الهندسة والآليات > هندسة البترول والغاز

تقنية المسح الزّلزاليّ والبحث عن النّفط

يُطلق مصطلحُ استكشافِ الهيدروكربوناتِ على عمليّة البحثِ عن مخزونٍ جديدٍ من النّفط والغاز. وبما أنّ هذه المخزوناتِ توجد عميقًا تحت سطح الأرض، لجأ الجيوفيزيائيّون لابتكار طرائقَ للكشف عمّا في تلك المستويات. [1] يتطلّب البحث عن النّفط والغاز إلى معرفةٍ جيوغرافيّةٍ، وجيولوجيّةٍ، وجيوفيزيائيّةٍ. فعادةً ما يوجد النّفط الخامُ في أنواعٍ معيّنةٍ من المستوعِبات أو الخزّانات الجيولوجيّة (reservoir) الّتي تقع تحت تضاريسَ مختلفةٍ وضمن مناخاتٍ متنوّعةٍ. بعد اختيار المنطقة الهدف، تُجرى عليها العديد من المسوحات الجيوفيزيائيّة للحصول على تقييمٍ دقيقٍ لهذه التّشكيلات.

هنالك ثلاثة أنواعٍ شائعةٍ من التّقنيات المستخدمة لإجراء المسوحات الجيوفيزيائيّة:

1- المُسوحاتُ الطّبقيّة: تؤخذ فيها عيّناتٌ طبقيّةٌ من الطّبقات الصّخريّة الواقعة تحت سطح الأرض لتحليلها ولِتَتبُّعِ النّفط والغاز، إذ تُقطع أسطوانةٌ من الصّخور تدعى اللّب (core) بواسطة ثاقبةٍ جوفاءَ تُدفع إلى باطن الأرض وبعدها تُسحب العيّنة إلى السّطح لتحليلها.

2- مُسوحات الأمواج الراديويّة: تصويرٌ شعاعيٌّ تُستخدم فيه أمواج الرّاديو لاستنباط معلوماتٍ مشابهةٍ لتلك الّتي يُتوصّل إليها عن طريق المسوحات الزّلزاليّة. [2]

3- المسوحات الزلزالية: النّوع الأشيع في الصّناعة النّفطيّة، ونظرًا لأهمّيّة هذه التّقنية سنتناولها بالتّفصيل.

تُستعمل هذه الطّريقة للتّعرف على الهياكل الجيولوجيّة الّتي تَعمل كمصائدَ نفطيّةٍ [1]، والمصيدة النّفطيّة عبارةٌ عن مكانٍ تتجمّع فيه الهيدروكربونات عند هجرتها من منطقةٍ أخرى بفعل اختلاف الضّغط، وعند وصول الهيدروكربونات إلى المصيدة لا تستطيع أن تكمل هجرتها بسبب خواصّ صخور المصيدة الّتي لا تسمح بتحرّك الهيدروكربونات خلالها. تُقدّم المسوحات الزّلزاليّة معلوماتٍ عن الخصائص العامّة للطّبقات الواقعة تحت سطح الأرض [2]، وتستخدم لتخطيط مواقع الآبار ما يُقلّل من الحاجة إلى مزيدٍ من الاستكشاف ويقللّ الأثر السّلبيّ على البيئة. [3]

تتحرّك أمواج المسح الزّلزاليّ عبر الأرض تمامًا كما تتحرّك الأمواج الصّوتيّة عبر الهواء. [4] إنّ استخدام هذه التّقنية يشبه استخدامَ الأمواج فوقَ الصّوتيّةِ في الطّبّ، إذ تُظهر الأمواجُ الزّلزاليّةُ الأسطحَ الّتي تعكسها فقط. [3] توزَّع فوق سطح الأرض مصادرُ طاقةٍ صالحةٍ للاستخدام، ويوزَّع عددٌ مناسبٌ من أجهزة الاستشعار، ثمّ تصدِر مصادرُ الطّاقة الأمواجَ إلى الباطن، وتسجّل أجهزةُ الاستشعار بدورها الأمواجَ المنعكسةَ من الأسفل.

أمّا عن كيفيّة الحصول على أمواج المسح، فيوجد مجموعةٌ متنوّعةٌ من مصادر الطّاقة المُستخدمة لنشر الأمواج، وتسمّى المصادر الأشيعُ استخدامًا على اليابسة Vibroseis، وهي مَركباتٌ ثقيلةٌ وكبيرةٌ جدًّا يتراوح وزن إحداها بين 27000 و32000 كيلو غرامٍ. تُوضع لوحاتٌ ثقيلةٌ على الأرض، ثمّ تُهزّ باستخدام نظامٍ هيدروليكيٍّ تحويه تلك المركبات، فتولّد أمواجًا تنتشر إلى باطن الأرض، ويحدَّد مدى تردّد هذه الأمواج مسبقًا. [4] وتولَّد أيضًا هذه الأمواج بطريقةٍ أخرى، وهي وضْع متفجّراتٍ في ثقوبٍ ضيّقةٍ في باطن الأرض القريب، وبعدها تفجَّر لتُصدر أمواجًا تنتشر إلى باطن الأرض. [2]

