الفيزياء والفلك > علم الفلك

أربعة حيلٍ باستخدامِ التّلسكوب يجب أن تعرفها

في القرن السّابعِ عشرِ، وجّه العالم العظيم غاليليو غاليليه التّلسكوبَ نحو السّماءِ في اللّيل، مؤرِّخًا بذلكَ بدايةَ علمِ رحلةِ الإنسانِ في اكتشافِ الفضاءِ. كلُّ ما عَرفَه البشر عن الفلكِ والكَونِ قبل غاليليو لم يتجاوز ما كانت تلتقطُه العينُ المجرّدة. منذُ ذلك الحين يُكمِلُ البشرُ ما بدأه غاليليو في دراسةِ الكَونِ وقاموا ببناءِ التّلسكوباتِ الضّخمةِ والمتطوّرةِ على الأرضِ وفي الفضاءِ.

مع تطوّرِ معارفِ البشرِ لم يعد كافيًا بناءُ التّلسكوباتِ الضّخمةِ، فكان لا بدَّ من ابتكارِ وسائلَ جديدةٍ لتحليلِ الضّوءِ القادمِ من النّجومِ واستغلالهِ للحُصولِ على المزيدِ من المعلوماتِ والتّفاصيلِ الدّقيقةِ عن الأجرامِ السّماويّة. وفي هذا المقال سنسلِّطُ الضّوءَ على أهمِّ أربعة حيلٍ يستعملُها العُلماءُ لتطويرِ التّلسكوبات واستخراجِ أكبرِ قدرٍ ممكنٍ من المعلوماتِ عن الأجرامِ السّماويّةِ عبرَ تحليلِ الطّيفِ الضّوئيِّ القادمِ إلينا من الفضاء.

الحيلةُ الأولى: الكورونا غراف Coronagragh:

في أيّامِ الصّيفِ عندما تكَونُ السّماءُ صافيةً يعاني سائقي السّيّاراتِ من وهجِ الشّمسِ عندما يضربُ الزّجاجَ الأماميَّ، ممّا يؤدّي إلى ضياعِ تفاصيلِ الطّريق. يحلُّ السّائقون هذه المُشكلّةَ بإنزالِ الحاجبِ الّذي يقعُ بجانبِ المرآةِ الأماميّةِ. يحجبُ هذا الحاجبُ الشّمسَ عن عينِ السّائقِ ممّا يُحسّنُ من ظروفِ الرّؤيةِ.

يُعاني الفلكيّونَ من نفسِ المُشكلّةِ تمامًا عند دراسةِ الشّمس. حيثُ أنّ وهجَها الشّديدَ يحولُ دونَ قدرتهم على دراسةِ هالتها. اضّطرَ الفلكيّونَ في البدايةِ لانتظارِ كُسوفِ الشّمسِ كلَّ سنةٍ ليتمكّنوا من دراسةِ الطّبقةِ الخارجيّةِ من الشّمس Corona.

حتّى جاء العالم الفرنسيُّ Bernard Lyot عام 1939 باختراعٍ جديدٍ سمّاه Coronagragh، يعملُ هذا الجهازُ مثلَ حاجبِ السّيّارةِ، يتمُّ تركيبه في التّلسكوب المُعَدِّ لتصويرِ الشّمس. يحوي في مركزه على دائرةٍ داكنةٍ تقوم بحجبِ الضّوءِ القادمِ من قرص الشّمسِ وتسمح فقط بالضّوءِ القادمِ من محيط الشّمسِ بالوصولِ إلى حسّاسِ الكاميرا الموصولةِ بالتّلسكوب. بفضلِ هذا الاختراعِ أصبحَ العُلماءُ قادرينَ على دراسةِ الطّبقةِ الخارجيّةِ من الشّمسِ على مدار السّنةِ دونَ الحاجةِ إلى انتظارِ كُسوفِ الشّمس.

هناك خططٌ مستقبليّةٌ للاستفادةِ من نفسِ المبدأ لدراسةِ الكواكبِ المُكتشفةِ خارجَ المجموعةِ الشّمسيّةِ. حيثُ يُمكن أخذُ صورٍ أوضحَ لها بعدَ حجبِ وهجِ النّجمةِ المُضيفة.

