العمارة والتشييد > التصميم المعماري

ستّةُ مطاراتٍ بديعةُ التصميم وأكثرُ استدامةً؛ الجزء الثاني.

استمع على ساوندكلاود 🎧

تحدّثنا في الجزءِ الأوّلِ من هذا المقال عن دخول مفهومِ الاستدامة في تصميم المطارات، وعن بدايات هذه الفكرة في مطار ستانستيد أيضاً، ونأتيكُمُ اليومَ بمزيدٍ من الأمثلة عن المطاراتِ الأكثر استدامةً، إذ نتحدّثُ عن شهاداتِ العِمارة المُستدامة من أنظمة LEED، BREEAM  و DGNB الّتي تسعى هذه المطارات لاستحقاقها.

 

4)- مطار بكين، الصين، نورمان فوستر

يُعَدُّ مبنى الركَّابِ هذا أحدَ أكثر المباني استدامةً في العالم؛ إذ يتضمّنُ مجموعةً واسعةًً من مفهوماتِ التصميم البيئيّ الخامل (السلبي) (1) ؛ مثلَ الفُتحاتِ السقفية الموجَّهة باتجاه الجنوب الشرقي الّتي تُساعدُ على الاستفادة القصوى من الحرارة المُكتَسبة من أشعة الشمس في الصباح الباكر، وإنَّ مثلَ هذا النظامِ المتكامل للتحكُّم في البيئة يقلِّلُ من استهلاك الطاقة.

وفيما يخصُّ عمليةَ الإنشاء؛ فقد تطلَّعَ تصميمُ المبنى إلى الاستفادة القصوى من أداء مواد البناء الّتي اختيرَت على أساسِ مدى توفُّرِها محلياً، وفاعليّتِها، وإمكانيّةِ تنفيذها؛ فضلاً عن انخفاض تكاليف الشراء، وممّا يلفتُ النّظر أنَّ هذا البناءَ قد صُمِّمَ وأُنشِئَ خلالَ أربعةِ أعوامٍ فقط.

وقد صُمِّمَ تحت مَظلَّة سقفٍ واحدةٍ لربطِ المبنى، إذ تهدِفُ فُتحاتُ السّماءِ المستقيمةُ إلى المساعَدة في تحديد الاتّجاهات والسماحِ لضوءِ النّهار بالنّفاذِ ـ وتتغيَّرُ الألوانُ المُتساقِطةُ من اللون الأحمر إلى اللون الأصفر تِبعًا لتقدُّم المسافرين عبرَ المبنى.

5)- مطار الكويت، الكويت، نورمان فوستر

يتميّزُ التصميمُ بكونه ملائمًا لموقعِه الخاصّ، إذ يتلاءمُ تماماً مع مُعطيات المناخ في إحدى أكثر البيئات على وجه الأرض ارتفاعاً في درجات الحرارة، وقد نُفِّذَ التصميمُ باستخدام نماذجَ وموادّ محليّةٍ، ويتميَّز المبنى بتصميمٍ ثلاثيِّ الأفرُعِ، فهو يتكوَّنُ من ثلاثةِ أجنحة متماثِلة لبوابات المغادَرة، ويبلغ طولُ كلِّ واجهةٍ 1.2 كيلومتراً، وتنطلقُ جميعُ الواجهات من فراغٍ مركزيٍّ كبيرٍ بارتفاع 25 مترًا.

صُمِّمَ المبنى تحت قُبّةِ سطحٍ تتخلَّلُها فتحاتٌ مُزجَّجة تعملُ على تصفيةِ إضاءة الشمس، وتبدّد في الوقت نفسه الإشعاعَ الشمسيَّ المباشرَ بعيدًا عن المبنى، وتمتدُّ القبّةُ لتظليل ساحة المدخل الكبيرة، وتدعمُها أعمدةٌ خرسانيةٌ مُستدِقَّةٌ استُوحيت تصميماتُها الأوليّة من التبايُنِ بين صلابة الحجر وشكلِ زوارقِ الإبحار الشراعيّة التقليديّة في الكويت وحركتِها.

وتستهدفُ المحطة الحصول على التّقييمِ الذهبيِّ في برنامج الرّيادة في الطاقة والتصميم البيئيّ؛ لِتكونَ أوَّلَ محطة رُكَّابٍ في العالم تنالُ هذا المستوى من الاعتماد، وتجمَعُ الخصائصَ الحراريّةَ للمباني الخرسانية مع قُبّةٍ كبيرةٍ من ألواح تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء مُثبَّتة على السطح لتوليد الطاقة الشمسية.

تُمنَحُ هذه الشهاداتُ بناءً على كفاءةِ عمليّةِ تشغيلِ البناءِ، وأنظمةِ صيانتِه، وتقوم المطارات في الولايات المتحدة حالياً بإدخال تحسيناتٍ كبيرةٍ على أبنية رُكَّابِها، وإحدى أكثرِ هذه التحسينات شيوعاً هي أنظمةُ الطَّاقة المُتجدِّدة (الألواحُ الشمسيّةُ) ونُظُمُ إدارةِ المياه (التجهيزاتُ، وإعادةُ استخدام المياه، والحدائقُ المُتكيِّفةُ مع الجفاف)، والتهويةُ والإضاءةُ الطبيعية، وموادُ البناء الطبيعيّةُ والقابلةُ لإعادة التدوير.