تختلف تقنية توليد الأمواج الزّلزاليّة المستخدمة في البيئات البحريّة عن تلك المستخدَمة على اليابسة خوفًا على الحيوانات البحريّة كالحيتان والدّلافين في المقام الأول، إذ تُستخدم مسدّساتٌ تضغط الهواء وتطلقه فتتوّلد عن ذلك موجةُ ضغطٍ قويّةٍ تعبر عمود الماء إلى قاع البحر وتنتشر إلى باطن القاع، ثمّ تنعكس فتُلتقط الأمواج المنعكسة بواسطة أجهزة الاستشعار المسحوبة بواسطة السّفينة نفسها الّتي تسحب مسدّسات الهواء أو بواسطة سفنٍ أخرى. [4]

تسمّى أجهزة الاستشعار المستخدمة في البيئات البرّيّة أي اليابسةِ جيوفوناتٍ، أمّا تلك المستخدمة في البيئات البحريّة فتسمّى هيدروفونات. [3] [4] وتُوزّع أجهزة الاستشعار على المنطقة الممسوحة وفقًا لدراساتٍ هندسيّةٍ دقيقةٍ للحصول على نتائجَ صحيحة.

بعد أن ترتدّ الأمواج الصّوتيّة عن التّشكيلات الصّخريّة الموجودةِ تحت سطح الأرض، تلتقطها أجهزة الاستشعار على سطح الأرض لتُحلّل لاحقًا. تعتمد سرعة انتقال هذه الأمواج على خصائص المادّة الّتي تنتقل عبرها كدرجة انضغاط الصّخور، ووجود سوائلَ بين الصّخور، ونوعيّة السّوائل الموجودة. وبسبب اختلاف الصّخور عبر مسار الأمواج الزّلزاليّة فإنّ سرعة هذه الأمواج ستختلف أيضًا، وعندما تختلف سرعتها يحدث انعكاسُ الأمواج وانكسارها. [1]

يجدُر بالذّكر هنا أنّ أجهزة الاستشعار حسّاسةٌ جدًّا ما قد يؤدّي إلى توقّف عمليّة الاستكشاف، فمثلًا قد تتأثّر هذه الأجهزة بسرعة الرّياح وتتوقّف إذا بلغت 32 كيلو مترٍ في السّاعة، لأنّها قد تحرّك الأعشاب الموجودة في المنطقة، وبالتّالي تولّد ضوضاءً تؤثّر على استشعار الأجهزة. وحتّى حركةُ حشرةٍ صغيرةٍ كالنّملة فوق الجزء العلويّ من الجيوفون يمكن أن تؤثّر على القراءات.[4]

يطلَق مصطلح زمنِ الذّهاب والإياب (Two way Time) على الفترة الزّمنيّة من لحظة توليد الموجة الزّلزاليّة إلى حينِ عودتها إلى السّطح بعد انعكاسها عند طبقةٍ ما تحت الأرض، وتقاس عادةً بالملّي ثانيةٍ. وتُدعى هذه المرحلةُ مرحلةَ التّسجيلات الزّلزاليّة [1] إذ يسجّل طاقمُ الحقل البياناتِ فيها.

تأتي بعدها المرحلة الثّانية وهي مرحلة معالجة البيانات النّاتجة من المرحلة الأولى، إذ تمرّ مسودّة البيانات من عدّة معالَجاتٍ معقّدةٍ باستخدام أجهزة كمبيوترٍ فائقةٍ للحصول على نتائجَ دقيقةٍ وتنتج عندها صورةٌ لباطن الأرض، لكنّها ليست صورةً أو مقطعًا عرضيًّا، بل صورةٌ زلزاليّةٌ يُنظر إليها كأمواجٍ زلزاليّةٍ. [1]

بعدها تُجرى عمليّة تفسير المقطع الزّلزاليّ النّاتج لتحديد ورسم الهياكل الجيولوجيّة الّتي تمثّل المكمن النّفطيّ، وهي المرحلة الثالثة. [1] وأخيرًا يُحفر بئرٌ استكشافيٌّ بناءً على التّفسيرات النّاتجة للتّأكّد من كون كمّيّة الهيدروكربونات الموجودة مناسبةً اقتصاديًّا للاستثمار وكافيةً لعمليّة الإنتاج وتحقيقِ الأرباح. [1]

وقد استخدمت المسوحات الزّلزاليّة البرّية في مواقعَ حسّاسةٍ دون الإضرار بالمباني أو البيئة، وأجريت الدّراسات الزّلزاليّة في بيئاتٍ حضريّةٍ حسّاسةٍ مثلِ وسطِ باريسَ. ولم يظهر طوال أربعة عقودٍ من المسح الزّلزاليّ والمشاريع البحثيّة العديدة أيُّ دليلٍ على أنّ الدّراسات الزّلزاليّة تُضِرّ البيئاتِ البحريّةَ. [3]

يقول الخبير في استخدام هذه التّكنولوجيا للتّنقيب عن النّفط والغاز من مكتب الجيولوجيا الاقتصاديّة بجامعة تكساس بوب هارديج Bob Hardage: هناك تطبيقاتٌ أخرى لتكنولوجيا المسوحات الزّلزاليّة كالتقاط ثنائي أوكسيد الكربون وحجزه، ما يساهم في تقليل تلوّث البيئة، وهكذا فإنّ مجال استخدامِ تقنيات المسح الزّلزاليّ واسعٌ جدًّا. ورغم معرفتنا أنّ هذه التّكنولوجيا ستبقى مهيمنةً على الصّناعة النّفطيّة، قد تفاجئنا في المستقبل بتطبيقاتها، فمن كان ليعتقد قبلَ عشر سنواتٍ أنّ هذه التّكنولوجيا ستلعب دورًا هامًّا في عزل ثنائي أوكسيد الكربون؟! [4]

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا