الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

الاتحاد الأوروبي وأزمةُ الشاورما.. القصة الحزينة!

 

الشاورما.. الغنية عن التعريف برائحتِها الزّكية التي تتغلغل في أعماقك قبل أن تتغلغل في أنفك، مولدةً ذكرياتٍ جميلةً بطعم الجوع.. من منا لا يسرُد أحاديث مشاوير الأصدقاء المرتبطةِ بتناول الشاورما، وكم منا سواءٌ أكان مغترباً أو لديه صديقٌ أو قريبٌ مغتربٌ لا يَذكر بكل فرحٍ وحُبورٍ أنه وجد محلاً لبيع الشاورما في أوروبا حيث يسكن..

من الجميل أن تجد في الغربة ما قد يرتبط طعمُه ورائحتُه بعبق الماضي ولكن هذا قد لا يدوم للأسف.. فالشاورما مهددةٌ بالحظر في أوروبا.. لماذا ومتى وكيف وما هي ردود الفعل؟؟ هذا ما سيعرضه مقالُنا ملخصاً أخبار الشاورما في أهم الصحف العالمية..

 

الشاورما أو الدونر كباب كما تسمى في بريطانيا Doner kebabs وألمانيا döner kebab هي أكلةٌ ذاتُ أصولٍ تركية، انتشرت انتشاراً واسعاً لتتحول إلى أهم أكلات الشارع الشعبية، وتصنَّف كوجبةٍ سريعةٍ محببةٍ جداً في بلاد الشام وخاصةً سوريا ولبنان. حملها مُحبوها من تركيا وبلاد الشام إلى باقي الدول العربية حيث لاقت رواجاً كبيراً، ومن ثم إلى أوروبا -وخاصةً على يد الأتراك لألمانيا، والباكستانيين إلى بريطانيا- حيث لاقت رواجاً كبيراً وتحولت إلى واحدةٍ من أهم المشاريع الصغيرة في هذه البلدان لعدم وجود منافسةٍ سواءاً من أهل هذه البلدان أو من أصحاب المشاريع الكبيرة. كما تعزَّزَّ سوق هذه الأكلة بشكلٍ كبيرٍ بعد عام 2012 بسبب موجة الهجرة إلى أوروبا، ويكفي أن تكتب في محرك البحث Google العبارة التالية "Angela Merkel and doner kebab" لتعرف مدى شعبيةِ هذه الأكلة.

 

إذاً ماذا تغير؟؟ وما سبب هذا الهجوم والتهديد بمنع بيعِ الشاورما على أراضي الاتحاد الأوروبي؟

للإجابة عن هذه التساؤلات، علينا أن نبدأ بالتعرّف على أسباب استخدام أملاح الفوسفات في المنتجات اللحمية، فهي تهدف إلى حمايةِ النكهةِ والاحتفاظ بالرطوبة فيها، ولكن قوانينَ الاتحاد الأوروبيّ تَحظُر استخدامَها كمادةٍ مضافةٍ في اللحوم المصنّعةِ، باستثناء لحوم الكبابِ المجمّدةِ التي لا توجد تشريعاتٌ حاليةٌ حول استخدامِ الفوسفات فيها بعد.

 

وبحسب دراسةِ مراجعةٍ ُأجريت في العام 2012، توصّل الباحثون إلى دلائلَ - غيرِ حاسمةٍ بعد – على ارتباط استخدام الفوسفات كمضافٍ غذائيٍّ بأمراض القلب والأوعية الدموية، كما استند العلماء إلى بعض الأبحاث الحديثة مُعرِبين عن قلقِهم من تعرّض الأوروبيين لخطر الإصابةِ بأمراض القلب، مما يعني أن الاتحاد الأوروبي في ظلِّ طرحِ تشريعاتٍ جديدةٍ تجعل الشاورما (أو الدونر كباب بشكلٍ عام) غيرَ قانونيةٍ بسبب كميات الفوسفات التي تحتويها.

 

وقد جاء ذلك بعد اقتراحٍ قدّمته المفوضية الأوروبية European commissionالأسبوعَ الماضي يقضي بالسماح باستخدام حمض الفوسفوريك والفوسفات والبولي فوسفات في لحم الكباب المصنوع من لحم الضأن والخروف والبقر والدواجن، إلّا أن اللجنة الصحية للبرلمان الأوربيEuropean parliament’s health committee   قد صوّتت بالرفض بمعدّل 22 من أصلِ 32، ومن المقرّرِ أن يصوت البرلمان الأوروبي الكاملُ على هذه القضية فى ستراسبورغStrasbourg  فى غضون أسبوعين، وإذا ما تمّ رفضُه هناك أيضاً، فإن الاقتراح سيُرسَل ثانيةً إلى اللجنة، تاركاً وجباتِ الشاورما والدونر كباب طيَّ النسيان.

 

الفوسفات وتصنيعُ اللحوم:

كما نوّهنا آنفاً، تُستخدم الفوسفات في منتجاتِ اللحوم لعدةِ أسباب، مثل تغيير أو تثبيت درجةِ حموضة اللحوم pH، وزيادةِ القدرة على الاحتفاظ بالماء أثناء الطبخ، وبالتالي تقليلِ خسارةِ الوزن، فضلاً عن تحسينِ الملمس والخصائصِ الحسية (الطراوة والعصيرية واللون والنكهة)، وتمديدِ العمر الافتراضي للحوم. وكل ذلك يعني أن منعَ استخدامِ الفوسفات في صناعة الدونر سيؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على جودتها، سواءٌأكان ذلك من ناحيةِ القوام أو الطعم أو الطراوة، ويمكن ملاحظة هذا بشكلٍ واضحٍ حتى وهي معلقةٌ على المشواة، ملتصقةً بعضُها ببعضٍ وصعبةَ التقطيع.

 

وبما أن الفوسفات ينتقل للمستهلك عند تناول هذه اللحوم، فإن كمياتِه يجب أن تكون مدروسةً بدقّة. فهو مسؤولٌ عن العديد من الخصائص البيولوجية والوظائف ولكن بكمياتٍ محددةٍ، إذ يتواجد في الحمض النووي DNA، والريبوزي RNA، والإنزيمات، وغيرها. ويشارك مع الكالسيوم والمغنيسيوم في بناء العظام. ويحتاجُه الجسم لنمو، وصيانة، وإصلاح جميع الأنسجة والخلايا.

ويمكنكم التعرف أكثر على وظائف هذا العنصر وأعراض نقصِه وزيادتِه، وجرعاتِه اللازمة في الرابط التالي هنا.

 

يُذكر أن ارتفاع مستوى الفوسفور في الدم أمرٌ نادرُ الحدوث، وغالباً ما يكون مرتبطاً بحالات صحيةٍ معينة، كأمراضِ الكلى أو ضعفِ تنظيمِ امتصاص الكالسيوم. ولكن ارتفاعَهُ إلى حدٍّ كبيرٍ قد يكون ساماً للجسم، ويمكن أن يسبب الإسهال، وتصلب الأعضاء والأنسجةِ الرخوة، وتشكّل الرواسبِ المعدنيةِ في العضلات. كما يمكن أن يؤثر في قدرة الجسم على استخدامِ العناصر المعدنية بالفعالية المطلوبة، ومنها الحديد والكالسيوم والمغنيزيوم والزنك.

 

 

ما هي النتائج المترتبة على رفض الاقتراح؟ وماذا يمكن أن يتبعَهُ من حظرٍ للشاورما؟

سيخسر الكثيرُ من محبي هذه الوجبة فرصةَ تناولِها في أوروبا في حال حدوثِ ذلك، لكن خسارتهم لن تقاربَ خسارةَ أصحاب المشاريعِ الصغيرة المختصة بهذا النوع من الطعام، إذ أن استخدامَ مركبات الفوسفات أمرٌ ضروريّ وجوهريّ في صناعة الدونر لما لها من علاقةٍ وضّحناها سابقاً بجودةِ المنتج النهائي من حيث النكهة والقوام.

 

وصرح Kenan Koyuncu  من الجمعيةِ الألمانية لمنتجي الدونر كباب the German Association of Doner Kebab Producers لصحيفة بيلد اليومية الالمانية Germany’s Bild daily newspaper أن هذا القرار – في حال اتخاذه – سيكون بمثابةِ عقوبةِ الإعدام لصناعةِ الدونر كباب في الاتحاد الأوروبي.

 

ووفقاً لصحيفة فرانكفورتر روندشاو اليومية daily Frankfurter Rundschau فإن هناك 16،000 مطعماً يقدّم وجبةَ الدونر في ألمانيا، و3 ملايين من الأطباق يتم بيعها يومياً. أما في بريطانيا وسائر المملكة المتحدة، فُيباع ما يقدر بـ 1.3 مليون دونر كباب كل يوم من أكثر من 20،000 منفذاً للبيع، كما يعمل حوالي 200،000 شخصٍ في هذه الصناعة في جميع أنحاء أوروبا. وبحسبِ Ibrahim Dogus، رئيس حملة الوجبات الجاهزة البريطانية British Takeaway Campaign، وهي منظمةٌ شاملةٌ تمثل مجموعاتِ الوجبات السريعة بما فيها جمعيةُ الكباب Kebab Association فإن حظرَ الاتحاد الأوروبي للدونر سيضر بصناعةِ الوجبات الجاهزة، علماً أنّ هذا القطاعَ يولِّد 4.5 مليارَ جنيهٍ استرلينيّ في النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة ويدعم 231،000 وظيفة.

 

ردود الفعل على هذا القرار:

لقي هذا القرار ردودَ فعلٍ غاضبةً كثيرة، وخاصةً من قِبَل مُصنِّعي هذه الوجبة في ألمانيا الذين صرحوا أن اللحوم المستخدمة في تصنيع الدونر تحتاج إلى إضافاتٍ للحفاظِ على العصيرية المرغوبةِ والغنيةِ بالنكهات اللذيذة. كما تطورت رداتُ الفعل إلى اتهاماتٍ بالتمييز بين صناعة الدونر وصناعةِ بعضِ أنواعِ النقانق التي تحتوي على الفوسفات ولا زالت مسموحة، وبلغت حدَ توجيهِ أصابعِ الاتهامِ نحو التمييز العنصري بسبب جنسيةِ هذا المنتج.

 

أما نحن -أعضاءَ "الباحثون السوريون" الموجودون في أوروبا فسنعاني كثيراً إذا تم منع الشاورما! ولكن الناحيةَ الصحية هي الأهم، فما رأيكم أعزاءَنا المغتربين؟ وما شعوركم إذا أُقِرّ الحظر بالفعل؟

 

المصادر:

 

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

Nguyen Huynh Bach Son Long، Robert Gál and FrantišekBuňka; Use of phosphates in meat products; African Journal of Biotechnology Vol. 10(86)، pp. 19874-19882، 30 December، 2011; Available online at هنا