علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

لماذا يصدق البعض نظريات المؤامرة؟ وما الضرر الذي يمكن أن يحمله ذلك؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

بالرجوعِ إلى دراسةٍ جديدةٍ قد نُشِرَت في صحيفةٍ أوربيّةٍ لِعلمِ النَّفس الاجتماعي؛ فإنَّ الأشخاصَ الّذين يميلونَ إلى تَصديقِ نظريّاتِ المُؤامِرة إنّما يفعلونَ ذلك بسبب الحاجةِ إلى لفتِ الانتباه أو التميُّزِ؛ أي - بمعنىً آخر - يريدون أن يظهروا مُختلفين عن طريق التَّصديقِ بالأمورِ المثيرةِ للجدل.

ويُعَدُّ الأمرُ مماثلاً لاتّخاذِ هوايةٍ غريبةٍِ تجعلُهم يتميّزون عن الآخرين؛ كما في النظريّاتِ الّتي ناقشت شكل الأرض، إذ أعطَت صاحبَها إحساساً بالتميز لاعتقادِه أنّه اكتشف شيئاً لم يكتشِفْه الكثيرون.

ومن أجل تجربة هذه النظريّة، قام فريق من الباحثين من جامعة جوهانس غوتنبيرغ في ماينز-ألمانيا، بسلسلةٍ من الدّراسات ليُظهِروا كيف يمكن لحاجة التفرد أن تجعلَ الناسَ يصدّقون هذا النوع من  نظريات المؤامرة.

تصديقُ نظريّةِ مؤامرةٍ واحدةٍ يمكِنُ أن يدفعَكَ لِتُصدِّقَ نظريّاتٍ أُخرى:

في الدراسة الأولى؛ قُيِّمَت حاجةُ التفرد عند 238 شخصاً، ومدى مقاومتِهم لتصديق 99 نظرية مؤامرة، وأظهرت النتائج أنَّ تصديقَ نظرية واحدة يمكن أن يؤدّي إلى تصديق نظريّات أكثرَ، وأنَّ هناك علاقةً بين هذه المقاومة والحاجة لعدم الانسياق مع القطيع!

وكانت الدراسة الثانية متطابقة تقريباً، ولكنّها استخدمت أكثرَ خمسِ نظريّاتٍ معروفةٍ وأقلَّ خمس نظريات معروفة فقط.

وفي الدراسة الثالثة؛ حاول العلماء فيها التلاعبَ بحاجاتِ المشاركين حتّى تختلف النتائج، وقد قاموا بذلك من خلال فحص حاجة 223 طالباً للتفرد، وقُسِموا إلى مجموعتَين: كان على المجموعة الأولى أن تكتبَ موضوعاً عن  ضرورة الفردية، والثانية ستكتب عن ضرورة الانسجام.

ثم قرأ كلُّ المشاركين خبراً مُفبرَكاً من قبل الباحثين في صحيفةٍ عن حادث سير لحافلة في مولدوفا كان فيه ثمانيةُ سياسيّين معارضين، فبدا الحادث وكأنه مؤامرة! وهنا؛ فالذين كتبوا عن الفردية كانوا أكثر تصديقاً لقصة المؤامرة، ولكن لم يكن الفرق بينهم وبين مجموعة موضوع الانسجام كبيراً.

وكانت الدراسةُ الرّابعةُ مُشابِهةً، ولكن أضافَ الباحثون مزيداً من التلاعُب؛ إذ قالوا للمشاركين أنَّ الحاجةَ للتفرُّد هي طريق للنجاح.

كانت نسبة تصديق الحادث عند الأشخاص الذين يصدِّقون المؤامرة أعلى بمجرد أنهم علموا أنه كان رأي الأقلية! وتُظهِرُ النتائجُ أنَّ الأشخاص الذين يقومون بإطلاق نظريات المؤامرة يميلون إلى التصرف على هذا النحو في الحياة الحقيقية، وليس بما يتعلق بالموسيقى أو الأزياء فحسبُ.

والأمرُ المفاجِئُ أنّ 25% من المشاركِين ظلّوا مُصدِّقين قصةَ الحادث المُفبرَك حتّى بعد أن أخبرَهم الباحثون أنّهم اختلقوا القصّةَ من أجل الدراسة فقط.

يمكن ألَّا يكونَ أصحابُ النظريّةِ على حقٍّ، ولكنّهم سيُذكَرون:

يقول العلماء أنَّ التفسيراتِ السابقةَ للَّتفكير بالمؤامرة أظهرَتْ وجودَ إحساسِ التحكُّم والتفكيرِ غير التحليليّ لدى صاحبه ممَّا يجعله ذا صفةٍ نمطيةٍ تُصاغ على أنَّه فردٌ قلِقٌ وغيرُ عقلانيّ؛ أي عندما يُطلِقُ الشخص نظريّة مؤامرةٍ يُمكِنُ ألّا يُصدَّقَ، ولكنّه سوف يُذكَرُ بالتأكيد.

اعتقاداتُهم يمكن أن تؤذي:

إنَّه لَمن الممتعِ الجدالُ مع صاحب النظرية عمّا إذا كانتِ الشّمسُ حقيقيّةً أم لا، ولكنّ اعتقادَهُ هذا يُمكِنُ أن يكونَ مؤذياً. فعلى سبيل المثال؛ إنَّ الأشخاصَ الذين يعتقدون أنَّ تغيُّرَ المناخ غيرُ حقيقي أو أنَّ التلقيحَ يُسبِّبُ التوحُّدَ ينشرونَ حقائقَ خاطئةً عن البيئة والصحة.

وللأسف؛ يَجِدُ الصحفيّون المُختصُّون بعلم النفس أن تناقل مثلِ هذه القصص الخاطئة عن هذه المواضيع يجعل العامة أكثرَ شكّاً، فقد أكّدَ المئات من الأطباء - مثلاً - على عدم وجود أي رابطٍ بين التلقيح والتوحد، ومع هذا فلم يُوقِفْ ذلكَ بعضَ الأهالي من منع أبنائهم من أخذ اللقاح بسبب نظريات المؤامرة التي ظهرت عن هذا الموضوع.

ويرى دانيال جولي - من جامعة ستافوردشير - و كارين دوغلاس - من جامعة كَنت - أنَّ أفضلَ طريقةٍ لمنع انتشار نظريات المؤامرة هي إظهارُ المعلومات الحقيقية للموضوع قبل إظهار النظريّة نفسها.

إذاً فإنَّ أفضلَ طريقة للوقاية من أخطر أنواع النظريات هو التعليم المبكر؛ أي ألّا يُعطى الناسُ الفرصةَ لإيجاد نظريات المؤامرة قبل أن يكونوا على علمٍ ودرايةٍ بالحقائقِ الفعليّةِ.

ولا أحدَ يريدُ أن يكونَ فرداً من "القطيع" على أيّةِ حالٍ.

 

المصادر:

1- هنا 

2- هنا 

3- هنا