الفنون البصرية > أساطير الشعوب

سيزيف، هذا ما يحدث عندما يتحدى البشر الآلهة

استمع على ساوندكلاود 🎧

عُرِفَ سيزيف كملكٍ ومؤسسٍ لمملكة كورينث (إيفيرا) بحسب الأساطير الإغريقية، وهو ابنُ الملك إيولوس ملكِ ثيساليا وإيناريت، وله من الحورية ميروبي أربعة أبناء.

/p>

واشتُهِرَ كذلك بأنه ملكٌ قاسٍ وبلا رحمة، فعلى الرغم من سعيه لجعل مملكته مركزاً تجارياً مرموقاً، لكنّه كان ملكاً خبيثاً ومخادعاً يخرقُ قوانين الضيافة واحترامِ الزوّار مراراً، ويعتدي على المسافرين والضيوف. ولم يكن ذاك السبب الوحيد الذي أغضب الإله زيوس المسؤول عن حماية الضيوف والمسافرين والاهتمام بهم، فقد أفشى سيزيف كذلك سرَّ اختطافِ زيوس لإيجينا ابنة إله النهر أسوبوس؛ وأطلعَ الأخير على مكانها.

طلب زيوس من ثانتوس (ممثل الموت وابنِ الظلام والليلِ بحسب الأساطير الإغريقية) أن يقيِّد سيزيف في العالم السّفلي كعقوبةٍ له على تصرفاته الطائشة، ولكنَّ سيزيف الماكر تمكَّن من خداع ثانتوس؛ إذ طلبَ منه تجربةَ القيودِ ثمَّ كبَّله مكانَه، فاختفى الموت بتقييد ثانتوس، وفقدَ النَّاسُ رغبتَهم بخوض الحروب؛ ما أثار غضب آرِس إله الحرب، وسلبَهُ متعةَ قتلِ خصومه في المعارك، فقام بإطلاق سراح ثانتوس، وقيَّد سيزيف الذي ما لبثَ أن قام بمزيدٍ من الخُدَع والمكائدِ حتى ضاق زيوس ذَرعاً بحِيَله وغطرسته وتحدِّيه المستمر له، ففرض عليه عقوبةً برفع صخرةٍ حتى قمةِ جبلٍ لتتدحرج نحو الأسفل كلما بلغت القمة، وهذا ما يحتِّمُ عليه رفعَها من جديدٍ نحو الأعلى إلى ما لانهاية.

وعلى الرغم من غرابة قصة سيزيف، فقد كانت مصدر إلهامٍ لكثيرٍ من الفنانين حول العالم، وتحوّلَ إلى رمزٍ للعبثية واللاجدوى، وقد قام الفنان تيتزيانو فيتشيليو برسم لوحةٍ تُصوِِّرُ سيزيفَ دافعاً صخرتَه نحو قمة الجبل.

وكذلك فقد كتب الفيلسوف والكاتب المسرحي الجزائري الفرنسي ألبير كامو مقالاً نُشِر عام 1942 تحدّث فيه عن هذه الأسطورة من وجهة نظرٍ فلسفية، ونذكر منه هذا المقتطف: "يعود سيزيف في لحظة الحقيقة تلك إلى صخرته، ويتأمَّلُ بصمتٍ سلسلة من الأحداث غير المترابطة فعلياً على الرغم من قدرته على فهمها؛ لأنَّها أصبحَتْ قدرَه المصنوع بيديه والمنتهي بموته وحسب، فيغدو شبيهاً بالأعمى الذي يتوق ليبصرَ النور فيُكمِلُ حياته مع وعيه بأبديّةِ ليله؛ أي استمراريَّةِ تدحُرجِ الصخرة. وفي نهاية الأمر فإنَّ سيزيف يعطينا درساً في الإخلاص الأسمى الرافض للآلهة والرافع للصخور، وينفي أن هذا الكون عقيمٌ أو بلا جدوى. إنَّ كل ذرَّةٍ من  تلك الصخرة أو الجبل تكفي لتكوين عالمٍ بحدِّ ذاتِه، وفي رؤيتنا لقلب الإنسان المليء بالتحدي والصراع لبلوغ القِمَم؛ فإنَّ سيزيف كان رجلاً سعيداً."

المصدر: هنا