الطب > مقالات طبية

الالتهاب و الاكتئاب

   يمرُّ جميعُنا بأوقاتٍ تتملّكه فيها مشاعرُ الحزنِ والضِّيق، التي سُرعانَ ما تتلاشى بعد عدة أيام، ولكنَّ الاكتئابَ ليس كذلك؛ فهو أكثر من الشعور بوعكةٍ أو حزن شديد، وإنّما هو اضطراب نفسيٌّ منتشرٌ وجادٌّ للغاية، ويؤثر سلباً على طريقة تفكيرك، وعلى مشاعرك وعلى تصرفاتك، ومن البديهي أنَّك اطّلعت بطريقة أو بأُخرى عليه عزيزي القارئ، إذ إنَّ ما يقارب 350 مليون شخص حول العالم يعاني من مرض الاكتئاب، ونظراً لانتشاره الواسع، فقد حَظيَ باهتمام خاصٍّ من العلماء .1

يرى العلماءُ أنَّ هناكَ علاقةً بينَ الجهازِ المناعيّ والدِّماغ تُساعِدُ في حدوث الاكتئاب، إذ يوجَدُ شخصٌ من بين أربعةٍ من الأشخاص المصابين بالتهاب الكبد الوبائي C يعاني من الاكتئاب عند علاجه بـِ "الإنترفيرون"؛ وهو أحدُ مُحفِّزاتِ السايتوكاين، ومن هذا المنطلق، أُجريَتْ تجربةٌ تعتمدُ على تحفيز الجهازِ المناعي في بعض المتطوعين الأصحَّاء أدَّتْ إلى ظهورِ بعضِ علامات الاكتئاب بالإضافة إلى ضَعْفِ النَّشاطِ المعرفي.

ويظنُّ العلماءُ أنَّ هنالك رابطاً بين الالتهابات وظهور أعراض الاكتئاب؛ وذلك بسبب دراسات سابقة أثبتَتْ أنَّ بعضَ الأشخاص المُصابِين بالاكتئاب يُعانُون من ارتفاع نسبة السايتوكاين. 2

وأمَّا عن ماهيَّةِ السايتوكاين، فهو مجموعةٌ من البروتينات الصَّغيرة الّتي تُفرِزُها الخلايا لِتحفيز الجهاز المناعي، إذ تُساهمُ في حدوث تفاعل الالتهاب.3

ووفقَ ما ذكرناه آنِفاً؛ يُفتَح المجالُ الآنَ لِسؤالٍ جوهريٍّ:

إذا ما ركّزنا عملَنا على علاجِ الالتهاب وبالأخص السايتوكينات الالتهابيّة فهل سنصلُ لعلاجِ الاكتئاب؟

عادةً، عند علاج المرضى النفسيين، يُعطَونَ دواءً وهميّاً Placebo؛ وهو دواءٌ لا يملكُ أيَّ تأثيرٍ فسيولوجي على جسم الإنسان؛ أي إنّما يهَبُ المريضَ شعوراً بأنَّه يتلقى علاجاً لمرضه النفسي؛ فيشعرُ  بتحسُّنٍ لا إردايٍّ لِفكرةِ أنه يتلقّى علاجاً ما، ولكن عند إعطاء مجموعة عشوائيَّة من الأشخاص أدويةً مضادّةً للالتهاب خاليةً من الستيروئيد (هي أدوية مضادة للالتهابات ذات نطاق واسع)مثل الإيبروفين، كعلاجٍ منفردٍ للاكتئاب؛ تكونُ النتائجُ أكثرَ فاعليّة من إعطائهم Palcebo، وتثبتُ هذه التجربة وجودَ يدٍ للالتهاب في ظهور أعراض الاكتئاب، ولكنَّ الأدويةَ المضادّةَ للالتهاب الخالية من الستيروئيد لها تأثيرٌ واسعٌ، وكذلك فهي تعملُ على مُستقبلاتٍ أُخرى مثلَ مُستقبلاتِ الجلوكوكورتيكويد (القشراني السكري)؛ وهذه المستقبلات لا تَمُتُّ بِصلَةٍ للاكتئاب، وبهذا يمكن أن تكونَ قدرة هذه الأدوية على معالجة الاكتئاب بسبب قدرتها على معالجة الالتهاب غير واضحة جداً؛ لوجود عوامل خارجية تتحكم في العملية العلاجية. وكذلك فبعض هذه الأدوية، مثل مثبطات cyclooxygenase، تقوم برفع احتمالية الإصابة بأمراض القلب، وقد أُجرِيَ هذا النّوعُ من التَّجارُب على أناسٍ مُصابين بأمراض مُزمِنة، ولم تتوضّحِ العلاقةُ بين تحسُّن المريض من الاكتئاب وتحسُّنِه من المرضِ المُزمِن.

