - post-zygotic mutations" أو ( PZMs).

وقد تحدثُ (الطفرات بعد الإلقاح - PZMs) باكراً جداً، وهكذا ستنتقلُ هذه الطفراتُ لاحقاً إلى خلايا الجنين الناضج على شكل مُورِّثاتٍ مَعيبة، أو قد تحدثُ مُتأخِّرةً خلالَ تطوُّرِ المُضغة إلى جنين ناضجٍ، حينَها فإنَّ عدداً أقلَّ من الخلايا سيحملُ هذه المورثات المَعيبة ممَّا يجعلها صعبة الاكتشاف.

ومن أجلِ الكشف عن هذه الطفرات (PZMs) أعادَ الباحثون إجراء اختبارات وراثية خاصة على DNA كان قد جُمِعَ سابقاً من أطفالٍ مُصابين بالتوحد من عينات دمويَة تعود لهم، واعتماداً على نتائج تلك الاختبارات  تمكن الباحثون من تصنيف 7.5% من طفراتِ "دو نوفو" المرتبطة بالتوحد كطفراتٍ تحدث بعد الإلقاح، و83% من تلك الطفرات لم تَكُنْ كُشِفتْ في الاختباراتِ الأصلية التي أُجرِيَتْ سابقاً.

وقد أثّرت بعضُ طفرات الـ PZMs في جيناتٍ عُرِفت سابقاً بارتباطها بالتّوحد أو اضطرابات تطوّر عصبيٍّ أخرى، ولكن بطرائقَ مختلفة.

وحدثت العديد من طفرات الPZMs في جيناتٍ ذاتِ دورٍ فعال في تطوُّر الدماغ، ولكنّها تُربَط سابقاً بحدوث التوحد، وَوفقاً للباحثين فإنَّ بعضاً من تلك الطفرات التي حدثت بعد الإلقاح سبَّبَتْ تحسُّناً وليس تدهوراً وظيفياً.

قام الباحثون لاحقاً بالاستعانة ببيانات التعبير الجيني المبنيَّة على خِزَعٍ دماغية تعود لمرضى مصابين بالتوحد بأعمار مختلفة، وبمقارنة هذه البيانات مع التسلسل الجيني  المعتمِد على العينات الدموية؛ تمكَّن الباحثون من تقدير الوقت التقريبي لحدوث الطفرات بعد الإلقاح، والأماكنِ التي أثَّرَتْ عليها في الدماغ .

توزيع طفرات بعد الإلقاح الجسديّة المرتبطة بالتوحد في الدماغ

تُبيِّنُ الصورةُ في الأعلى الدماغ قبل الولادة؛ باللونِ الأحمر ( اللوزة - Amygdala ) أُشِير إليها بـ ( AMY )  وتُمثِّلُ المنطقةَ الأغنى بهذه الطفرات، والمنطقةُ الأفقر هي ( الجسم المخطّط - Striatum) أُشير إليه بـ (STR) ، ولم تكُنِ القشرةُ الدماغيّة ( CEREBRAL CORTEX -CBC)  ذاتَ حظٍّ وفير في هذا الاختبار! وبالتالي فقد كانت الأقلَّ بالنسبة إلى المكوِّنات المذكورة سابقاً.

ويُظهِرُ هذا التحليلُ السابقُ  أن طفرات الPZMs  في مرضى التّوحد تَحدُثُ بشكلٍ متفاوتٍ في جيناتٍ يُعَبَّرُ عنها في اللَّوزة.

تُعَدُّ هذه الدراسةُ مهمةً لأنّها تُبيّنُ أهميةَ منطقةِ اللوزة في الدّماغ عندَ وجودِ إصابةٍ بالتّوحد حسبَ وصفِ الباحثين، وتضيفُ هذه الدراسةُ المزيدَ من الأدلّةِ على أنّ الاضطراباتِ الدماغيّةَ المُعقّدةَ كالصّرع والإعاقة الذهنية وانفصامِ الشخصيةِ وتشوهات الدماغ، يُمكِنُ أن تَحدُثَ بسبب طفرات غير موروثةٍ قد تَحدُثُ في نقطةٍ ما خلال التطوّرِ الجنينيّ.

بإمكانكم الإطلاع على مزيد من التفاصيل حول الأسباب الوراثية لمرض التّوحد في المقال التالي :

هنا

وجود أقارب من الدرجة الأولى مصابين بالتوحد:

كما نعلمُ سابقاً فإنّ وجودَ فردٍ من العائلةِ مُصابٍ بالتّوحد يرفعُ من احتمالِ إصابةِ الأفراد الآخرين.

دراسةٌ حديثةٌ في هذا المجالِ تُبيّنُ أنّه إذا كانَ للطفلِ -الذكر خاصة - أختٌ كبيرةٌ مصابةٌ بالتّوحد، فإنّ احتمالَ إصابتِهِ بالتّوحد يرتفع، فوجودُ طفلةٍ كبرى مصابةٍ بالتّوحد يرفعُ احتماليةَ إصابةِ إخوتِها مستقبلاً أيضاً.

وأهميةُ هذه الدراسة تنبعُ من أنّها توفّرِ تحذيراً إضافياً يُمكّننا من إجراءِ الفحوصِ الخاصةِ بالكشف عن التّوحد باكراً في الأطفال ذوي الخطورة الأعلى، ولكن حتى مع المجموعاتِ ذات الخطرِ الأكبر لإصابةِ  أي من الذكور الذين لديهم أختٌ أكبر مصابةٌ بالتّوحد، فإنَّ الاحتمالات تبقى أعلى لصالحِ طفلٍ سليمٍ ( 5 احتمال الطفل السليم - 1 احتمال الطفل مصاب )، تَحدّثت هذه الدراسةُ  فقط عن العلاقةِ بين وجودِ أختٍ كبرى مصابة و ولادة طفلٍ مصابٍ  دون أن تُبيّنَ سببَ هذه العلاقة أو طبيعتها .

أن يكون الأبوان بأعمارٍ كبيرةٍ نسبياً :

تُبيّنُ الدراساتُ أنّ الولدينِ لأمهاتٍ بأعمارٍ أكبر من 35 سنة ولِآباء أكبر من 40 سنةً عند الولادةِ  معرضونَ لخطرٍ أكبر للإصابةِ بالتّوحد.

بعض أنواع الأدوية في حال استخدامها أثناء الحمل :

ومنها المستحضراتُ المُحتوية على حمض الفالبرويك (Valproic acid) ، تستخدمُ هذه الأدويةُ غالباً في علاجِ الصّرع والاضطرابِ ثنائي القطبِ وصداعِ الشّقيقة.

والتاليدوميد (Thalidomide)، دواء معدل مناعيّ، يستخدمُ حالياً في علاجِ بعضِ أنواعِ السّرطانات، وفي علاج الجذام .

المصادر :

هنا

هنا

هنا