الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

استهلاك السيارات يشهد تحوّلاً جذريّاً

تتنامى الأدلة اليوم على أن مستقبل السيارات المدنية سيكون أكثر أماناً وفعالية، وأقل ضرراً  للبيئة؛ لذا فنحن نتجه نحو مستقبل يكون فيه الاعتماد على نظام الكهربة Electrification)) مصدراً رئيساً بديلاً عن الوقود، وستندمج هذه التقنية مع السيارات المتصلة بالإنترنت وتقنية القيادة الآلية.

حالياً؛ تشكل المركباتُ الكهربائية (Electric Vehicles) ما نسبته 1% فحسبُ من الأسطول العالمي للمركبات المُسيَّرة على الطرقات، ولكن هناك إمكانية أن تقفز هذه النسبة لتصبح 15 -35% من مجموع المبيعات العالمية للمركبات الجديدة وذلك بحلول عام 2040 وفقاً لشركة (IHS Markit) للاستشارات. وكذلك فقد زادت نسبة المبيعات العالمية بما يقارب 1000% منذ عام 2010، ومن المتوقع أن تشكلَ هذه المركباتُ في أوربّا والصين ما يقارب نصفَ المركبات المُباعة بحلول عام 2040، وفي الوقت نفسه؛ فإن السيارات المُسيَّرة آلياً قد تصبح النوع المُهيمن في الطرقات وفق التوقّعات!

سيارات تقود نفسها بنفسها!

تتجه صناعة السيارات حالياً نحو ما يُعرف بالسيارات ذاتية القيادة أو شبه الذاتية (السيارات القادرة على قيادة نفسها دون تحكم السائق بها، وبالطبع مع وجود السائق وراء عجلة القيادة)، ولا شك أنّ المدن ستكون بمثابة أولى المخابر التجريبية لتكنولوجيا القيادة الآلية.

ولكنَّ السؤال المطروح هنا: هل ستحل السيارات التي تعتمد تقنية القيادة الآلية مكانَ السيارات المستخدمة حالياً بسهولة؟ على الأرجح لا. لنأخذ المدن في الطليعة؛ على الأغلب سيكون هناك تطور باتجاه الاعتماد على نظام مشاركة السيارات ( وهو نظام تُربَطُ من خلاله مجموعةٌ من السيارات ببرنامج يمكن تنصيبه على هاتفك المتحرك، ومن ثم حجز السيارة التي تريد من خلال هذا البرنامج لوقت ما ).

وقد أكد Sam Abuelsamid - كبير محلّلي البحوث في برنامج (Navigant Research) -  أنَّنا سنرى في بادئ الأمر السياراتِ آليةَ القيادة حسب الطلب ضمن أساطيل السيارات المتنقلة، وكذلك فهناك احتمالية كبيرة بعدم قدرة المستهلكين على اقتناء هذا النوع من السيارات، وفي هذا السياق؛ أشار Abuelsamid أنَّ هناك أسباب مُجدية اقتصادياً لتصنيع أسطول من السيارات ذاتية القيادة، ومن ضمن هذه الأسباب حتميّةُ عملية الصيانة؛ إذ إنّه متى ما تُبَعِ السيّارةُ فإنَّ المُصنِّع لن يستطيع التحكم بالقطع الموضوعة في السيارة، وإنّما نتحدّثُ هنا عن سيارات تعمل من خلال حساسات وتقنيات متطورة ومعقدة جدّاً، لذا فإنه من الضروري عدم استبدال أيّة قطعة ببدائلَ رخيصةٍ وغير معروفة، كذلك أضاف أنه من الضروري وضع لوائح تنظيمية وتشريعات تحظرُ بيعَ القطع ذات النوعية الرديئة.

وتقول السيدة روبين تشيس - العضو المؤسس والمشارك في شركة زيبكار(Zipcar) -: " لو تشاركنا الركوب في السيارات التي نمتلكها، فإننا سنحتاج 10% فحسبُ من السيارات التي بين يدَينا اليوم، وسنكون قادرين على استئصال مشكلة الازدحام المروري، وإعادة الحياة إلى المدن المكتظة، إضافةً إلى إمكانية السفر من النقطة أ إلى النقطة ب بتكلفة تذكرة النقل العام بالحافلات، إضافةً إلى تحسين نوعية الهواء من خلال الحد من كمية انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المحترق".

كما يؤكّدُ السيد كريس براون - المحرر التنفيذي لأخبار تأجير السيارات - أنَّ المركبات آلية القيادة ستكون خياراً ملائماً لنظام دفع الاستحقاقات أولاً بأول pay-as-you-go system))، وخاصةً على المستوى المحلي، وهذا سيؤدّي دوراً كبيراً في تعزيز قوة قطاع تأجير السيارات من جهة التعامل مع العملاء والإدارة على المدى الطويل.

وتبقى المدنُ تحديّاً قائماً؛ وذلك بسبب محدودية المساحة، وعدم توفّر الأمكنة لشحن المركبات بالطاقة اللازمة للقاطنين في الشقق السكنية، ولكن قد تُحلُّ هذه المشكلة من خلال شحن أساطيل المركبات من هذه الفئة ضمنَ مراكز للشحن الجماعي.

وسيسمح الجيل الأول من السيارات آلية القيادة على الأقل لمالكيها بأن يقودوا سياراتهم بأنفسهم إذا ما رغبوا بذلك، إذ لا يزال حبُّ القيادة وممارستِها مهيمناً على العديد من سائقي السيارات، وهذا ما أكدته أبحاث عدّة؛ أي فحتى في حال توفُّر السيارات آلية القيادة فإنَّ العديد من الأشخاص سيرغبون بالاستمرار في قيادة سياراتهم بأنفسهم.

مستقبل النقل

تتطلّبُ القدرةُ على التكيف مع مفهوم السيارات آلية القيادة إعدادَ بُنىً تحتيةٍ في المدن تتلاءم مع هكذا نوع من السيارات؛ بما في ذلك بناءُ مسارات دقيقة وخاصة لها، إضافةً إلى مناطق مُسوَّرة.

ففي آسيا مثلاً، ومع النمو السكاني المتصاعد ضمن المدن المُسمَّاة  (Megacities) - وهو مصطلح يُطلق على المدن التي تحتوي ما يزيد عن 10 ملايين نسمة - هنالك اتجاه متزايد بالتخلي عن المركبات التي تسير على أربع عجلات؛ إذ باعت شركةٌ ناشئةٌ تُعرَف باسم غوغوروGogoro)) ما يقارب 15000 دراجة كهربائية أو ما يعرف بالعامية (السكوتر) في تايوان، مع توفير مئات المحطات على الطرقات لتبديل البطاريات؛ وأكد مؤسس الشركة هوراس لوك أنَّه يعتزم التوسع في المدن الآسيوية الأخرى، وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الشركةَ تدير مشروعَ مشاركة السكوتر في مدينة برلين-ألمانيا مع شركة بوش بوصفها شريكاً لها.

 

في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وعلى الرغم من التحديات المتعلقة بضرورة تطوير البنية التحتية للمواصلات، فإنَّ بعض المدن قد التزمت بإضافة خيارات جديدة للنقل، وخصوصاً السكك الحديدية الخفيفة، فوفقاً لمجلة نيوجيوغرافي لعام 2014 فإن المدنَ القديمةَ مثل نيويورك، وسان فرانسيسكو، وشيكاغو، وواشنطن، المزوَّدة بمترو أنفاق وسكك حديدية مجهزة على نحوٍ جيد تُشكِّلُ حالياً ما يقارب 77% من النقل العابر على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية.

سيبقى  لصانعي السيارات دورٌ كبير في مستقبل وسائل النقل، ولكنَّ طبيعةَ هذا الدور ستتغير تغيّراً كبيراً، فقد طرحت شركة(Volkswagen)على سبيل المثال صنفاً جديداً من المركبات في ألمانيا يُطلق عليه اسم(MOIA)، وهي عبارة عن مركبات نقل تعمل على الطاقة الكهربائية، وبالاستناد إلى مقال منشور في مجلة الـــفاينانشال تايمز عام 2016، فقد تأثَّر صانعو السيارات جزئيّاً بشركة أوبر (Uber) وهي شركة أمريكية مقرها الرئيسي في سان فرنسيسكو تعمل في أكثر من 633 مدينة عالمياً، إذ قامت شركة أوبر بتطوير أسواق تعمل على تطبيق أوبر للهواتف الذكية الذي يتيح لمستخدمي هذه الهواتف طلب رحلتهم الخاصة إذ يوجَّهُ سائقو أوبر الذين يستخدمون سياراتهم الخاصة لتنفيذ تلك الرحلات، الأمر الذي جعل عملية التنقل في المدن أسهل من ناحية الراحة والسعر، وكذلك بدأ هذا المفهوم يأخذ صداه في الأسواق العالميّة على حساب الملكية الخاصة للسيارات.

ويعتقد البروفيسور John MacDuffie - أستاذ الإدارة في جامعة بنسلڤانيا ( Wharton Business School) - أنَّ سكان المدن سيخططون تنقلاتهم في المستقبل القريب من خلال المفاضلة بين خيارات التنقل المتاحة لهم جنباً إلى جنب مع اختيار أنسبها لذاك اليوم، ومع إمكانية الجمع بينها، من استخدام وسائل النقل العام، إلى استئجار السيارات، إلى استخدام تطبيقات الهاتف النقال للبحث عن رحلة للوجهة المطلوبة (ride-hailing) إضافة إلى مشاركة السيارات، واستخدام خدمة الدراجات في المدينة.

يضيف البروفيسور MAcDuffie بأن هناك فرصة لوجود خدمة توفير حركة التنقل، وهذا يعني أنْ يقوم  المسافر بإخبار مزود الخدمة بالمكان الذي يريد الذهاب إليه، ومن ثم يزوّده الأخير بتفاصيل خط سير الرحلة كافّة، إضافة إلى جميع الوسائل الممكنة للوصول إلى الوجهة المطلوبة.

ويضيف أيضاً أنَّ صُنَّاعَ وسائلِ النقل سيميلون إلى التركيز على إرضاء مستخدمي خدمات النقل إلى أقصى حدٍّ ممكنٍ من خلال التركيز على متطلبات هذه الخدمات وفقاً لوجهة الرحلة ومسارها.

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا

5 - هنا

6 - هنا