الحيلة الثانيّة: راسم الطّيفِ المغناطيسيِّ Spectroscopy:

تتذكّرون في المدرسةِ تجربةَ المَوشورِ، حيثُ يمرُّ الضّوءُ الأبيضُ من خلالِ الموشورِ ليخرجَ على شكلّ ألوانِ قوسِ قزحٍ (ألوانُ الطّيف الكهرومغناطيسيّ). ما حصلَ هو انكسارُ الضّوءِ خلالَ مرورهِ داخلَ الموشورِ بزوايا مختلفةٍ تبعاً لطولِ موجته (لونه) ممّا أدّى إلى تحلّله إلى ألوانه الأساسيّة.

لهذه الظاهرةِ أهميّةً كبيرة تتعدّى الشّكلَ الجّميلَ لقوسِ قزحٍ في السّماءِ بعدَ هطولِ الأمطار. فهذه الألوانُ تُفصِحُ عن الكثيرِ من المعلوماتِ عن مصدرِ الضّوءِ الّذي تمَّ تحليله. لذلكَ يستغلُ العُلماءُ هذه الظّاهرةَ لتحليلِ الضّوءِ القادمِ من النّجومِ والمجرّات. من هنا جاءت فكرةُ راسمِ الطَّيفِ الكهرومغناطيسيِّ (السّبيكروغراف).

السّبيكتروغراف هو جهازٌ يقومُ بتحليلِ الضّوءِ إلى مكَوِّناته الأساسيّةِ لكنّه أكثرُ تعقيدًا بكثيرٍ من الموشورِ العادي في المدارس. أوّل استخدامٍ لهذه التّقنيّةِ كان في بداياتِ القرن التّاسعِ عشر. حيثُ قام العالمان Fraunhofer وَ Kirchhoff بدراسةِ ضوءِ الشّمس، توقّعوا في البدايّةِ أن تكَونَ النّتيجةُ قوسَ قزحٍ نظيفٍ مُستمرٍ كالّذي نراهُ في السّماء. لكن كانت المُفاجأة بوجودِ خطوطٍ سوداءَ تتخلّلُ قوسَ القزح. تبيّنَ لاحقًا أنَّ كلَّ مادّةٍ كيميائيّةٍ تملكُ تسلسلًا خاصًّا من الألوانِ والخطوطِ السّوداءِ، ويمكن استعمالَ هذا التّسلسلِ كبصمةٍ خاصّةٍ لكلّ مادّةٍ.

يقوم السّبيكتوغراف بتشتيتِ الضّوءِ أكثرَ من الموشورِ العادي ليعطي تفاصيلَ أكثرَ دقّةً في الطّيفِ الكهرومغناطيسيّ، فنحصلُ على سلاسلَ دقيقةٍ من الخطوطِ الملوّنةِ والسّوداءِ للدّلالةِ على التّركيبِ الكيميائيِّ للنّجومِ في السّماء. كما نستفيدُ منها للحصولِ على معلوماتٍ أخرى مثل درجةِ الحرارةِ والكثافةِ وغيرها. كما يمكن الاستفادةُ من تأثيرِ دوبلر عند دراسةِ الطّيفِ الكهرومغناطيسيِّ لمعرفةِ سُرعةِ حركةِ الأجرامِ السّماويّةِ بالنّسبةِ للأرض.

الطّيف الكهرومغناطيسيّ للشّمس.

الحيلة الثّالثة: تقنيّة التّداخل الضّوئيّ Interferometry:

بعضُ الأهدافِ الفلكيّةِ يتطلّبُ رصدُها تلسكوباتٍ كبيرةٍ جدًّا. فهي لن تظهرَ سوى على شكلّ نقطٍ صغيرةٍ حتّى لو صوّرناها بأكبرِ تلسكوبّاتنا. كلّما كانت مرآةُ التّلسكوب كبيرةً كانت صناعتها أصعبُ وتكلفتها أعلى، كما أنّها ستتشوّهُ بسهولةٍ بعدَ بِنائها بسبب تأثيرِ وزنها الهائلِ. لذلك زادت التّحديّاتُ والتّعقيداتُ الّتي وضعت حدودًا لبناءِ المرايا الكبيرة.

لتجاوزِ هذه المشكلّةِ لجأ العُلماءُ إلى تقنيّةِ التّداخلِ الضّوئيِّ. تقومُ هذه التّقنيّةُ على دمجِ إشارةِ تلسكوبَين أو أكثرَ للحصولِ على تلسكوبٍ افتراضيٍّ أكبر. ممّا يُمكّنُ العُلماءُ من الحُصولِ على صورٍ فضائيّةٍ أدقَّ بكثيرٍ. بحيثُ يقوم كلّ تلسكوبٍ بجمعِ جزءٍ من البياناتِ وعندَ دمجِ هذه البياناتِ نحصلُ على الصّورةِ النّهائيّةِ.

هذه التّقنيّةُ مفيدةٌ جدًّا عند الرّصدِ بالأمواجِ المرئيّةِ والأمواجِ الرّاديويّة. من أبرزِ المراصدِ المرئيّةِ الّتي تستعملُ هذه التّقنيّةَ هي المرصد VLT، الّذي يحوي على أربعةِ تلسكوباتٍ قطرُ مرآتِها 8.2 مترًا للحصولِ على تلسكوبٍ افتراضيٍّ قطره 120 مترًا. ومع إضافةِ أربعةِ تلسكوباتٍ مُساعدةٍ قطرُ كلٍّ منها 1.8 مترًا، نحصل على تلسكوبٍ افتراضيٍّ قطره 200 مترًا. أي نكَون قد حسّنا من قوّةِ كلِّ تلسكوبٍ رئيسيٍّ بمقدارِ 25 مرّةً.

في مجالِ رصدِ الأمواجِ الرّاديويّةِ يتربّعُ المرصد ALMA على عرشِ المراصدِ الرّاديويّةِ، حيثُ يستخدم هذه التّقنيّةَ لدمجِ إشارةِ 66 صحنًا لاقطًا لتقومَ بأداءِ تلسكوبٍ افتراضيٍّ قطره 16 كيلومترًا. يقدّمُ هذا المرصدُ صورًا راديويّةً أدقُ بعشرِ مرّاتٍ من الصّورِ الّتي يقدّمها تلسكوبُ هابل الفضائيّ.

صورة توضيحيّة لتوضُّعِ التّلسكوباتِ الرّئيسيّةِ والمساعدة في تلسكوب VLT.

الحيلة الرّابعةِ: الأنظمةِ البصريّةِ التّكيفيّةِ Adaptive optics:

هل تساءلت يومًا عن ذلكَ الشُّعاعِ اللّيزريِّ الخارجِ من التّلسكوباتِ إلى السّماء؟

بالطّبع لا يحاولُ العُلماءُ العبث مع قططٍ فضائيّةٍ تُحبُّ الرّكضَ وراءَ الأضواءِ، بل الهدفُ من هذه الأنظمةِ هو إلغاءُ تأثيرِ الغلافِ الجوّيِّ الأرضيِّ على دقّةِ الصّورِ الفضائيّةِ. فالهواءُ يحوي على الغبارِ والرّطوبةِ وغيرها من الملوّثاتِ الّتي قد تؤدّي إلى تشوّهِ الصّورةِ الفضائيّةِ. تقوم الأنظمةُ التّكيفيّةُ البصريّةُ بإرسالِ شعاعِ ليزرٍ قويٍّ إلى السّماء. يقومُ هذه الشّعاعُ بتهييجِ ذرّاتِ الصّوديوم الموجودةِ في الغلافِ الجوّيِّ فتلمعُ على شكلِّ نجمةٍ. يتمُّ استخدامُ هذه النّجمةَ الوهميّةَ كنجمةٍ معياريّةٍ لتغيير عياراتِ معدّاتِ الرّصدِ في التّلسكوب من أجلِ التّكيّفِ مع تأثيرِ الغلافِ الجوّيِّ وإلغائه للحصولِ على صورٍ أوضحَ بكثيرٍ.

رُكِّبَ مؤخّرًا نظامُ ليزرٍ رُباعيٍّ في التّلسكوب VLT، حيثُ أنّ أربعَ أشعّةِ ليزر ستُعطي تفاصيلَ أدقَّ عن الإضطرابات الموجودةِ في الغلافِ الجوّيِّ. بالتّالي زيادةُ وضوحِ الصّورِ المُلتقطةِ.

نظام اللّيزر الرّباعي في أحد تلسكوبات المرصد VLT.

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا