الطب > مقالات طبية

النّقيوم المتعدّد

يُعدّ نقيّ العظم أحد مصانع الخلايا في جسم الإنسان، الخلايا الجذعيّةِ الّتي تُعدّ بمثابة بذرةٍ أساسيّةٍ تتفرّع عنها أنواعٌ أخرى من خلايا الأنسجة، كخلايا الغضاريفِ، والخلايا الدّهنيّةِ، وخلايا الأوتارِ، ومجموعةٍ من خلايا الدّم، ككريّاتِ الدّمِ الحمراءِ والصّفائحِ الدمويّةِ، والخلايا المناعيّةِ كخلايا الدّم البيضاءِ بنوعيها اللمفاويِّ والبلازميِّ الفاعلِ في الآليّة المناعيّة الدّفاعيّة.

وبطبيعة الحال، تتأثّر وظيفة كلّ مجموعةٍ سلبًا بأيّ خللٍ قد يصيبُ كمّيّتَها أو نوعيّتَها لأسبابٍ وعواملَ مختلفةٍ. إذ يتسبّب نقصُ خلايا الدّم الحمراءِ بحدوثِ خللٍ في إيصال الأوكسجين والمغذّياتِ اللّازمة إلى خلايا الجسم، ما يؤدّي إلى ظهور أعراض الأنيميا كشحوب لون البشرة، والخفقان، والدّوار، وسرعةِ الإرهاق. بينما يتسبّب أيّ خللٍ في كمّيّة أو نوعيّة الصّفائح الدّمويّة في حالات نزيفٍ أطولَ من المعتادِ، أو ظهورِ بقعٍ حمراءَ مرتبطةٍ بنزيفٍ تحت الجلد، إذ تتمحور وظيفةُ تلك الخلايا حول عمليّة الإرقاء والتّخثّر. وأمّا الاختلالات في نوعيّة وكمّيّة الخلايا المناعيّة فينتج عنها إصاباتٌ متكرّرةٌ بالعدوى أو صعوبةُ الشّفاءِ منها، إذ تعمل تلك الخلايا على إنتاج أجسامٍ مضادّةٍ تساعد الجسمَ على التّعرّفِ على الجسيماتِ الغريبةِ ومن ثُمّ القضاءِ عليها.

بهذا العرض السّريع والمختصر يمكننا الدّخول إلى موضوع حديثنا، النّقيومِ المتعدّدِ، أو ما يُعرف بـMultiple Myeloma، لنفهمَ أسباب ظهورِ بعض أعراضه.

ما النّقيومُ المتعدّدُ؟

هو ورمٌ خبيثٌ يصيب الخلايا البلازميّةَ في نقيّ العظم في أماكنَ متعدّدةٍ، وقد يظهر الورم في مكانٍ واحدٍ فقطْ في نُخاعِ العظمِ، أو في أنسجةٍ أخرى ويسمّى عندَها ورمَ المصوَّريّاتِ أو plasmacytoma.

عواملُ الخطرِ:

- تقدُّم السّنّ؛ إذ يُشخَّص المرض غالبًا في العقد السّادس من العمُر.

- الذّكوريّة؛ إذ لوحظ المرض لدى الرّجال أكثر منه لدى النساء.

- كونُ البشرةِ سمراءَ اللّونِ.

- وجود تاريخٍ مرضيٍّ للورم البلازميّ الحميد المسمّى monoclonal gammopathy of undetermined significance.

- السُّمنة.

الأعراضُ والمضاعفاتُ:

يعطِّل تضاعفُ الخلايا البلازميّةِ بمعدّلٍ يفوق الحدّ الطّبيعيَّ فاعليّتَها، وعوضًا عن أن تُنتِج بروتيناتٍ نافعةً على شكل أجسامٍ مضادٍّة تحارب الميكروباتِ، تُنتج بروتيناتٍ مشوَّهةٍ تتراكم على مصافي الكِلى تُدعى M protein. وتؤثر هذه البروتينات المشوّهة أيضًا على الخلايا الطّبيعيّة المحيطة الّتي تتكوّن في نخاع العظم من خلايا نخاعيّةٍ وعلى خلايا الدّم الآنف ذكرها، فتخفض -بالتّالي- كفاءتَها الوظيفيّةَ. وانطلاقًا من هنا، يصبح بوُسعنا فهمُ سببِ ظهور أعراضِ كلٍّ من إصابات الإنتان المتكرّرة، والإجهاد (بسبب نقص الدم)، وسهولةِ النّزف، وتراجع وظائفِ الكلى. وقد تخفى أعراض النّقيوم المتعدّد حتّى مرحلةٍ متقدّمةٍ من المرض، ما يجعل التّشخيصَ عرضيًّا أحيانًا.