لذلك كانَ العلماءُ بحاجةٍ لشيءٍ أكثرَ تخصُّصاً بالالتهاب! فوجبَ عليهم محاربةُ أحدِ الأسبابِ الرَّئيسة للالتهاب - أقصد عزيزي القارئ السايتوكاين -.

Cytokine modulators تعطي نتيجة أنقى في علاج الالتهاب، فهي تُستخدَم لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي والصُدَاف، وفي إحصاءاتٍ جديدةٍ لُوحِظَ أنَّ infliximab وهو أحدُ الـ Cytokine modulators أظهرَ تحسُّنَ على المرضى المصابين باكتئاب من النوع المقاوم للعلاج، ويعانون أيضاً من التهابات.

وإنّما يُجرَى هذا النوعُ من الأبحاث لِمعرفةِ الإجاباتِ عن هذه الأسئلة الجوهرية:

1. إذا ما أُغلِقَتْ طرقُ السايتوكاين، هل ستتأثر الحالة النفسية؟

2. ما علاقة مضادات الالتهاب بتحسن الحالة الجسدية؟

3. هل هناك علاقة بين شدة الاكتئاب وتأثير مضادات الالتهاب؟

4. هل للعمر والجنس تأثيرٌ على مدى فعالية مضادات الاكتئاب؟

إذا أُجيبَ عن هذه الأسئلة فسوف يتاح لنا معرفة العلاقة بين ال Cytokine modulators والاكتئاب؛ ففكرةُ أنَّ الاكتئاب قد يكون سبُبه البروتيناتِ الالتهابيّةَ في الدَّمِ فكرةٌ مثيرةٌ للاهتمام كثيراً، وتفتحُ هذه الدراسات آفاقاً جديدةً لبحوثٍ كثيرةٍ في المستقبل عن الاكتئاب، فثُلثُ المصابين بالاكتئاب حول العالم لا يُمكِنُ لأدوية مضادات الاكتئاب العادية علاجُهم، وبهذا يكون العلاج عن طريق مهاجمة البروتينات الالتهابية أملَهُم الوحيدَ في العلاج. ولكن يجب الأخذ بعين النظر أنَّ هذه الأبحاث أُجريت على أناس كانت أعراض الاكتئاب لديهم أعراضاً ثانويَّةً، ونحتاج الآن إلى أبحاث على مرضى الاكتئاب الأوَّلي والأساسيّ، ويجب الانتباه إلى وجودِ آثارٍ جانبيَّةٍ لِـ Cytokine modulator مثل الحساسيَّةِ الشديدة، وأمراضِ المناعة الذاتية، وهذا ما يقتضي منّا دائماً أن نتأكَّدَ من أنَّ المنفعةَ المُحتمَلةَ لن تكون أقلَّ من الآثار الجانبية.

وجديرٌ بالذكر أيّها القارئ العزيز أنَّ علاجَ الاكتئاب لا يكون مرتكزاً إلى الأدوية دائماً؛ فالتمارينُ الرياضيَّةُ وجلساتُ العلاج النَّفسيِّ جيّدةٌ لعلاج الاكتئاب.4

 

المصادر:

(1): هنا

(2): هنا

(3):  هنا

(4):  هنا