الطب > إسعافات أولية

الإغماء (الغَشيْ)

الإغماءُ أو الغَشي؛ مصطلحٌ طبّيٌّ يُستخدم للتّعبير عن فقدانِ الوعي، ويُعزى إلى انخفاضٍ مؤقّتٍ في كمّيّة الدّمِ المُتدفّق إلى الدّماغ. ذلك بأنّ اللُّحمةََ الدّماغيّةَ "brain parenchyma" تعتمدُ على تدفّق مقدارٍ كافٍ من الدّمِ لتوفيرِ إمداداتٍ ثابتةٍ من الغلوكوزِ؛ الّذي يُعتبر الرّكيزةَ الأيضيّةَ (الاستقلابيّة) الأساسيّةَ ومصدرَ الطّاقة. لايُمكنُ لأنسجةِ الدّماغ أن تُخزّنَ الطّاقةَ على شكلِ الفوسفات عاليةِ الطّاقة "ATP" الّتي توجدُ في أماكنَ أخرى من الجسمِ، لذا فإنّ توقُّفَ تدفُّقِ الدّم إلى الدّماغ لمدّةٍ تتراوح بين 3-5 ثوانٍ فحسْبْ، يمكنُ أن يؤدّي إلى الإغماء. يُمكن أن يحدثَ الإغماءُ عند انخفاضِ ضغطِ الدّم المفاجئِ أو عند انخفاضِ معدّل ضرباتِ القلبِ أو عند التّغيّر في كميّةِ الدّمِ في مناطقَ أخرى في جسمِك، ممّا يُخفّضُ حِصّة الدّماغ من الدّم، ويكونُ هذا الإغماءُ مؤقّتًا، إذ أنّك تستعيدُ وعيكَ في الحالِ ولكنّك سوفَ تشعرُ بالارتباكِ والتّشوش.

أنواع الغشي أو الإغماء:

1- غشْيٌ مُبْهَمِيٌّ وِعائِيّ "Vasovagal syncope": هو النّوعُ الأكثرُ شيوعاً من أنواعِ الإغماء. سببه انخفاضٌ مفاجئٌ في ضغطِ الدّم، ممّا يؤدّي إلى انخفاضِ معدّلِ تدفّقِ الدّم إلى الدّماغ، ويحدثُ نتيجةَ فشلِ ردّ الفعلِ الانعكاسيّ للجهازِ العصبيّ للحفاظِ على ضغطِ الدّمِ بالمستوى المناسبِ عن طريقِ تضييقِ الأوعيةِ الدّمويّة، ويحدثُ هذا النّوعُ في وضعيةِ الوقوفِ نتيجةَ تجمّعِ الدّم في الأجزاءِ السّفليّةِ من الجسم.

2- الغَشيْ الظّرفيّ "situational syncope": يحدثُ هذا النّوع من الإغماءِ في بعضِ الحالاتِ الّتي تؤثّرُ على الجهازِ العصبيّ فقط. ومن الأمثلةِ على هذه الحالات: الجفافُ والإجهادُ الشّديد والقلقُ والخوفُ والجوعُ وتناولِ الكحولِ أو المخدّرات وفرطِ التّهوية (استنشاقُ الكثيرِ من الأوكسجينِ والتّخلّصُ من الكثيرِ من ثاني أكسيدِ الكربونِ بسرعةٍ كبيرةٍ جدّاً) والسّعالُ بقوّةٍ (فَرْطُ حَسُّسِاسيةِ الجَيبِ السُّباتِيّ) والتّبوّل (الغَشي التّبوليّ).

3- غَشْيُ الوَضْعَة "Postural syncope": يحدثُ هذا النّوع بسببِ انخفاضٍ مفاجئٍ في ضغط الدّمِ النّاتجِ عن تغييرٍ سريعٍ في وضعيّةِ الجسم؛ مثل النّهوض من وضعيّةِ الاستلقاءِ إلى الوقوف.

4- الغَشيْ القلبيّ "Cardiac syncope": يحدثُ بسببِ مشكلةٍ في القلبِ أو الأوعيةِ الدّمويّةِ ممّا يؤثّر على تدفّقِ الدّم إلى الدّماغ. ويشملُ اضْطِراباتِ نُظُمِ القلبِ وإعاقةَ تدفّق الدّم من القلبِ وانسداداً في الأوعيةِ الدّمويّةِ القلبيّةِ (نقصِ ترويةِ عضلةِ القلب) وأمرضَ الصّمامات؛ كتضيّق الأبهرِ وقصورِ القلب. يؤدّي هذا النّوعُ من الغشي إلى معدّلِ وفيّاتٍ أعلى من غيره.

5- الغَشيْ العصبيّ "Neurologic syncope": يحدثُ الإغماءُ العصبيُّ بسبب حالةٍ عصبيّةٍ مثلَ النُوبِ العصبيّة والحوادثِ الوعائيّةِ الدّماغيّة أو نوْب الإِقْفارِ العابِرَة، وهناكَ حالاتٌ أخرى أقلّ شيوعاً تؤدّي إلى إغماءٍ عصبيٍّ تشملُ الصّداعَ النّصفيّ ومَوَهُ الرَّأْسِ سَّوِيُّ الضَّغْط.

6- أسبابٌ غير معروفة وذلك في ثلث الحالات.

التّشخيص:

يبدأ تشخيصُ الحالةِ وتقييمها باستعراضٍ دقيقٍ للتّاريخِ الطّبي والفحصِ البدنيّ السريريّ، إذ يطرحُ الطّبيبُ أسئلةً مفصّلةً عن حالةِ الإغماءِ، بما في ذلك إمكانيّةَ وجودِ أعراضٍ أو حالاتٍ معيّنةٍ قبل حدوثِ الإغماء.

بعد ذلك يُجري الطّبيبُ مجموعةَ اختباراتٍ لتحديدِ سببِ الإغماءِ، فيفحصُ القلبَ (معدّل ضرباتِ القلب) وكميّةَ الدّمِ في الجسم (حجمُ الدّم) وتدفّقَ الدّم في وضعيّاتٍ مختلفةٍ؛ مثل اختبارِ الطّاولةِ المائلةِ "Upright tilt test" حيث يُنقلُ المريضُ من وضعيّةِ الاستلقاءِ إلى الوقوفِ، كما يستلقي المريضُ بزاويةِ 60-80 درجةٍ لمدّةِ 30-60 دقيقةٍ، ممّا يؤدّي إلى الإغماءِ المُبْهَمِيٌّ الوِعائِيّ لدى غالبيّةِ المرضى المعرّضين لذلك.

من أهمّ الاختباراتِ لتحديدِ أسبابِ الإغماءِ ما يلي:

1- فحصُ الدّمِ الشّامل للتّحقّقِ من فقرِ الدّم أو التّغيّرات الأيضيّة.

2- مُخَطَّطُ كَهْرَبِيَّةِ القَلْب: اختبارٌ يسجّلُ النّشاطَ الكهربائيّ للقلبِ من خلالِ أقطابِ تُوضعُ على الصّدر والأطرافِ.

3- اختبارُ الجهدِ: وفيهِ يُسجّلُ مخطّطُ القلبِ الكهربائيّ أثناءَ النّشاطِ وذلكَ من خلالِ جهازِ المشي.

4- الإيكو: اختبارٌ يستخدمُ الأمواجَ فوقَ الصّوتيّةِ لإنشاءِ صورةٍ لهيكليّةِ القلب.

5- تحديد حجمِ الدّم: اختبارٌ لمعرفةِ ما إذا كان لديكَ كميّةً مناسبةً من الدّم في الجسمِ، استناداً إلى الجنس والطّولِ والوزنِ، حيثُ تُحقنُ كميّةٌ صغيرةٌ من المادّةِ المُشعّةِ من خلالِ الوريدِ في الذّراعِ. ثم تؤخذُ عيّناتُ الدّمِ وتُحلّل.

6- اختبارُ الدّورةِ الدّمويّة: اختبارٌ للتّحققِ من تدفّقِ الدّمِ والضّغطِ داخلَ الأوعيّةِ الدّمويّةِ، حيث تُحقنُ كميةٌ صغيرةٌ من المادّةِ المُشعّةِ من خلالِ الوريدِ في الذّراعِ وتؤخذُ مجموعةٌ من الصّور.

7- تُجرى سلسلةٌ من الاختباراتِ المختلفةِ لمراقبةِ ضغطِ الدّمِ وتدفّقِ الدّم ومعدّلِ ضرباتِ القلبِ ودرجةِ حرارةِ الجلدِ والتّعرقِ رداً على بعضِ المحفزّات. يمكنُ لهذهِ القياساتِ أن تساعدَ الطّبيبَ في تحديدِ ما إذا كان الجهازُ العصبيّ اللاإراديُّ يعملُ بشكلٍ طبيعيّ أو إذا كان هناك تلفُ أعصاب.

العلاج:

يضعُ الطّبيبُ وفريقُ الرّعايةِ الصّحيّةِ خطّةَ العلاجِ المناسبةِ ويتحدّثون معَ المريضِ حولَ خياراتِ العلاجِ الّتي تشملُ ما يلي :

1- تناولُ الأدويةِ أو إجراءُ تغييراتٍ على الأدويةِ الّتي يتناولُها بالفعل.

2- ارتداءُ الملابسِ الدّاعمةِ أو جواربُ ضغطٍ لتحسينِ الدّورة الدّمويّة.

3- إجراءُ تغييراتٍ على النّظامِ الغذائيّ، وقد يقترحُ الطبيب تناولَ وجباتٍ صغيرةٍ متعدّدةٍ، وتناولَ المزيدِ من الملحِ (الصُوديوم)، وشربَ المزيدِ من السّوائلِ وزيادةَ كميّةِ البوتاسيومِ في النّظامِ الغذائيّ وتجنبَ الكافيين والكحولِ.

4- الحذرُعندَ الوقوف.

5- رفعُ رأسِ السّريرِ أثناءَ النّومِ باستخدامِ وسائدَ إضافيّة.

6- تجنبُ المحفزّات الّتي تسبّبُ حالةَ الإغماء.

7- يجبُ أن تكونَ العائلةُ وشركاءُ السّكن على علمٍ بالأعراضِ وأن يكونوا مستعدّين للمساعدةِ من خلال الاستلقاءِ ورفعِ السّاقين.

8- علاجُ أمراضِ القلبِ الهيكليّة.

9- زرعُ جهازِ تنظيمِ ضرباتِ القلبِ للحفاظِ على انتظامِ معدّلِ ضرباتِ القلبِ (فقط إذا كانَ هناك حاجةً للمرضى الّذين يعانون من بعضِ الحالات الطبيّة)

10- مزيلُ رجفانِ القلبِ المزروع. يراقبُ هذا الجهازُ باستمرارٍ معدّلَ ضرباتِ القلبِ ويصحّحُ الاضطرابَ (يحتاجه فقط المرضى الّذين يعانون من حالاتٍ طبيّةٍ معيّنة).

نهايةً يجبُ الإشارةُ إلى أنّه يُمكنُ - مع التّشخيص والعلاجِ المناسبينِ - السّيطرةُ على الغَشيْ.

المصادر:

هنا

هنا