وبالإضافة إلى ذلك، يؤثّر تكاثر الخلايا السّرطانيّة على تركيبة العظم، إذ يتسبّب بتآكل العظم وهشاشته، مُعرّضًا المريضَ بذلك لآلامٍ وكسورٍ قد تكون فجائيّةً أحيانًا. ويمتدّ التّأثير ليشمل وظائفَ العظمِ الّتي تتمثّل إحداها بتخزين الكالسيوم، إذ تتحرّر كمّيّةٌ كبيرةٌ من الكالسيوم نحو الدّم بسبب ضغط الورم الميكانيكيّ، ما يؤدّي لارتفاع نسبة الكالسيوم وتراكمِه في الكِلى مُعيقًا تصفيةَ الدّم، وقد يتسبّب ذلك في بعض الحالات بالفشل الكلويّ، أو تشكُّلِ حصيّاتٍ في الكلى، أو آلامٍ في البطن، أو ارتباكٍ ذهنيٍّ، أو غيرها من أعراض ارتفاع نسبة الكالسيوم في الدّم.

طرقُ التّشخيصِ:

- تحاليلُ الدّم الّتي تتضمّن نسبةَ الكالسيوم، والبروتينَ M، وتعدادَ خلايا الدّمِ، والرّحلان الكهربائيّ، وتثبيت بروتيناتِ الدّم المناعيُّ، وعيارُ السّلاسل الخفيفة للغلوبولينات المناعيّة.

- تحليل البول، الّذي قد يكشف أيضًا عن البروتين M المعروف أيضًا باسم بروتين بينز جونز Bence-Jones protein.

- رشافةٌ من نخاع العظم وتحليل خلايا العيّنة؛ تُجمعُ العيّنة باستخدام إبرةٍ مخصّصةٍ.

- التّصوير الشّعاعيّ البسيط والمقطعيّ، والرّنين المغناطيسيّ، والتّصوير بالأشعّة السّينيّة. توضح الصّور الشّعاعية آفاتِ العظم ومدى انتشار النّقيوم.

العلاجُ:

يَستهدِف نوعُ العلاجِ الأوّلُ الورمَ مباشرةً عن طريق:

- الجلساتِ الكيميائيّةِ أو الإشعاعيّةِ، والمركَّباتِ الحيويّةِ الهدفيّةِ الّتي تحفّز جهاز الجسم المناعيَّ وتساعده في القضاء على الورم.

- زراعةِ الخلايا الجذعيّةِ المكوِّنة الدّمَ بغايةِ استبدال نخاعِ عظمٍ سليمٍ بذلك التّالف.

- الكورتيزونِ لتنظيمِ العمليّة الالتهابيّة في الجسم، ويستهدف أيضًا الخلايا السّرطانيّة.

أمّا نوعُ العلاجِ الآخرُ فيستهدف تخفيفَ الأعراضِ عن طريقِ:

- مسكِّناتِ آلام العظم وعلاجِ هشاشتِها الدّوائيّ عن طريق تثبيت الكالسيوم عليها، ما قد يساهم في علاج ارتفاع نسبة الكالسيوم أيضًا، بالإضافة للإجراءات الأخرى المساهِمة في ذلك كالإماهة المناسبة وغيرِها.

- غسيلِ الكلى أو ما يسمّى التّحالَّ الدّمويّ في حالةِ الفشل الكلويّ.

- لقاحاتٍ ضدَّ بعضِِ الأمراض المُعدِيةِ لتخفيف وطأةِ الأمراض.

- حبوبٍ لتغذية وتقوية الدّم في حالة فقر الدّم، وربّما بعضِ محرّضات التّكوُّنِ الدّمويّ عند الاستطباب بها.

لا نستطيع القول بأنّ هذه العلاجاتِ كاملةُ الفعاليّةِ، فما زالت نسبةُ الانتكاس مهمّةً، ولكنّها قد حسنت من نوعيّة حياة المرضى كثيرًا، وما زال المجتمع الطّبّي يستقبل علاجاتٍ وتركيباتٍ جديدةٍ قد تساهم في لك أيضًا.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا