البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

فلنعط الخلايا العصبية فرصة للحياة

كانت - ومازالت - الأمراضُ العصبيّة المختلفة عقبةً كبيرةً أمام العلماء على مدى عقودٍ وسنواتٍ؛ كفقدان الذاكرة، والشلل الرعاش، والتصلب الجانبي الضموري (ALS) وغيرها الكثير. وكلُّ ما نفعله هو أننا نقف مكتوفيّ الأيدي نشاهد الخلايا العصبية تموت واحدة تلو الأخرى؛ مُفقِدةً الإنسانَ وظيفتها وقدراتها؛ فيتشكّلُ أمامنا في النهاية مرضٌ نعجز عن علاجه.

اكتشف علماء في جامعة شيفيلد (the University of Sheffield) وجودَ جينٍ يدعى C9orf72 يحتوي على تتابع معين من ستة نيوكليوتيدات (البنية الأساس للمادة الوراثية)، ويمكن أن يتكرر وجود هذا التتابع مرّةً أو عدة مرات طبيعيّاً في مادتنا الوراثية ضمن الخلايا العصبية، ولكن عندما يتكرر وجوده تكراراً زائداً فإنه يبدأ بتكوين ما يعرفُ بِعُرى R (R-Loops) التي تجعل الحمض النووي أكثر عرضة للكسور، فقد وجد العلماء أنّ زيادة عدد "عرى R" وزيادة كسور الحمض النووي يؤدّيان إلى فقدان الخلايا العصبية لوظيفتها وموتها ومن ثَمَّ الإصابة بالأمراض العصبية.

ولكن ما علاقة زيادة عدد هذه الحلقات وزيادة كسور الحمض النووي بموت الخلايا العصبية؟ ولمَ لا تُجبَرُ الكسور كما يحدث في معظم خلايا الجسد؟

أجابَت عن هذا السؤال ورقةٌ بحثيّة نُشِرَت في مجلة "Nature Neuroscience" بتاريخ 17 تموز 2017، بواسطة فريق بحثي تحت قيادة الدكتور شريف الخميسي مدير مركز أبحاث الجينوم بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بالتعاون مع جامعة شيفيلد. فما توصل إليه الباحثون أنه يوجد في الخلايا طبيعيّاً أدوات خاصة تجبر كسور الحمض النووي، ولكن تُنتِجُ زيادة عدد "حلقات R" إفراطاً في تفعيل عمليّة تُسمَّى "التلقيح الذاتي" (Autophagy) – وهي عملية تتخلص فيها الخلايا من البروتينات غير المرغوب فيها أو المُكوَّنة على نحوٍ خاطئ – ممّا يؤدي إلى تحلُّل بعض أدوات إصلاح الحمض النووي؛ ومن ثَمَّ ترك الكسور دون إصلاح، ومع تراكم هذه الكسور وغياب أدوات إصلاحها تكون النتيجة هي موت الخلايا العصبية.

وَلِحلِّ هذه المشكلة استخدمَ الباحثون بعضَ التقنيات الجينية بإيقاف تحلُّل أدوات إصلاح الحمض النووي الخارج عن السيطرة، ويقول الخميسي: "حتى حين كان الحمض النووي متضرراً فقد تمكّنت الخلايا من التعامل مع الكسور ولم تَمُتْ، ويمثّل اكتشاف هذه الآلية ونتائجها الجديدة خطوةً مهمّة نحو تطوير علاجات جديدة للأمراض العصبية؛ مثل مرض الخلايا العصبية الحركية (MND) وغيرها من أمراض ضمور الخلايا العصبية."

وكما جرت العادة في معظم الأبحاث البيولوجية؛ فإن الأمر يتطلب مزيداً من التجارب قبل أن يتحول إلى علاج نهائي، ولكن المختلف في هذا البحث هو أنّه حلقة الوصل الأولى بين آخر اكتشافَين حاصلَين على جائزة نوبل: التلقيح الذاتي (2016) وإصلاح الحمض النووي (2015). كما أنه يشير إلى علاج نهائي مُحتمَلٍ جدّاً لعديد من الأمراض العصبية التي أرهقت المجتمع العلمي على مدى سنواتٍ عديدة كالزهايمر، والشلل الرعاش، وغيرها من الأمراض العصبية.

الورقة البحثية:

هنا

والمصادر:

هنا

هنا