6)- مطار مدينة مكسيكو، وأنظمة LEED، BREEAM and DGNB

ومن بين الأمثلة على هذه التصاميم الجديدة للمطاراتِ مطارُ مدينة مكسيكو لنورمان فوستر والّذي قطع شوطاً كبيراً فيه بتطوير فكرة مطار ستانسيد، إذ يهدِفُ التصميمُ إلى تطبيقِ معاييرِ الحصول على شهادة LEED البلاتينيّة، فقد عمل المصمّمون على تخديم المبنى من الأسفل، محرِّرينَ بذلك السقفَ من الأنابيب والتمديدات، ومُفسِحينَ المجالَ لهذهِ البَشرةِ البيئيّةِ (السقف) بالعمل، إذ تستفيدُ هذه التغطيةُ من طاقةِ الشَّمسِ، وتجمَعُ مياهَ الأمطارِ، فضلاً عن تأمينِها للتظليلِ، وضوءِ النهارِ الطبيعي، والإطلالةِ الجميلة، وكذلكَ يعملُ نظامُ التهوية المُتَّبَعُ في المبنى على مبادئ التهوية بالإزاحة (2) خلال فترةٍ طويلةٍ من العام، إذ تُؤمَّنُ الراحةُ الحراريّةُ كليّاً عبرَ الهواءِ الخارجيِّ مع الاستغناء عن أنظمةِ التدفئةِ والتبريدِ الإضافيّةِ أو استخدامِها بالحدودِ الدُّنيا فقط.

إنَّ التقدُّمَ في تقنيّات البناء واضحٌ جدّاً، وكذلك الطلبُ المتزايدُ للتنميةِ المستدامة، ومن الممكن لنا استخلاصُ النتائجِ الآتية حولَ التيّاراتِ المُعاصِرة في تصميمِ أبنية المطارات:

- يُمكنُ بكلِّ تأكيدٍ عَدُّ مبنى مطار "ستانستيد" أنموذجاً واضحاً ورياديّاً في مجال الاستدامة.

- أصبحت شهاداتُ تطبيقِ معاييرِ الاستدامةِ في أبنيةِ المطاراتِ أمراً ضروريّاً ورائجاً بسببِ انتشارِ الوعي البيئيّ في المجتمعات.

- إنَّ نموذجَ مطار "ستانستيد" مع تطويرِه بعمليّاتِ التصميمِ الواعية والمُستدامة الّتي تهدِفُ إلى نيلِ شهاداتِ تطبيقِ معاييرِ الاستدامة قد رَسمَا الطريقَ لاتّخاذِ القراراتِ الصائبة في عملية التخطيط الاستراتيجيّ للمطاراتِ في المستقبل.

نهايةً، هل تعتقدون أنّ للعِمارة دوراً مهماً في الحفاظ على البيئة، أم إنَّ دورَها ثانويٌّ مقارنةً بالانبعاثاتِ الكربونيّة المُرافِقةِ للصّناعاتِ الثقيلة في الدُّوَلِ المُتقدِّمةِ؟! شاركونا بآرائكم.

-------------------------------------------------------------

(1): التصميم البيئي أو الشمسي السلبي passive environmental/solar design :

التصميمُ الشمسيُّ السلبيُّ: تُصمَّمُ النوافذُ والجدرانُ والأرضيّاتُ لِتقومَ وحدَها بجمع الطاقةِ الشمسيةِ وتخزينِها ونشرِها على شكلِ حرارةٍ في الشتاء، وتقوم هذه العناصرُ نفسُها بنبذِ تلكَ الحرارةِ صيفاً، لذلك تُدعَى هذه الطريقةُ بالتّصميم السلبي، وهي تعاكسُ التصميمَ الإيجابيَّ أو الفعّالَ الّذي يتضمّنُ استخدامَ أجهزةٍ ميكانيكيةٍ وكهربائيةٍ لتحقيق الرّاحةِ الحراريةِ ضمنَ المبنى.

المصدر: Doerr، Thomas (2012). Passive Solar Simplified (1st ed.). Retrieved October 24، 2012.

(2): نظامُ التهويةِ بِالإزاحةِ Displacement ventilation (DV): وتؤمَّنُ فيه تياراتُ هواءٍ خارجيٍّ بسرعةٍ منخفضةٍ، وذلكَ عبرَ مَضخّاتٍ متوضِّعةٍ في منسوبٍ منخفضٍ من الفراغِ (الطابق الأرضي)، ويُسحَبُ الهواءُ من منسوبٍ عالٍ في الفراغ (السقف).

المصدر: Chen، Q.; Glicksman، L. (1999). Performance Evaluation and Development of Design Guidelines for Displacement Ventilation. MA.: ASHRAE.

-------------------------------------------------------------

مصادر المقال: 

1 - هنا

2 - هنا