الطب > مقالات طبية

للمرة الأولى .. إيقاظ مريض من النوم المستديم!

للمرة الأولى، استطاعَ الأطباءُ استخدامَ التحفيزِ العصبيّ لاستعادةِ الوعي عند مريضٍ بعدَ بقائه 15 عامًا في الحالةِ الخُضرية الدائمة (نسبة إلى الخضراوات) أو الحالة الإنباتيّة المستديمة (بالإنجليزية: persistent vegetative state)، وهي إحدى حالات اضطراب الوعي تحدثُ نتيجةَ وقوعِ ضررٍ أو تلفٍ بخلايا المخ. وتختلفُ عن الغيبوبة Coma التي تعني الغياب الكامل للوعي عند المريضِ دونَ أي استجابة -عدا المنعكسات البسيطة- بإمكانية وجود مظاهر اليقظة والنوم لدى المريض، وفتح العينين وتحريكهما بشكلٍ عشوائي، وإصدارِ بعضِ الأصوات غير المفهومة أو الصراخِ أو البكاء أو بعض الحركات التي تشبه الابتسام أو الضحك. ولكن لا تُعبّرُ هذه الحركات أبدًا عن إدراك المريض لنفسه أو لِما حوله وإنّما تُعدّ هذه الحركات مجرد أفعال منعكسة لا إرادية.

في بعضِ الأحيانِ يمكنُ للناسِ الانتقال من الحالة الخُضرية إلى حالة الحد الأدنى من الوعي (بالإنجليزية: Minimally conscious state)؛ إحدى حالاتِ اضطراباتِ الوعي. وهي تختلفُ عن متلازمة المنحبس و الحالة الخضرية الدائمة. فخلافًا للحالة الخضرية الدائمة التي يفقدُ فيها المريضُ الإدراك الواعي تمامًا، فإن المرضى الذين يعانون من حالة الحد الأدنى من الوعي يحتفظون بشكلٍ من الإدراك الواعي جزئيًا.

ولكن عندما يكونُ الشخصُ في الحالةِ الخضرية لأكثر من 12 شهرًا بعد إصابات في الدماغ، في العادة تُعتبَرُ حالةً بائسةً وفرص عودة الوعي عندها شبه معدومة، حتى الآن.

كما ذكرنا فقد كانَ المريضُ المعنيّ رجلاً يبلغ من العمر 35 عامًا عانى من إصاباتٍ في الدماغ نتيجةً لحادثِ سيارة وكان في الحالة الخضرية المستديمة منذ ذلك الحين، لمدة 15 عامًا.

وقد اختاره العلماءُ لإجراءِ التّجربة عليه، ولنتكلم عن بعض تفاصيل هذه العملية:

قامَ العلماءُ بتحفيزِ العصبِ المبهم عن طريق زرعات (طعوم) إلكترونية، إذ يُعتبرُ العصبُ المبهم أحدَ أهمّ الأعصاب التي تربطُ الرأس ببقية الجسم، كما يعمل بمثابة وصلة مباشرة إلى أجزاء من الدماغ وأهمها المهاد "وهو مركز من الدماغ يشارك في التنسيق بين الإشارات الحسيّة بالإضافة لوظائف أخرى".

وبناءً على بعضِ الدراساتِ التي أظهرت أثرَ تحفيزِ العصبِ المبهم في زيادة التمثيل الغذائي للمهاد، وإنطلاقاً من بحوث أخرى عن تأثير تحفيز المهاد في زيادة الوعي عند مرضى حالة الحد الأدنى من الوعي، أراد الفريق اختبار ما سيحدث إذا ما استخدموا زرعات طبيّة لتحفيز العصب المبهم لمريض الحالة الخضرية، وكانت هذه الزرعات على شكل مثل بطاريات مستديرة مسطّحة. كما تستخدم محفزات العصب المبهم أحياناً في علاج بعض نوبات الصرع وتسمى "ناظمات الدماغ".

وقام الأطباءُ بمراقبةِ سلوك المريض وتسجيل المخطط الكهربائي للدماغ (EEG) والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني للدماغ (PET) قبل إجراءِ التجربة، ثم مرة أخرى بعد ذلك.

ثمّ قامَ العلماءُ بزيادةِ شدّةِ التحفيز تدريجياً. وبعدَ شهرٍ واحدٍ من التجربة، عندما وصلت شدّة التحفيزِ ل 1 ميلي أمبير أظهرَ المريضُ تحسّناً ثابتاً ومتكرراً، ظهر بشكل حالة من اليقظة العامة والقدرة على الانتباه لفترة أطول، بالإضافة لحركة الجسم والسعي البصري (قدرة العينين على ملاحقة جسم متحرك).

وبذلك، للمرة الأولى منذ 15 عامًا، ظهر لدى هذا المريض علامات ثابتة وقابلة للقياس للوعي. وهذه نتيجة شديدة الأهمية، إذ تعني انتقالَ المريض من الحالة الخضرية الكاملة إلى حالة الحدّ الأدنى من الوعي!

وقال الفريق في بيان صحافي "تمكّن الرجل من الردّ على الأوامر البسيطة التي كانت مستحيلةً من قبل، فعلى سبيل المثال، يمكنه الآن متابعةَ كائن بعينيه وتحريك رأسه عند الطلب".

"قالت والدته إنّه استطاع البقاء مستيقظًا عند الاستماع إلى المعالج الذي يقرأ له كتابًا".

ولم تكن التحسّنات مجرّدَ تحسينات سلوكية فقط، إذ أظهرت كلّ من نتائج التخطيط الكهربائي والتصوير المقطعي للدماغ وجود نشاطٍ ثابتٍ ومستدامٍ في أجزاء من الدماغ التي تعتبر من مؤشرات وجود الوعي.

وكما يكتب الفريق في تقريرهم، فإنّ نتائجهم الفريدة تتناقضُ بشكلٍ مباشرٍ مع الافتراض العام بأنّ الوجود في الحالة النباتية لمدة 12 شهرًا أو أكثر يجعلها حالةً لا رجعة فيها.

ولكن علينا أن نؤكد أنّنا لا نستطيع الجزم والتفاؤل بعد في هذا الموضوع. لا زلنا في أوّل الطريق، إذ لا نملك غير بيانات مريضٍ واحد فقط حتى الآن، ولكن يجب أن نعترفَ بأنّ النتائج تبدو واعدة، ويخطط الباحثون لاختبار هذه الطريقة في عدد أكبر من الحالات.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا