الغذاء والتغذية > الفوائد الصحية للأغذية

الكينوا أم الأرز.. أيهما الأفضل؟؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

من المعروف أن الأرز كان من أهم المحاصيل الاستراتيجية لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، ومن المنصف القول بأنه غذاءٌ أساسيّ لكثيرٍ من الشعوب حول العالم.. ولطالما كان متاحاً للجميع... ولكنّ الامر لا يخلو من المنافسة، فقد بدأنا منذ فترةٍ لا بأس بها بالتعرّف على أنواعٍ جديدةٍ من المحاصيل والحبوب والنباتات، والتي بدأت تكتسب شهرةً واسعةً بفضلِ التقنياتِ الحديثةِ التي سمحت لنا بالتعرّف على فوائدها والمغذيات الموجودة فيها، ومنها الكينوا Quinoa..

 

وقبل الحديث عن فوائد الكينوا لا بدّ من التعريج على بعضِ مواصفاتِها الأساسية، فهي لا تنتمي إلى محاصيل الحبوب وفق مفهومِنا الشائع لها، بل تُصنّف فعلياً مع أشباهِ الحبوب Pseudo-cereal، ويعودُ سبب التسمية إلى تماثلِ طريقةِ طبخِها وأكلها مع الحبوب، فضلاً عن التشابه الكبير في الخصائص الغذائية للمجموعتين، إلّا أنّها تنتمي للفصيلة القطيفية Amaranthaceae وجنس السرمق Chenopodium الذي يعتبر من أقرباء الشوندر والسبانخ.

وبالحديث عن فوائدها، نجد أنها:

1- تحتوي على البروتين الكامل: وهو أمرٌ عادةً ما نصادفُهُ في المنتجات اللحمية، ويندُر وجودُه في النباتات. ويعني ذلك أنها تحتوي على تسعةِ أحماض أمينيةٍ أساسية لا يستطيع جسم الإنسان تركيبها بنفسِه. ويعتبر محتوى هذه الحبوب من البروتين مرتفعاً بالنظر إلى حجمها الصغير، إذ يحتوي كوبٌ مطبوخٌ من الكينوا على 8 غراماتٍ من البروتين، مع الانتباهِ إلى ارتفاعِ محتوى الحريراتِ فيها مقارنةً مع المصادرِ الأخرى للبروتين.

2- خاليةٌ من الغلوتين: وهو أمرٌ شديدُ الأهميةِ للأشخاص الذين يعانون من حساسيةِ الغلوتين أو بعضِ المشاكلِ في هضمِه. مع ذلك، يجب على المريض الحذرُ عند شراء الكينوا، إذ يمكن أن تختلطَ في بعض الأحيانِ مع أنواعٍ من الحبوبِ الحاويةِ على الغلوتين (كالقمح) أثناء العملياتِ التصنيعية. توجدُ بعضُ العلاماتِ التجاريةِ الموثوقةِ التي تشيرُ إلى خلوّ المنتجِ من الغلوتين بكل وضوح، وينصحُ بالبحث عن هذه الشركات المصنِّعة قبل شراء الكينوا لضمان سلامةِ المريض.

3- غنيةٌ بالألياف: فكوبٌ واحدٌ من الكينوا يحتوي على 5 غراماتٍ من الأليافِ الغذائية، وهي أكبرُ من الكمية الموجودة في حجمٍ مماثلٍ من الأرز الأبيضِ أو الأسمر. تساعدُ الألياف على الوقايةِ من الإمساكِ وضبطِ مستوى سكر الدم، والكوليسترول، كما تساهمُ في الحفاظِ على الوزن عبرَ إشعار الشخص بالشبعِ لمدةٍ أطول.

4- مصدرٌ غنيّ بالمعادن: كالحديد، والمغنيزيوم، والمنغنيز، والفوسفور، والزنك، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والسيلينيوم.

5- وتحمل فوائدَ محتملةً للأمعاء: إذ يمكن للكينوا أن تساهم في حمايةِ الجهاز الهضمي حسبَ دراسةٍ أجريَت عامَ 2012. وقد وجدُ حينها أنّ السكرياتِ المتعددةَ الموجودةَ في جدرانِ خلايا الكينوا تمتلكُ دوراً في وقايةِ الأمعاء من الآفاتِ المعويةِ الحادة لدى الفئران. وعلى الرّغم من أن الأمر يحتاجُ مزيداً من الدراسةِ قبل تأكيدِ تأثيرِه على البشر، إلّا أن الدلائل تشيرُ وبقوّةٍ إلى امتلاكِ الكينوا لفعاليةٍ مضادةٍ للالتهابات.

 

حسناً، ماذا عن محبّي الأرز؟ وما المفاجآت التي يمكن أن يكتشفوها في مقالنا اليوم؟

يتمتع الأرزّ بالعديد من المحاسنِ التي تجعلُهُ مرغوباً من قِبل الكثيرين، فهو سهلُ الهضم، كما يحتوي الصنف البني منه على كمياتٍ مرتفعةٍ من الألياف ويساعد في تخفيض ضغط الدم.

