البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

ضيفٌ جديدٌ على جلدك! العتائق!

حتى في لحظات وحدتك أنت لستَ وحيداً تماماً! ملايينُ الأحياء الدقيقة تُشاركك حياتك متخذةً من جسمِك أو من سطحه على الأقل موطناً لها، مُفيدةً لك أو مستفيدة منك (أغلب الأحيان). تتنوع هذه الأحياء الدقيقة المتعايشة معنا بين بكتيريا وفطريات ولكن يبدو أنَّ نوعاً جديداً سينضم إلى هذه القائمة وهو البكتيريا القديمة أو العتائق أو البَدْئِيَّات (archaea).

لم يدرك العلماء حتى السبعينيات مدى اختلافِ البكتريا عن العتائق، إذ أصبحت الأخيرةُ فيما بعد فرعاً مستقلاً في شجرةِ الحياة بفروعها الثلاث: البكتيريا، العتائق وحقيقيات النوى (التي تشمل جميع النباتات والحيوانات). عادةً ما توجَدُ العتائقُ في البيئات القاسية، مثل الينابيع الساخنة وجليد القارة القطبية الجنوبية. وبات من المعروف اليوم أنَّ العتائق تعيش أيضاً في الرسوبياتِ وتحت سطح الأرض، ولكن لم يُكتشَف وجودها في أمعاء الإنسان وربطها بالميكروبيوم البشري إلا مؤخراً.

لمعرفة المزيد عن العتائق يُمكنك الاطلاع على المقالات التالية:

نوعٌ جديدٌ من الأحياء الدقيقة قد يكون "الحلقة المفقودة" بين بدائيات وحقيقيات النُّوى هنا

كائناتٌ تعيش في اكثر الأماكن عدائيةً للحياة - الجزء الأول هنا كائنات تعيش في اكثر الأماكن عدائيةً للحياة - الجزء الثانيهنا

أجرى الباحثون دراسةً جينيةً وكيميائيةً حللوا فيها عيناتٍ بشريةً من منطقةِ الصدر لـ 51 متطوعاً تتراوح أعمارهم بين عام واحد و75 عاماً. ولاحظوا وجود العتائق بأعدادٍ أكبرَ في الأشخاص ممن هم أصغرُ من اثني عشر عاماً أو أكبرُ من ستين عاماً، وفي الأشخاص ذوي البشرةِ الجافة أيضاً؛ إذ أمكنَ الربطُ بين المستوياتِ المنخفضةِ من الزّهم (الزهم sebum إفرازاتٌ دهنيةٌ من الغدد الزّهمية) التي تتسببُ بدورها بتقليلِ رطوبةِ الجلدِ من جهة وبازديادِ أعدادِ العتائق من جهةٍ أُخرى. وعلى صعيدٍ آخر، لم يجد الباحثون اختلافاً في العدد متعلقاً بجنس حاملها.

ركّزت هذه الدراسةُ على شعبةٍ واحدةٍ فقط من العتائق وهي Thaumarchaeota والتي يُفترض أنَّها من الأحياء الدقيقة المؤكسِدة للأمونيا، والأمونيا هي مكوِّنٌ رئيسٌ للعرق ما يعني أنَّها قد تؤدي دوراً في دورةِ النيتروجين وصحةِ الجلد، وقد تكون العتائقُ مفيدةً في خفضِ درجةِ حموضةِ الجلد pH أو إبقائِها عند درجاتٍ منخفضة ومن المعروف أنَّ درجاتِ الحموضةِ المنخفضةَ ترتبِطُ مع انخفاضِ قابليةِ الإصابة بالعدوى لكونها تُثبِّط العواملَ المُمرِضة. تُستخدم الآن بكتيريا تحمل ذات هذه الخصائصَ كمُكمِّلاتٍ بهدف تحسينِ رطوبةِ الجلد وتقليل روائح الجسم، ومع ذلك ما تزالُ الأهميةُ السريريةُ لعتائقِ هذه الشعبةِ غير واضحةً وتحتاجُ المزيدَ من الدراسات.

يأملُ الباحثونَ في المستقبل بالتحققِ من الدورِ الفيزيولوجيّ لعتائقِ الجلدِ وبماذا تختلف هذه العتائقُ عن تلك الموجودة في البيئة، وما هي المواقعُ المفضّلة بالنسبة لها في/على جسم الإنسان، كما يرغب الباحثون أيضاً في معرفةِ ما إذا كانت العتائقُ تُشارك في العملياتِ المسببةِ للأمراض كالتهابِ الجلد العصبي أو الصَّدفية؛ إذ لا تزال الأدلةُ على إمراضيتها قليلةً حتى الآن".

يمكِن القولُ باختصار أنَّ العتائقَ ذاتُ سمعةٍ حسنةٍ وتُعرف بفوائدها لجسم الإنسانِ أكثر من مضارِّها، وربما تشهدُ الأعوامُ القادمةُ المزيدَ من الدراسات على شُعبٍ أُخرى من هذه الكائنات الصغيرة "العنيدة" وعلاقتِها بالإنسان.

وللعتائق الضيفةِ نقول: "مرحباً بكم!"

المصدر:

هنا

هنا