علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

كيف تساعدنا الشمبانزي على فهم الاضطرابات النفسية؟

يُعتبر الاختلال العقلي أو(Psychopathy) حالةً من السلوك المعادي للمجتمع، يتَّصف صاحبه بسلوكياتٍ منحرفةٍ واضطرابٍ في العلاقات الشخصية العاطفية، فهو لا يتمتع بأيِّ حِسٍّ من التعاطف أو الندم.

كان علماء النفس سابقاً في صراعٍ حول تعريف هذا الاضطراب ووضع حدودٍ له، ولكنْ منذ عدة سنواتٍ تمَّ وضع نموذجٍ يساعدنا في فهم هذا الاضطراب يتلخّصُ بوجود ثلاثِ ميّزات: الجرأةِ الناجمةِ عن التفاعل ما بين الرغبة في السيطرة الاجتماعية من جهة وقلّةِ المرونة العاطفية والمغامرة من جهة، والدناءة بمعنى السعي الدائم والعدواني خلف مختلف الموارد دون مراعاة الآخرين، والسلوك الفاضح المرتبط بمشاكل في التحكم في الاندفاعات.

يعزو البحثُ الحاليُّ أسبابَ الاضطرابِ إلى الطبيعة والتغذية. هذا يعني أنَّ المختلين عقلياً يمكن أن يولدوا بالمرض أو أن يكتسبوه تبعاً لتربيتهم أو جيناتهم أو خليطٍ من الاثنين.

عمل روبرت لاتزمان (أخصائي أعصاب ومرشد نفسي متدرب بالإضافة لكونه بروفسوراً في جامعة جورجيا الحكومية) مع الأطفال والبالغين معظم حياته المهنية. إلا أنه وجّه تركيزه مؤخراً إلى دراسة سلوك قردة الشمبانزي.

ويعمل لاتزمان مع فريقه على البحث في إمكانية وجود اضطراب الاختلال العقلي لدى الشمبانزي، إذ يُمكن أن يُحدَّد مستوى الاختلال (إن وجد) لديهم من خلال ما يُظهرونه من الميزات التي ذُكِرت سابقاً بالاعتماد على مقياسٍ خاصٍّ بهم "CHMP-Tri scales".

في دراسته الجديدة عمل لاتزكان مع 164 شمبانزي من أجل البحث عن ميزات الاضطراب لديهم، وطلبوا من المسؤولين عنهم ذكر صفاتهم التي يعرفونها عنهم وفق مقياس CHMP-Tri. كان تاريخ الشمبانزي معروفاً لدى الباحثين، مما يعني أنَّهم قاموا بربط كلَّ فردٍ بعائلته، وقيموا مدى وجود ميزات الاضطراب في العائلة.

يقول لاتزمان: "وَجَدت الدراسة الأخيرة أنَّ الشخصية المختلة لدى الشمبانزي -كما لدى البشر- مرتبطةٌ بالوراثة. الشيء الذي لا نعرف الكثير عنه هو ماهية الجينات المحدَّدة المسؤولة عن هذا الأمر. لذلك بدأنا بدراسة المنطقة المتخصصة بأمور السلوك الاجتماعي – النظام الفاسوبريسيني."

الفاسبوبرسين vasopressin وهو ببتيد عصبي يُفرَز من الفص الخلفي للنخامى، يسمى بالهرمون المضاد للإدرار نظراً إلى دوره على الكليتين في احتباس السوائل، وهو يلعب أيضاً دوراً في تشكيل معقد السلوك الاجتماعي-العاطفي لدى البشر.

بَحَث الفريق فيما إذا كان للاختلافات في الجينات المرتبطة بالفاسوبريسين تأثيرٌ في اختلاف ظهور اضطراب الاختلال العقلي لدى الشمبانزي، وبالفعل كان هذا صحيحاً.

يقول لاتزمان أنَّ الجينات المتعلقة بالفاسوبريسين ليست المسؤولة عن الاختلال العقلي، لكنها تشكل جزءاً صغيراً من صورةٍ كبيرة ومعقدة أكثر.

لم تمَّ اختيار الشمبانزي من أجل هذا البحث؟

عمل الأخصائيون النفسيون في الكثير من الدراسات حول الاختلال العقلي والبحث في الذي يسببه، فيما إذا كان هناك علاماتٌ بيولوجيةٌ للاضطراب أو إذا كان بإمكاننا الوقايةُ منه أو علاجُه.

يقول لاتزمان أنَّه بإمكاننا التحقّقُ من العمليات السلوكية والعاطفية الموجودة لدى الشمبانزي، التي توازي تلك الموجودة لدى الإنسان. كذلك فهم يقومون باستعراض القضايا السلوكية لدى الشمبانزي بشكلٍ متجرِّدٍ من الضغوط الاجتماعية الخاصة بالإنسان. لم تُعلَّم قردة الشمبانزي على المشاركة، وليس عليهم أن يكونوا لطيفين مع بعضهم، وليس عليهم الاعتذار أو الانتظار من أجل دورهم. أما بالنسبة للإنسان فإنَّ أيَّ عاملٍ اجتماعي مختلف يمكن أن يؤثر في شخصية الفرد.

قامت مؤسساتُ بحثٍ أُخرى باستخدام كائناتٍ بدائيةٍ مختلفةٍ لدراسةِ الاضطرابات السلوكية. على سبيل المثال، أظهرت دراسةٌ لقردة الربص الهندية في جامعة وسكنسن إمكانيةَ انتقال القلق والاكتئاب من الآباء إلى أطفالهم.

وساعدت تقنية التصوير الدماغي في التعرف على المناطق الموجودة في أدمغة 600 قرد والمسؤولة عن نقل القلق من جيلٍ إلى آخر، وأظهرت النتائج أنَّ 35% من النزعات القلقية يمكن أن تفسَّر عن طريق تاريخ العائلة.

إنَّ طريقة تشخيص اضطرابات الشخصية تتغير. يقول لاتزمان أنَّ علم النفس يتطور بطريقةٍ سوف يبتعد فيها عن آلية التشخيص المختصرة بـ "إما لديك مرضٌ ما أو لا". على سبيل المثال، في حال التشخيص لمرض السكري من النمط الأول يقوم الطبيب بالنظر إلى نسبة الأنسولين المُفرَز من البنكرياس ومن ثم يقرر وجود المرض من عدمه. بينما يختلف الأمر فيما يتعلق بالاضطرابات النفسية، لا توجد تحاليلٌ بما بتعلق باضطرابات الشخصية فالأمر يتعلق بمدى إظهار العوامل والصفات الخاصة بالاضطراب أو المرض النفسي ومدى إحداثها للعجز في حياة الإنسان.

مثلُ هذه الدراسات التي تقام على حيوانات تملكُ نماذج دماغيةً قريبةً من النماذج الدماغية الخاصة بالبشر، وتقدم لنا الكثير حول الاضطرابات النفسية وربما ستوفر لنا أجوبةً حول كيفية ظهورها، مما يضعنا على الطريق في سبيل البحث عن آلياتٍ جديدةٍ للوقاية والعلاج منها.

 

المصادر: 

1- هنا 

2- هنا 

3- هنا