الهندسة والآليات > هندسة البترول والغاز

ثورة النفط الصخري

يشيرُ مصطلحُ النّفطِ الصّخريّ عمومًا إلى الصّخورِ الرّسوبيّةِ الّتي تحتوي على موادَّ قارّيةٍ صُلبةٍ (ُتُسمى الكيروجين)، إذ يتحرّرُ من هذهِ المادّةِ سوائلَ تشبهُ البترول عندما يتمُّ تسخينُها بعمليّةٍ كيميائيّةٍ تُسمّى التّفكيكَ الحراريّ. لقد تَّكونَ النّفطُ الصّخريُّ قبلَ ملايينِ السّنين من خلالِ ترسُّبِ الطّمي والحطامِ العضويِّ في قيعانِ البحيراتِ والبحار. وعلى مدى الفتراتِ الطّويلةِ وبتأثيرِ الحرارةِ والضّغطِ تحوّلتْ هذهِ الموادُ إلى صخورٍ نفطيّةٍ بعمليّةٍ مشابهةٍ لعمليّةِ تكوينِ النّفطِ الخام، لكن مع ذلكَ لم تكنْ الحرارةُ والضّغطُ كافيّينِ لتحويلِ نفطِ هذه الصّخورِ إلى نفطٍ خامٍ سائل. [1]

يمكنُ للصّخورِ النّفطيّةِ أن تُستخرَجَ وتُعالَجَ لتوليدِ نفطٍ مُشابهٍ للنّفطِ الخامِ المُضَخِّ من الآبارِ التّقليديّةِ، ومع ذلك يُعتبرُ استخراجُ النّفطِ من الصّخورِ النّفطيّةِ أكثرَ تعقيدًا وأكبرَ تكلفةً من النّفطِ المُستخرَجِ من الآبارِ التّقليديّةِ. فالنّفطُ الموجودُ في هذه الصّخورِ صلبٌ ولا يمكنُ ضخُّهُ مباشرةً إلى خارجِ الأرضِ. كما أنَّ الصّخورَ النّفطيّةَ يجبُ أن تُستخرجَ أوّلًا ثمَّ تُسخًّنَ إلى درجةِ حرارةٍ عاليةٍ لغرضِ تقطيرِ النّفطِ من هذهِ الصّخورِ (ex situ retorting process )، بعدَ ذلكَ يتمُّ فصلُ السّائلِ النّاتجِ وجمعِهِ. وهنالكَ عمليّةٌ بديلةٌ ولكنَّها تجريبيّةٌ حاليًّا و تُسمّى (in situ retorting process) هذه العمليّةُ تكمنُ في تسخينِ هذه الصّخورِ في باطنِ الأرضِ ثمَّ ضخُّ السّائلِ إلى السّطحِ. [1]

مصادرُ الصّخورِ النّفطيّة:

في حينِ يتواجدُ النّفطُ الصّخريُّ في عدّةِ أماكنَ حولَ العالم، وإلى حدٍّ بعيدٍ وأكبرُ هذه التّرسباتِ وُجدَت في الولاياتِ المتّحدةِ في (تكوين النّهرِ الأخضرِ Green River Formation)، وهي تُغطّي أجزاءً من غربِ ولايةِ كولورادو، وشرقِ ولايةِ يوتا، وجنوبِ غربِ ولايةِ وايومنغ.[1] [2]

ويُعتبرُ تكوينُ النّهرِ الأخضرِ أحدَ أهمِّ المواقعِ الأحفوريّةِ في الولاياتِ المتّحدةِ الّذي كانَ في السّابقِ نهرًا ثمَّ جفَّ نتيجةَ تغيُّرِ المناخِ المحليِّ، والعديدِ من النّباتاتِ والحيواناتِ الّتي عاشت هناكَ دُفِنت وتحوّلت إلى ترسُّباتٍ أحفوريّةٍ عضويّةٍ. [2]

وتتراوحُ تقديراتِ المواردِ النّفطيّةِ في هذا التّكوينِ (النّهر الأخضر) من 1.2 إلى 1.8 تريليون برميلًا. وبسبب عدم إمكانيّة استخراجِ جميعِ المواردِ الموجودةِ، لذلك فإنّ التّقديراتِ المعتدلةِ بلغت 800 مليارِ برميلٍ قابلٍ للاستخراجِ من الصّخرِ النّفطيِّ في هذا التّكوينِ وهذه الكميّة تعادلُ ثلاثةَ أضعافِ الكميّةِ الاحتياطيّةِ النّفطيّةِ المُثبّتةِ الموجودةِ في المملكةِ العربيّةِ السَّعوديّة.

هذا ويبلغ الطّلبُ الأمريكيُّ على المنتجاتِ البتروليّةِ في الوقتِ الحاضرِ حوالي 20 مليونِ برميل يوميًّا، فإذا استُعمِلَ النِّفطُ الصّخريُّ لتلبيةِ رُبعِ هذا الطّلبِ فإنّ الـ 800 مليار برميل تكفي الولاياتِ المتّحدةِ لأكثرَ من 400 سنة. [3]

إنّ أكثرَ من 70% من إجمالي مساحةِ النّفطِ الصّخريِّ الموجودةِ في طبقاتِ النّهرِ الأخضرِ وبما في ذلكَ أغنى الرّواسبِ النّفطيّةِ الصّخريّةِ تقعُ تحت مُلكيّةٍ فيدراليّةٍ، وهكذا يتمُّ التّحكُّمُ بشكلٍ مباشرٍ في الوصولِ إلى أكثرِ الأجزاءِ جاذبيّةً من النّاحيةِ التّجاريّةِ من مواردِ النّفطِّ الصّخريِّ. [1]

صناعة النّفط الصّخريّ:

استُخدِمَ النّفطُ الصّخريُّ لسنواتٍ عديدةٍ كوَقودٍ وكمصدرٍ للنّفطِ، لكنَّ قلّةًَ من البلدانِ تُنتج النّفطَ من الصّخرِ النّفطيِّ على مستوىً تجاريٍّ كبيرٍ. فالعديدُ من البلدان لا تمتلكُ مواردَ كبيرةً من الصّخرِ النّفطيِّ ولكنَّ البلدانَ الّتي لديها مواردَ صخريّةً كبيرةً لم تتطوّر لديها صناعةُ النّفطِ الصّخريِّ بسبب تكلفةِ استخراجه بهذه الطّريقة والّتي تُعتبر أعلى بكثيرٍ من تكلفةِ استخراجِ النّفط التّقليديِّ الخامِ المُضخِّ. وقد أدّت عدم الجدوى التّجاريّةِ لهذا النّفط لعدمِ تطويرِ تكنولوجيا أفضلَ قد تُقلِّلُ من تكلفته. [1]

لقد حفَّز الارتفاعُ النّسبيُّ لأسعارِ النّفطِ التّقليديِّ في السّبعينيّاتِ والثّمانينيّات من القرن الماضي إلى الاهتمامِ بتطويرِ تكنولوجيا الصّخرِ النّفطيِّ بشكلٍ أفضل، ولكن في نهايةِ المطافِ انخفضت أسعارُ النّفطِ الخامِ وتوقّفت أنشطةُ البحثِ والتّطويرِ الرّئيسيّةِ الخاصّةِ بالنّفطِ الصّخريِّ إلى حدٍّ كبيرٍ. وفي الآونةِ الأخيرةِ ارتفعت أسعارُ النّفطِ الخامِ مرّةً أخرى إلى مستوياتٍ قد تجعلُ إنتاجَ النّفطِ الصّخريِّ أفضلَ تجاريًّا، فبدأ اهتمامُ الحكوماتِ والصّناعةِ بمتابعةِ تطوير النّفطِ الصّخريِّ كبديلٍ للنّفطِ التّقليديِّ الخام. [1]

كما ذكرنا سابقًا يمكن استخراجُ النّفطُ الصّخريُّ باستخدامِ إحدى الطّريقتَين: التّقطيرُ تحتَ الأرضِ (in situ retorting) وطريقةُ التّقطيرِ السّطحيِّ (ex situ retorting).

التّقطيرُ الأرضيُّ (ex situ retorting ):

وفيها يتمُّ نقلُ الصّخورِ النّفطيّةِ بعدَ استخراجِها إلى مُنشأةٍ للتّقطيرِ، ثمَّ تفصلُ عمليّةُ التّسخينِ فُتاتَ النّفطِ من الصّخورِ النّفطيّةِ. ويُعرَفُ الوعاءُ الّذي تتمُّ فيهِ عمليّةُ التّقطيرِ باِسمِ فرنِ التّقطيرِ. بعدَ عمليّةِ التّقطيرِ تتمُّ عمليّةُ معالجةٍ إضافيّةٍ لرفعِ مستوى النّفطِ قبلَ إرسالهِ إلى المَصفى. [1]

ويجبُ التّخلّصُ من الصّخورِ المُستنفَذَةِ. فيمكننا التّخلّصُ من هذه الصّخورِ في المناطقِ الّتي تمَّ حفرُها مُسبقًا ليتمَّ استصلاحُ هذه الأراضي في نهايةِ المطاف.[1]

في حينِ أنَّ هذه التّكنولوجيا كافيةٌ للتّنقيبِ عن النّفطِ الصّخريِّ، لكنّها لم تُطبَّق بنجاحٍ على مستوىً تجاريٍّ في الولاياتِ المتّحدةِ على الرّغمِ من إثباتِ جدواها، فلازالَ هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من التّطويرِ والاختبارِ قبلَ أن تنجحَ هذه الطّريقةُ تجاريًّا.[1]

التّقطيرُ الموقعيّ ( in situ retorting ) :

تقوم شركةُ شل النّفطيّةِ حاليًّا بتطويرِ عمليّةِ التّقطيرِ في الموقعِ ( ICP: in situ conversion process). وتشمَلُ هذه الطّريقةُ تسخينَ النِّفطَ الصّخريَّ تحتَ الأرضِ باستخدامِ سخّاناتٍ كهربائيّةٍ موضوعةٍ في ثقوبٍ عموديّةٍ عميقةٍ تُحفَرُ خلالَ مواقعِ الصّخرِ النّفطيِّ. ثمَّ يُسخَّنُ الصّخرُ النّفطيُّ لفترةٍ تتراوحُ بينَ سَنتَينِ إلى ثلاثِ سنواتٍ حتّى تصلَ درجةُ حرارته إلى 650 – 700 درجة فهرنهايت وعندها يتحرّرُ النّفطُ من الصّخورِ وعندئذٍ يُجمَعُ النّفطُ المُنتَجُ في آبارِ جمعٍ تُوضَعُ داخلَ المنطقةِ المُسخّنَةِ. [1]

تتضمّنُ خطّةُ شل الحاليّة استخدامَ تكنولوجيا تجميدِ الأرضِ لإقامةِ حاجزٍ يُسمّى (جدارُ التّجميدِ) حولَ محيطِ منطقَةِ الاستخراجِ. يُنشأُ جدارُ التّجميدِ عن طريقِ ضخِّ السّائلِ المُبرِّدِ عبرَ سلسلةٍ من الآبارِ المحفورةِ حولَ المنطقةِ، ويَحولُ جدارُ التّجميدِ هذا دونَ دخولِ المياهِ الجوفيّةِ إلى منطقةِ الاستخراجِ كما يُحافظُ على الهيدروكربوناتِ وغيرها من المنتجاتِ الّتي تنتج عن العمليّةِ من مغادرةِ محيطِ المشروعِ. [1]

هذه العمليّةُ غيرُ مُثبتةٍ على نطاقٍ تجاريٍّ لكنّها مأخوذةٌ بعينِ الاعتبارِ من وزارةِ الطّاقةِ الأمريكيّةِ على اعتباِرها تكنولوجيا واعدة جدًّا. [1]

وهناك مجموعةٌ من الآثارِ البيئيّةِ لِكلْتَي العمليّتَين سواءً الاستخراجُ أو معالجةُ الصّخورِ النّفطيّةِ ومن هذه الآثار: الاحترارُ العالميُّ، وانبعاثاتُ غازاتِ الاحتباسِ الحراريِّ، واضطرابُ الأراضي المحفورةِ، والتّخلّصُ من الصّخورِ المُستنفَذَةِ، واستخدامُ المواردِ المائيّةِ والتّأثيرُ على نوعيّةِ الهواءِ والماءِ كما يتطلّبُ استخدامُ عدّةَ براميلَ من الماءِ لكلِّ برميلٍ واحدٍ من النّفطِ لكنَّ هذا الماءَ يُمكنُ إعادةُ تدويره. [1]

سيكونُ لتطويرِ صناعةِ النّفطِ الصّخريِّ التّجاريِّ في الولاياتِ المتّحدةِ آثارٌ اجتماعيّةٌ واقتصاديّةٌ كبيرةٌ على المجتمعاتِ المحليّةِ، إلّا أنَّ أهمَّ العوائقِ أمامَ هذه الصّناعةِ هو التّكلفةُ المرتفعةُ الّتي تزيدُ على 60 دولارٍ للبرميلِ لذلكَ نرى الشّركاتِ النّفطيّةِ مستمرّةً في إيجادِ تكنولوجيا جديدةٍ لتقليلِ تكلفةِ استخراجِ النّفطِ من الصّخورِ النّفطيّةِ. [1]

المصادر:

هنا

هنا