الفيزياء والفلك > علم الفلك

لماذا اختارتِ الحياةُ الأرضَ وتجاهلَتِ القمر؟

عندما ترنو إلى السماءِ ليلاً فلا بدَّ أن تلاحقَ عيناك أكثرَ الأجسامِ سطوعاً في سمائنا؛ إنَّه جارُنا الأقربُ.. "وهل يَخفى القمر"؟!

أذهل البشريَّةَ لآلافِ السنين وعدَّهُ الأقدمون إلهاً لوقتٍ طويلٍ.. ألهمَ الشعراء وأثارَ فضول الفلكيّين والفنّانين.. وغدَت منازلُه مواقيتَ للزراعة والحصاد والوصل والشوق..

ومع تطوّرِ علومنا ومعارفنا يحقُّ لنا السؤالُ: هل تنتظرنا الحياةُ الفضائيّة على عتبة منزلِنا الأرضيّ؛ على القمر؟

وهل يمكنُ للقمر أن يدعمَ وجودَ حياةٍ على سطحِه ؟

 

بدايةً نسألُ: ما هو القمرُ وكيف تَشكَّلَ؟

هو التابعُ الطبيعيُّ لكوكبِ الأرض الذي يُتِمُّ دورةً كاملةً حولها كل 27.3 يوم، ويُتمُّ دورةً كاملةً حولَ محورِه كلَّ  27.3 يوم، وهذا التقاربُ بين زمنِ دوران القمر حول الأرض وزمنِ دورانه حولَ نفسِه يجعلُ الوجهَ نفسَه يقابلُ الأرض دوماً، ويُطلَقُ على هذهِ الظَّاهرةِ اسمَ الدورانِ المتزامِنِ، ويُقدَّرُ حجمُ القمر بنسبةِ 27% من حجم الكرة الأرضية بقُطرٍ قدرُه 3.474 كيلومتراً.

وما زالَ الجدلُ قائماً حولَ كيفيَّةِ تشكُّلِ قمرِنا، ولكنَّ النظريَّةَ السّائدةَ هي نظريّةُ الاصطدام العملاقِ التّي تنصُّ على أنَّه في الأيّام الأولى لتشكُّلِ كوكبِنا - قبلَ أنْ تتطوَّرَ أيَّةُ حياةٍ عليه - اصطدَمَ جسمٌ كوكبيٌّ آخرُ يُسمَّى "ثيا" - بحجمِ المِرِّيخ تقريباً - بالأرضِ الفتيَّةِ، ممَّا أدَّى إلى قَذفِ أطنانٍ من الموادِ إلى الفضاء الخارجي؛ لِتتَّخذَ مداراً حولَ كوكبِ الأرض، وكانت قوَّةُ الجاذبيّةِ كفيلةً بجذب هذه المواد بعضِها إلى بعضٍ وتجميعِها لِتُشَكِّلَ القمرَ الّذي نعرفُه اليومَ، ومنذ ذلك الوقتِ انتظمَ دورانُ القمر حولَ الأرض، ولذلك استطعنا الاعتمادَ على أطواره لتحديد التقويم.

ومع أنَّ القمرَ يبدو شبيهاً بالكواكب؛ ولكنّهُ يختلفُ كثيراً عنها، وأبسطُ هذه الاختلافات أنَّ القمرَ يدورُ حولَ كوكبٍ فيما الكوكبُ يدورُ حولَ نجمٍ ما، ولكنْ هل هذا هو الاختلافُ الوحيدُ؟ الإجابةُ هي: لا. ففي حالة الأرض و القمر الخاصِّ بها فإنَّ تركيبَ كلٍّ منهما مختلفٌ. إذ يوجَدُ في مركزِ الأرض لبٌّ كثيفٌ مكوَّنٌ من معادنَ ثقيلةٍ يولِّدُ حقلًا مغناطيسيًا وقوّةَ جاذبيّةٍ كبيرةَ تسمَحُ لكوكبِ الأرضِ بتكوين غلافٍ جويٍّ والاحتفاظِ به، وهو  الركيزةُ الأساسُ للحياةِ على سطح الأرض، فَدونَ هذا الغلاف الجويّ لَما كنَّا نحن موجودِين هنا اليومَ.

 

وممَّا سبقَ نطرحُ سؤالاً جوهريّاً: هل للقمرِ غلافٌ جويٌّ؟

كما ذكرنا آنِفاً؛ فالقمرُ لا يملكُ تركيبَ الأرضِ عينِه على الرغم من أنَّ بعضَ العناصرِ التي تُشكِّلُ القمرَهي نفسُها التي تشكِّلُ كوكبَ الأرض، وهذا يعودُ إلى طريقة تشكُّله وَفقَ نظرية الاصطدام العملاق، ولكنَّ الاختلافَ في التكوين - عموماً - لا يسمحُ للقمر بتكوين غلافٍ جويٍّ، وذلك لأنَّ القمرَ خاملٌ جيولوجياً (مع العلم أنه في عام ٢٠١٢ رصدَت وكالة ناسا بعضَ الشقوق على سطح القمر، وهذا قد يكون دليلاً على أنّه نَشِطٌ جيولوجياً، ممّا قد يُثبِتُ - بدورِهِ - عدمَ صحّةِ نظريَّة تشكُّلِه)، إذ دونَ إنتاجِ الغازات في لُبِّ كوكبٍ ما أو قمرٍ ما يستحيلُ الحصول على غلافٍ جويٍّ له.

ولكنْ في حالةِ قمرِنا، وحتَّى لو أُنتِجَتْ هذه المركَّباتُ الغازيّةُ؛ فجاذبيّةُ القمرِ الضعيفةُ تجعلُ من شبه المستحيل الاحتفاظَ بها، فكلُّ ما تحتاجُه هذه الجزيئات كي تنطلق إلى الفضاء الخارجي هو أن تكونَ سرعتُها مساويةً لسرعةِ الإفلاتِ من جاذبيّة القمر، وما أنْ تلامسُ أشعَّةُ الشمس هذه الجزيئات، فسوف تزوِّدُها بطاقةٍ كافيةٍ تمكِّنُها من بلوغ سرعة الإفلات  والتغلُّبِ على جاذبية القمر؛ أي فجميعُ الجزيئات اللازمة للعيش هناك تخرجُ من مجال جاذبية القمر.

وعلى الرغم من ذلك؛ فقد وُجِدَتْ بعضُ المركَّباتِ الثقيلة بالقرب من سطح القمر، ولكنَّها أبعدُ ما تكونُ من أن تشكِّلَ ما يشبه الغلافَ الجويَّ، لأنَّ كثافتَها متدنيّةٌ جدّاً .

 

ولكنْ هل تستحيلُ الحياةُ على سطحِ القمر؟

دونَ وجود غلافٍ جويٍّ؛ لا يُمكِنُ تكوُّنُ أيِّ مركَّباتٍ معقّدةٍ مطلوبةٍ للحياةِ بالشكل الذي نعرفه، وعندما يسعى العلماءُ لإيجادِ كواكبَ بعيدةٍ أو أقمارٍِ شبيهةٍ بكوكب الأرض، فهُمْ - أساساً - يبحثونَ عن مؤشِّراتٍ على وجود الماءِ، وذلك لإدراكنا بأنَّ الماءَ يُشكِّلُ الرَّكيزةَ الأساس للحياة على كوكب الأرض .

وبالاستنادِ إلى تاريخِ تشكُّلِ القمر وافتقارِه إلى غلافٍ جوي؛ يمكننا تصنيفُه على أنَّه صخرةٌ مَيْتةٌ، وفي هذه الظروف لا يمكن للحياة أن تَنشأَ وتتطوَّرَ هناك، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ الحياة لا يمكن أن تنجو على سطح القمر، فالعديدُ من مُحِبّي الخيالِ العلميِّ يأملونَ بأنَّ التكنولوجيا المستقبليّة سوف تساعدنا على غزو القمر واستعماره، مع أنَّ العقودَ القليلةَ الماضيةَ شهِدَتْ تغيُّرِ تركيزِنا نحو الكوكب الأحمر بدلاً من القمر.

 

وإنَّ النوعَ الوحيدَ من الكائنات الّتي يُمكنها أن تنجو على سطح القمر أو في الفضاء الفارغ هو دبُّ الماءِ؛ فهذا الكائنُ المِجهريُّ وُجِدَ في أنحاء العالم كافّةً، ويمكنه تحمُّلُ درجاتِ حرارةٍ وضغطٍ استثنائيّةٍ، وكذلك يمكنه النجاة دونَ أيِّ ماءٍ؛ فهو الكائنُ الوحيدُ الذي أظهرَ قدرةَ تحمُّلٍ للحياة في الفضاء الخارجي حيثُ درجاتِ الحرارةِ المتدنيّة جداً والضغطِ المنخفض، وكذلك مستوى الإشعاعات العالية الناتجة عن الشمس.

 

وقد تركَ الباحثون عيِّنةً تحتوي مجموعةً من كائن دبِّ الماءِ في الفضاء خارج المكُّوكِ الفضائيّ لمدة عشَرَةِ أيّامٍ وعندما أُعيدَتْ هذه العيّنة إلى كوكب الأرض كانت النتيجةُ الصادمةُ أنَّ أكثرَ من 60% من الدِّببةِ ما زالت على قيد الحياة بعدَ هذه التجربة، وهذا ما يجعلُ دبَّ الماءِ الكائنَ الوحيدَ الّذي يمكنه تحمُّلُ الظروف الاستثنائية على سطح القمر والنجاةُ هناك.

 المصدر: 

هنا