الهندسة والآليات > التكنولوجيا

باحثون يربطون العقل البشري بالانترنت لأول مرة

على الرغم من كونِ الدماغ البشري المسؤول عن جلِّ ما وصلت إليه البشرية اليوم من اكتشافات، إلّا أنه بحد ذاته ما زال عصيًّا على الفهم ويكتنفه حتى الآن الكثير من الغموض، وما زالت أسئلةٌ من قبيل "كيف يعمل الدّماغ البشري؟" و"كيف يتحكم بهذا وذاك؟" و"هل نستطيع زيادة قوة دماغنا والتّحكم به؟" أسئلةً دون أجوبة.

حسناً، نحن نجزم أنك فكّرت لمرةٍ واحدةٍ على الأقل بواحد من تلك الأسئلة، ولست وحدك فالعديد من الباحثين يعملون ليلًا نهارًا سعياً لاكتشاف أسرار هذا الجزء العجيب في أجسادنا، لأن معرفة جوهره ستتيح لنا الاستغلال الأمثل لقدراته، وما الإنجاز الذي سنتكلم عنه اليوم إلّا خطوةٌ على طريق فهمٍ أوسع للدماغ البشري، فما هو هذا الإنجاز؟

حقّق فريقٌ من الباحثين في جامعة ويتس Wits في مدينة جوهانسبرج الجنوب إفريقية تقدّماً كبيراً في مجال الهندسة الطبيّة الحيويّة، فللمرّة الأولى على الإطلاق، استطاع الباحثون ابتكارَ وسيلةٍ تربط الدماغ البشري بالإنترنت آنيّاً. وقد أطلق الباحثون على مشروعهم اسم برينترنيت "Brainternet"، ويهدف المشروع إلى تحويل الدماغ إلى عقدةٍ من "إنترنت الأشياء" IOT على شبكة الويب العالمية.

يعمل المشروع من خلال قياس إشارات الدماغ وجمعها باستخدامِ جهازِ تخطيطِ أمواج الدماغ "Emotiv EEG"، الّذي يتصل مع رأس المستخدم. بعد أن يقيس الجهازُ إشاراتِ الدماغ يرسلها إلى حاسوبٍ مصغّر، وقد اختار الباحثون دارة "راسبري باي" لتؤدي دور هذا الحاسوب لصِغر حجمها وانخفاض تكلفتها، بعد ذلك تُعالَج البيانات، ومن ثمّ تُعرَض على موقعٍ مفتوحٍ للعامة حيث يمكن لأي شخص مشاهدتها والاستفادة منها.

يمكن مشاهدة مقطع الفيديو التالي الّذي يوضّح العملية المذكورة:

يقول آدم بانتانويتز Adam Pantanowitz، المحاضر في كلية ويتس للهندسةِ الكهربائيّة والمعلومات ومشرف المشروع: "يُمثِّل مشروع برينترنيت آخرَ ما توصل إليه العلم في مجال الواجهات الّتي تربط الدماغ البشري بالحواسيب. ونظرًا لوجود عَوَزٍ في البيانات الّتي تُساعد على فهم كيفية عمل الدّماغ البشري ومعالجته المعلومات، سيسعى هذا المشروع لتبسيط فهم الشّخص لدماغه وأدمغة الآخرين، وذلك عن طريق الرّصد المستمّر لنشاط الدماغ، وتمكين شيءٍ من التفاعل".

والمقصود بالنقطة الأخيرة هو تفاعلُ المستخدمِ مع دماغه، من خلال تحريكِ ذراعه مثلًا ومن ثمّ مراقبةُ الأمواج الدماغية الناتجة عن هذا الفعل.

مستقبل المشروع:

بالعودة إلى بانتانويتز، فقد أكّد على أنّ كل هذا ما هو إلّا مجردُ بداية وسيحمل المستقبل تطوّرًا كبيرًا في إمكانياتِ المشروع، وأنّ فريقَ العمل يهدِف لبناءِ تجربةٍ تتيح تفاعلاً أكبرَ بين المستخدمِ ودماغه. في سبيل هذا يرى بانتانويتز أنّه بالإمكان تحسينُ برينترنيت أكثر من خلال بناءِ تطبيقٍ للهواتف الذكية يمكنه جمعُ البيانات وتصنيفها ومن ثمّ تقديمها لخوارزميّةِ تعلّمٍ آلي (AI)، التي تُجري بدورها تحليلاً أعمقَ لهذه البيانات.

هذا ليس كل شيء، فهنالك تطوّرٌ رائعٌ محتملٌ للمشروع يتمثل في إمكانية نقلِ المعلومات في كلا الاتجاهين، أي من الدماغ وإلى الدماغ. وإن صَدَق القائمون على المشروع سيحقِّقُ إنجازاً كبيراً للبشرية، وكما هو معروف، لا تزالُ عملية الكتابة على الدماغ بعيدةً عن التنفيذ العملي وكل ما حققته البشرية ما هو إلّا محاولاتٌ غيرُ مكتملة.

خطوةٌ على طريقٍ طويل:

يُعدُّ مشروعُ برينترنيت خطوةً جادةً على طريق الوصول إلى تكنولوجيا بسيطة ورخيصة تمكننا من الاستفادة من أدمغتنا بالشكل الأمثل، فعندها نستطيع تنفيذ العديد من المهام عن طريق أدمغتنا فقط، أشياءَ بسيطةٍ مثل التحكم بالإضاءة أوالتدفئة، أو أشياءَ أعقدَ من ذلك كالتخاطر مثلًا، وإرسال الأفكار دون أن نتكلم حتّى.

بدأ العديد من الباحثون هذا الطريق الّذي نتكلم عنه ويكمله اليوم إيلون ماسك بإنشاء شركة Neuralink التي تهدف لتطوير التفاعل بين الدماغ و الحاسوب، وكذلك الزّرعاتُ الدماغية الّتي يعمل عليها برايان جونسون، وسيأتي هذا المشروعُ -عبر البيانات الّتي سيجمعها- مكمّلًا لهذه الجهود ومطوّرًا لها، مما يثير لدينا التساؤلَ عن شكلِ المستقبل الّذي ينتظرنا.

المصدر:

هنا