ويعابُ على الأرزّ الأبيض افتقارُهُ للكثير من العناصرِ الغذائيةِ مقارنةً بالأرزّ البني، ويعودُ ذلك طبعاً إلى عملياتِ التبييض والخطواتِ التصنيعيةِ التي يخضع لها قبل بلوغ الأسواق، إذ يزال خلالَ هذه الخطوات كلٌّ من القشورِ والنخالةِ ومعظمُ الجزء الداخليّ المعروفِ بالجنين والذي يكون عادةً غنياً بالمواد الدهنيةِ غير المشبعةِ والفيتامينات الذوابةِ في الدهون وغيرِها من المغذياتِ المهمّة. وبذلك يفقد الأرزُ الأبيض العديدَ من المغذياتِ والأليافِ حتى يصل إلى المستهلكين، الأمرُ الذي دفعَ بعضَ المصنّعين إلى إعادةِ تدعيمِه لتلافي الفقد المذكور.

أما الأرز البني فيختلفُ عن سابقِهِ بأنّ القشرةَ الخارجية هي الجزء الوحيد الذي يُزال أثناء المعالجة، ويُحتَفَظُ بالنخالةِ والجنين.

ويتميز كلا النوعَين بانخفاضِ الدهون والصوديوم وخلوّهما من الكوليسترول والدهون المتحولة. كما أنّهما يُماثلان الكينوا في خلوِها من الغلوتين، ممّا يجعلُ الأرز مواتياً لمن يعانون من حساسية الغلوتين، باستثناء الأنواعِ المستخدمةِ في تحضيرِ السوشي التي قد تحتوي على آثارٍ من الغلوتين أو مشتقاتِه.

يُذكر أن الأرز الأبيض يشكّل أحد عناصرِ النظامِ الغذائيّ المعروفِ اختصاراً بـ BRAT (أو موز Banana، أرزّ Rice، تفاح Apple، خبز محمّص Toast)، والذي يعتبر أساس الاستشفاء عند الإصابة بالمشاكل الهضمية كالإقياء والإسهال. في حين يتميّز الأرز البني بكونِهِ مصدراً غنياً بالمعادن كالفوسفور، والمنغنيز، والسيلينوم، والمغنيزيوم، كما يحتوي على كمياتٍ قليلةٍ من النحاس، والكالسيوم، والزنك.

كما نجدُ أن الأرزّ البني يتميز عن نظيرِه الأبيض في عددٍ من النقاطِ الإضافية، فكما هو الحال في الكينوا، تساعدُ الألياف الموجودةُ في الأرزّ البني في تعزيز عملية فقدان الوزن نتيجةِ دور الألياف في تحفيزِ الشعور بالشبع والامتلاء لفترةٍ أطول. كما أظهرت الدراسات أن تناولَ الأرزّ البني عوضاً عن الأبيض يساعد في تقليلِ الدهون في منطقةِ البطن، ويعملُ على ضبطِ مستويات سكر الدم بسبب انخفاض مؤشرِهِ الغلايسيميّ.

من جهةٍ أخرى، يساهمُ الأرزّ البني في تقليلِ ضغطِ الدم عبرَ فعاليّتِهِ في ضبطِ الوزن ضمنَ حدودِه الصحية، وتزويد الجسم بالبوتاسيوم الذي يحتاجُهُ، والمساعدةِ في الاستخدام الفعّال للإنسولين، والحدّ من ضرر الأوعيةِ الدموية.

 

هل يقرعُ الزرنيخُ ناقوسَ الخطر؟ أم أننّا ضمن الحدودِ الآمنة؟

بهوائِها ومائها وترابِها، ينتشرُ عنصرُ الزرنيخ في الطبيعة حولنا. ويُصنّف الزرنيخ اللاعضويّ كمادةٍ مسرطنةٍ للإنسان من قِبل وكالة الحمايةِ البيئيّة.

أمّا إدارةُ الغذاء والدواء الأمريكية، فقد اهتمّت بالأغذيةِ التي يمكن أن ينتقل هذا العنصر إلينا عن طريقها، فكان الأرز في مقدمة اللائحة، إذ يتصّف بسهولةِ عبورِ الزرنيخ إليه من المصادر البيئية المحيطة به. ولكن، ولحسن الحظ، فإن الاختباراتِ والفحوصاتِ العديدةَ المجراةَ على عيناتٍ عشوائيةٍ من الأرز ومنتجاتِهِ قد بيّنت انخفاضاً شديداً في مستوياتِ الزرنيخ. ولكن الجهاتِ المعنيّة وضعَت حدوداً لا يُمكن تجاوزُها في ما يخص وجباتِ الأطفال، كما أعطت تعليماتٍ واضحةً فيما يخصّ النساءَ الحوامل. علماً أن الآثارَ بعيدةَ المدى ما زالت غير واضحةِ المعالم، ولذلك يُنصح دائماً بالتنويع بين أصنافِ الحبوب المختلفة وعدمِ الاعتمادِ الكامل على الأرز.

 

الخلاصة:

يحتفظُ الأرزّ الأبيض بمكانتِهِ في مرحلةِ التعافي من الأمراض الهضمية، ولكنّ الأرز البني يبقى خياراً أفضل للصحة، كما يتساوى الأخيرُ مع الكينوا في الفوائدِ الصحيّة نظراً لما يتمتّعان به من غنىً بالألياف والمعادن التي تدعم صحةَ الجسم والجهازَ الهضمي. يمكن أن يحلّ أي من هذين المكوّنَين مكانَ الأرزّ الأبيض في أي وصفةٍ تقليدية.

 

المصدر:

هنا