الاقتصاد والعلوم الإدارية > العلوم الإدارية

إدارة المخاطر- أسلوب عمل جديد

استمع على ساوندكلاود 🎧

عام 2007 عندما أصبح توني هايوارد (Tony Hayward) الرئيس التنفيذي لشركة بي بي BP") British Petroleum سابقاً")، الشركة البريطانية متعددة الجنسيات للنفط والغاز مقرها لندن- بريطانيا، عندها تعَهّد بجعل السلامة على رأس أولوياته، فكان من ضمن القواعد التي قام بوضعها أنه على جميع الموظفين استخدام أغطية فناجين القهوة أثناء المشي، كما أنّه يجب على الجميع الامتناع عن إرسال الرسائل النصية أثناء قيادة السيارات.

بعد ثلاث سنوات أي في العام 2010، انفجرت المنصة البحريّة لاستخراج النفط في خليج المكسيك التابعة لشركة BP، مما تسبب في تسرب نفطي في مياه الخليج وكانت واحدة من أسوأ الكوارث من صنع الإنسان في التاريخ. هذا وقد ذكرت لجنة تحقيق الولايات المتحدة أن الكارثة تعود إلى إخفاقات الإدارة، وذلك باعتبارها شلّت قدرة الأفراد المعنيين في تحديد المخاطر التي يواجهونها ومناقشتها لإيجاد الحلول المناسبة لها.

إن قصة هايوارد تعكس مشكلة مشتركة لدى الشركات والمنظمات، وهي أنّ إدارة المخاطر كثيراً ما تُعامل على أنّها مسألة التزام بالمعايير، يمكن التعامل معها عن طريق فرض الكثير من القواعد والتأكد من اتباع العاملين لها. بالطبع فإن العديد من هذه القواعد معقولةٌ، ويمكنها أن تقلل من بعض المخاطر التي يمكن أن تُلحق أضراراً بالغة بالشركة، ولكنّ إدارة المخاطر القائمة على القواعد لن تقلل من احتمال أو تأثير كارثة مثل "حادثة تسرب النفط".

في هذا المقال، نقدّم رؤية جديدة في تصنيف المخاطر تُتيح للمديرين التنفيذيين معرفة أنواع المخاطر التي يمكن التعامل معها على أساس الالتزام بالقواعد، والمخاطر التي يجب أن تُواجه بطرقٍ أخرى. وهنا نكون أمام سؤال مهم

إدارة المخاطر: هل هي قواعد يجب أن تفرض أم نقاش وحوار؟

تتمثل الخطوة الأولى لإنشاء نظام فعّال لإدارة المخاطر في فهم الفروق النوعّية بين أنواع المخاطر التي تواجهها الشركات. بناءً على بحث الميداني، يمكن تصنيف المخاطر على أنّها واحدة من ثلاث فئات، علماً أن حدوث إحدى هذه المخاطر من أي فئةٍ كانت يمكن أن يؤثر بشكلٍ كبير على استراتيجية الشركة وحتى على بقائها.

الفئة الأولى: المخاطر التي يمكن الوقاية منها

هي مخاطر داخلية تنشأ من داخل الشركة، يمكن تجنّبها والسيطرة عليها ويجب القضاء عليها في حال حدوثها. من الأمثلة على ذلك الأخطار الناجمة عن الأعطال في العمليات التشغيلية الروتینیة أو تلك التي تنتج عن بعض الإجراءات الخاطئة وغير المصرّح بها والتي قد يقوم بها الموظفين أو أحد الإداريين.

من المؤكد أنّ الشركات لديها مدى معين لتقبل هذه العيوب أو الأخطاء التي لا تسبب ضرراً جسيماً للمؤسسة، والتي قد تكلّف الشركة الكثير من الأموال لتفاديها. لكن بشكلٍ عام ينبغي على الشركات السعي لتقليل هذا النوع من المخاطر، لأنّها لا تجني على أي فوائد استراتيجية منها. قيام أحد التجار المحتالين، أو أحد الموظفين برشوة أحد المسؤولين قد يؤثر إيجاباً على الشركة على المدى القصير، ولكن هذا الأثر الإيجابي سيؤثر سلباً على سمعة الشركة مع مرور الوقت. أفضل إدارة لهذه الفئة من المخاطر تكمن في اتباع ما يسمى بالوقاية الفعّالة مثل رصد العمليات التشغيلية وتوجيه سلوكيات الناس وقراراتهم نحو المعايير المرغوبة.

الفئة الثانية: المخاطر الاستراتيجية

تقبل الشركة طوعاً بعض المخاطر من أجل تحقيق عوائد أعلى من استراتيجيتها، البنك على سبيل المثال يفترض قدراً من المخاطر الائتمانيّة عندما يقرض المال. العديد من الشركات تُقدِم على خوض المخاطر بعد تحليلها من خلال أنشطة البحث والتطوير. إنّ الاستراتيجيات ذات العائدات المرتفعة تتطلب بشكلٍ عام من الشركة تحمّل مخاطر كبيرة، وإدارة تلك المخاطر هي المحرك الرئيسي في تحقيق المكاسب المحتملة.

نجد في مثالنا الذي بدأنا به حديثنا أن شركة BP قَبلت المخاطر العالية المتمثّلة في حفر عدة أميال تحت سطح خليج المكسيك رغم صعوبة وخطورة هذا الأمر وتكلفته العالية، والسبب في ذلك هو القيمة المرتفعة للنفط والغاز التي أمِلت الشركة في الحصول عليها. لا يمكن إدارة المخاطر الاستراتيجية من خلال نموذج التحكم القائم على القواعد، بدلاً منه تحتاج الشركات إلى نظامٍ مصمم للحدّ من احتمال أن تتحقق هذه المخاطر المفترضة بالفعل وتحسين قدرة الشركة على إدارة هذه المخاطر أو احتوائها في حال حدوثها. وهذا النظام لن يمنع الشركات من القيام بمشاريع محفوفة بالمخاطر، بل على النقيض من ذلك، يمكّنها من القيام بمشاريع ذات خطورة ومردود أعلى وبكفاءة عالية.

الفئة الثالثة: المخاطر الخارجيّة

تنشأ بعض المخاطر نتيجة أحداث خارج الشركة تتجاوز نفوذها وسيطرتها، مثل الكوارث الطبيعيّة والسياسيّة والتحولات الرئيسيّة في الاقتصاد الكلي.

تتطلب المخاطر الخارجية نهجاً آخر، ولأن الشركات لا تستطيع منع وقوع مثل هذه الأحداث فإن أفضل إدارة لهذه الفئة تكون بالتركيز على تحديد هوية هذه الأخطار (باعتبارها تميل إلى أن تكون واضحة في وقتٍ متأخر) وتخفيف أثرها.

لكي تكون إدارة المخاطر فعّالة يجب على الشركات تكييف عمليات إدارة المخاطر لهذه الفئات المختلفة، إذ أنّ النهج القائم على فرض القواعد والقوانين والامتثال لها فعالٌ في إدارة الفئة الأولى من المخاطر، ولكنّه غير مجدٍ لإدارة الفئات الثانية والثالثة المتمثلة بالمخاطر الاستراتيجية والمخاطر الخارجية، التي تتطلب نهجاً مختلفاً يستند إلى مناقشات مفتوحة وصريحة. لذا يجب على الإداريين التفكير بشكلٍ منهجي بفئات الخطر التي من المحتمل أن يواجهونها حتى يتمكّنوا من وضع العمليات المناسبة لكلٍ منها.

الحديث عن هذا النوع من النقاشات المفتوحة والصريحة أمرٌ سهل، ولكن غالباً ما يواجه تطبيقها صعوباتٍ معينة حيث وجدت بعض الدراسات أن الناس يبالغون في تقدير قدراتهم بالسيطرة على الأخطار المتوقعة ومناقشتها حتى يفوت الأوان. وجدت الدراسات بشكلٍ عام أنّنا نميل إلى أن نكون أكثر تفاؤلاً حول دقة توقعاتنا و تقييتنا للمخاطر.

يقول (Gentry Lee) كبير المهندسين في أحد مراكز البحوث والتنمية Jet Propulsion Laboratory "إن تخفيف المخاطر أمرٌ مؤلم، ليس بعملٍ طبيعيٍ يقوم به البشر".

التحدي الأكبر الذي واجهه Lee عند تأسيس ثقافة جديدة للمخاطر في مركز JPL، هو جعل العمال والموظفين يشعرون بالراحة عند التفكير والتحدّث عن الأخطار والأخطاء التي من الممكن أن تحدث.

بقي أن ننتبه إلى أن إدارة المخاطر مختلفةٌ جداً عن إدارة الاستراتيجيات، حيث تركّز إدارة المخاطر على التهديدات السلبية والإخفاقات بدلاً من الفرص والنجاحات. ومن ناحية أخرى نجد أن كثيراً من المدراء يترددون في تسخير الوقت والموارد الماليّة من أجل تجنّب مشكلة مستقبلية غير مؤكدة الحدوث، خاصةً أن تخفيف المخاطر عادةً يقوم على تنويع الاستثمارات وتفريق الموارد وهو عكس ما تقوم عليه الاستراتيجية القائمة على الربح.

تعتمد قدرة الشركة على مواجهة العواصف كثيراً على مدى جديّة وكفاءة المدراء التنفيذيين في إدارة المخاطر عندما تكون الشمس مشرقةً ولا توجد أيُّ سحبٍ في الأفق.

المصدر هنا