الطب > مقالات طبية

حملات مكافحة التلقيح - ما هي وما آثارها

تشكّل الرعاية الوقائيّة حجر الأساس في طبِّ الأطفال، وتؤدّي اللّقاحات الدّورَ الأهمَّ في استراتيجيّات حمايةِ الأطفال من الأمراضِ الساريةِ والمُعدِية، وقد تَمثَّلَ دورُها في التقليلِ من انتشار الأمراضِ ومعدّل الوفياتِ باستئصالها الجدري (Smallpox) عالمياً؛ وبِأَنَّ أمراضاً أخرى كالدفتريا (diphtheria) وشلل الأطفال (polio) والحصبةِ الألمانية(rubella) لم تعد موجودة في أمريكا الشمالية؛ إضافة إلى أنَّ بعض الأمراض كالحصبة(measles) والإصابة بالمستدمية النزليّة نمط ب(Haemophilus influenza type b disease) والشاهوق أو السّعال الدّيكي (pertussis) قد قُلِّصَت إلى درجة لم تعد فيها تشكّل تهديداً كبيراً.

لا يتشارَك كلّ الناس هذه الآراء الإيجابيّة، إذ خرجت إلى السّطح في الآونة الأخيرة حملاتٌ ضدّ التّلقيح شملت آباء ورجال دين بل وحتى سياسيّين عارضوا فكرةَ التّلقيح ولا سيَّما لقاحات الطفولة، ووصفوها بأنها غير ضروريّة وغير فعالة؛ بل وحتى خطيرة، وقد لاقت هذه الحملات بعض النجاح مع أنّها استندت في الأساس إلى دراسة علميَّة تَبيَّنَ زيفُها في ما بعد.

اشتعل فتيل هذه الحملات بواسطة الجرّاح البريطانيّ (Andrew Wakefield) الذي عُرف بالأب الروحيّ للحركة المضادّة للتلقيح، وذلك بعد مقالةٍ نشرَها في (The Lancet) عام 1998 حول دراسةٍ تضمنّت 12 طفلاً أظهروا أعراضاً مرتبطةً بالتوحد، وذلك بعد فترةٍ قصيرةٍ من تلقّيهم لِلقاحٍ، لتنتشرَ هذه الدّراسة سريعاً، وتصبحَ مرجعيّة للآباء الرافضين للتلقيح بلقاح (MMR) أو التلقيح عموماً.

كان الضجيج الذي صحب دراسةَ (Wakefield) دافعاً لعلماء آخرين للتحقق من صحة أقواله وإجراء دراسةٍ مستقلةٍ عنها، ليفشلوا في إيجاد رابطٍ بين التلقيح والإصابة بالتّوحد، وفي عام 2014 حلّلَ علماءُ أستراليون بياناتٍ جُمِعَت من دراساتٍ سابقةٍ شملت بمجموعها أكثر من 1،2 مليون طفل، والنتيجة كما كان متوقَّعاً؛ لا رابطَ بين التّلقيح والإصابة بالتوحد، وأجريت أيضاً دراسةٌ في الولايات المتحدة الأمريكيّة أظهرت أنّه لا علاقةَ للتّلقيح بظهور التوحد؛ حتى لدى الأطفال المؤهَّبين جينيّاً للإصابة. وقد تبيّن فيما بعد أنَّ (Wakefield) قد زيَّف بيانات دراسته؛ وسُحِبَ المقال الأصلي من (the Lancet).

من العوامل التي ساهمت في انتشار أفكارِ (Wakefield) أنّ بعض الآباء شاركوا قصصاً عن تطوّر أعراض التوحد لدى أطفالهم بعد التلقيح بفترة قصيرة؛ مُتَّهِمين بذلك اللّقاحاتِ، ولكنّ الواقعَ يؤكّد أنّ اكتشاف التّوحد غالباً ما يكون في عمر 2-3 سنوات، وهو تقريباً العمرُ الذي يتلّقى فيه الأطفالُ معظمَ لقاحاتهم، وكذلك فاكتشافَ الحالات الجديدة من التوحد يعود أيضاً إلى التطوّر الذي طرأ على مفهوم التوحد وتعريفه وأعراضه التي أصبحت أكثر تفصيلاً ودقةً، ولهذا فإنَّ مزيداً من الأطفال يُشخَّصون.

إنّ تراجع نسبِ الأطفال الملقَّحين يقودُ إلى نتائجَ كارثيّة، وهذا ما أظهرته دراسة نشرت في JAMAPediatrics)) لبحثِ تأثير تراجع نسب التلقيح بالـ (MMR) على نسبة الإصابات السنوية.

شملت الدراسة الأطفال بعمر يتراوح بين (2-11) سنة، وخلُصت إلى أنّ تراجُعاً بنسبة 5% في التلقيح بلقاح الحصبة والجدري والحصبة الألمانيّة (MMR) سيؤدّي إلى تَضاعفِ نسبِ الإصابات حتى 3 أضعاف، وأنّ أيّ تراجعٍ طفيفٍ في نسب الأطفال المشمولينَ بالتلقيح سيؤدي إلى نتائج خطيرة على الصحة العامة، وستكون النتائج أخطر في حال امتدت الحملات الرافضة للتلقيح لِتشملَ لقاحات اليافعين والبالغين.

يقول الدكتور (Robert Jacobson) أحد أطباء الأطفال في (Mayo Clinic) بأنّ العاملين في المجال الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية قد خفّضوا بواسطة التلقيح ما كان يبلغ 4 ملايين حالة سنويّاً من الحصبة إلى حالات قليلةٍ جداً إلى درجة أنّ 86 إصابة ظهرت مؤخراً في ولاية مينيسوتا شكّلت رقما كبيراً جدّا بالمقارنة مع نسب القرن الواحد والعشرين، وأنّه لولا التلقيح الجيّد والوقاية العامّة لَبلَغتِ الإصاباتُ أرقاماً ضخمة.

إنَّه لمن المهم أن يبقى الأطباء على اطلاع دائم على آخر المستجدات فيما يخصُّ اللقاحات وفعاليّتها، وأنْ يُساهموا في الدفاع عن أهميتها وضرورتها، إذ إنّ وسائلَ الإعلام قد ركزت تركيزاً كبيراً على الجدل الذي طال موضوع اللقاحات دون أن تستند إلى أساس علميّ. وقد أدى هذا التركيز إلى زيادة قلق الآباء وارتباكهم فيما يخص الموضوع، وهنا يظهر دور الباحثين في توفير البيانات لتأكيد غياب الأضرار، وأنْ يكونوا جاهزين لترجيح كفة الإيجابيّات تِجاه المخاطر الصغيرة التي يمكن أن تكون سبباً في تعاظم موجات القلق من حملات التلقيح.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا