البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

لماذا تدفعنا مقاومة التثاؤب إلى التثاؤب أكثر؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

وفقاً لبحثٍ حديثٍ يبحثُ في أصل التثاؤب المُعدي في الدماغ؛ فإنَّ هذا السلوكَ مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً  بالقشرة المُحرِّكة، إذ إنَّ محاولةَ إيقافِ التثاؤب تجعلُنا أكثرَ رغبةً لنتثاءبَ.

بدايةً؛ نحن لا نعرف حقاً لماذا نتثاءب، فأفضل نظريَّاتنا هي أنَّنا نفعل ذلك لتبريد أدمغتنا، استناداً إلى الحركاتِ التي نقوم بها خلال التثاؤب، ومع ملاحظةِ أنَّنا نقومُ بالتثاؤب في الشتاء - الذي تزيدُ فيه حرارةُ الجسم عن الحرارةِ المحيطيّة - بمعدَّلٍ أكبرَ من الصيف. وتقول الشائعة أنَّنا نفعل ذلك لشعورنا بالنُّعاسِ أو الملل (لذلك تُعَدُّ المدرسةُ مكاناً يكثرُ فيه التثاؤب)، الأمرُ الذي نعرفه جميعاً بناءً على تجاربنا الشخصية، أليس كذلك؟!

ومن جهة أخرى، فإنَّ التثاؤب هو فِعلٌ مُعدٍ للغايةِ، فكلُّ ما يتطلَّبُه الأمرُ هو تثاؤبُ طفلٍ واحدٍ في صفّه حتَّى ينتشر ذلكَ مثلَ النَّارِ في الهشيم بين زملائه. وقد أثار هذا التَّصرُّفُ حيرةَ العلماءِ وقتاً طويلاً، وفي خضمّ محاولاتهم للبحث عن أجوبة، انبرى أستاذٌ جامعيٌّ - متخصِّصٌ في علم الأعصاب الإدراكي في كلية علم النفس في جامعة نوتنجهام - إلى توجيه الجهود البحثيّة لدراسةِ الدماغ البشري لمعرفة ما يجعلُ التثاؤبَ مُعدياً.

وليسَ التثاؤبَ المُعدي (أو عدوى التثاؤب) شكلاً من أشكال الـechophenomena (التقليد التلقائي للكلمات أو الأفعال بما يشبه  "الصدى") فحسبُ، بل هو أكثرها شيوعاً أيضاً، وكذلك فنحنُ نعلمُ أنَّ حيواناتٍ أُخرى كالشمبانزي أو الكلاب تفعل ذلك أيضاً، وبأنَّها ترتبطُ بطريقةٍ أو بأُخرى بظروفٍ يُمكِنُ أن تستثيرَ أدمغتَنا بطريقة ما؛ مثل متلازمة توريت* أو التوحُّد أو الصَّرَع ( يمكن أن يشيرَحدوث الـechophenomena إلى مثل هذه الظروف). وأخيراً، فنحن نعلم أن هذا السلوك يعتمد اعتماداً كبيراً على الموقف الاجتماعي (أي ليصبح التثاؤب مُعدياً)، إذ عليك أن ترى وتنتبهَ أن شخصاً ما يفعل ذلك.

نحن لا نعلم لماذا نقوم بذلك، كما لا نعلم أيَّ أجزاءٍ من أدمغتِنا تدفعُنا لهذا السلوك، ولذلك هدَفَ الفريقُ إلى اكتشاف ذلك، إذ قاموا بعرض مقاطعَ فيديو يظهرُ فيها أشخاصٌ يتثاءبون على 36 شخصاً بالغاً يشارك في التجربة، وطلبوا منهم إمّا مقاومة التثاؤب أو القيام به. وخلال هذا الوقت، استخدم الباحثون التحفيز المغناطيسي للجمجمة transcranial magnetic stimulation (TMS) لنكز المناطق المستهدَفة من أدمغتهم، في محاولة منهم لتحديد المناطق التي تجعل التثاؤب مُعدياً، وقد صُوِّرَ المشاركون خلال هذه التجربة حتَّى يتمكَّنَ الفريقُ من إحصاءِ التثاؤبات في وقتٍ لاحقٍ، كما سُجِّلَتْ شدةُ التثاؤبِ طوال تلك الفترة أيضاً.

ومن خلال قياسِ استثارةِ القشرة الحركية للدماغ والتثبيط الفيزيولوجي لكلِّ مُشاركٍ، تمكَّنَ الفريقُ من التنبُّؤِ بِميلِ كلٍّ منهم للإصابة بعدوى التثاؤب، فقراءات التحفيز المغناطيسي للقشرة الحركية تعطي تنبؤات دقيقة عن التثاؤب، والتي تشير إلى أنَّ هذه المنطقة من الدماغ تؤدّي دوراً رئيساً في هذا السلوك، وربما عموماً في ظاهرةechophenomena.

ومن أجل اختبار نظريتهم؛ قام الفريق بتحفيز القشرة الحركية من خلال نظام (TMS)، ووجدوا أنَّ من شأنه أن يزيد - اصطناعاً - من ميلِ المشاركين للتثاؤب المُعدي.

يقول البروفسور Stephen Jackson: "إذا استطعنا أن نفهم كيفَ تؤدّي التغيُّراتُ في استثارة قشرة الدماغ إلى اضطرابات عصبية، فقد نتمكَّنُ من عكسها، فنحن نبحثُ عن العلاجات غير الدوائية المحتمَلة باستخدام (TMS) والتي يمكن أن تكون فعَّالةً في تعديل اضطرابات التوازن في شبكات الدماغ"، ويتابع : "نقترحُ أنَّ هذه النتائج قد تكون ذات أهميّةٍ خاصَّةٍ في فهم المزيد من الترابط بين استثارة القشرة الدماغية ووجود echophenomena في مجموعة واسعة من الحالات السريرية التي ارتبطت بارتفاع استثارة القشرة و/أو انخفاض التثبيط الفيزيولوجي مثل الصَّرَع، والخرَف، والتوحُّد ومتلازمة توريت".

ومن النتائج المفاجئة الأخرى أنَّه عندَ محاولةِ المشاركين كبحَ أنفسِهم عن التثاؤب زادَت الرغبة لديهم في فعل ذلك، ولذلك فمن الأسهل لك في المرَّة القادمة عندما تشعرُ برغبةٍ في التثاؤب أن تسمحَ لنفسك بفعل ذلك مباشرة، وقد يكون من الممتع أيضاً حينما تتثاءبُ بجانب أصدقائك أنْ تلاحظَ عددَ الأشخاص الذين سيصابون بعدوى التثاؤب هذا عند رؤيتك تفعل ذلك.

• متلازمة توريت: اضطرابٌ عصبيٌّ شائعٌ يبدأُ منذ الطفولة، ويتَّصفُ بتشنُّجاتٍ حركيّةٍ متعدّدةٍ وتشنُّجٍ صوتيٍّ واحدٍ على الأقلّ.

 

المصدر: 

هنا