التوعية الجنسية > الأمراض المنقولة بالجنس

هل يمكن للجنس الفمويّ أن يكون سبباً في السرطان؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

ظنَّ الخبراء لسنين طوال بأنَّ السببَ الرئيسيَّ لسرطانِ الفمِ هو شربُ الكحول أو التدخينُ وحتى مضغ التبغ .لكن الأدلة يومًا بعد يومتتزايدُ لترشّرح بأنَّ إصابة الفم بالفيروس الحليمي البشري HPV هو سببٌ رئيسٌ للإصابة بسرطان الفم، إذ يُقدَّر أنَّ حوالي 25% من سرطانات الفم و 35% من سرطانات الحلق مرتبطةٌ بفيروس الـHPV، علماً أنَّ دقّة هذه الأرقام تختلفُ تبعاً لنوع الدراسة وطريقةِ جمع العيّنات وكيفية كشفها للفيروس.

كيف تحدث العدوى الفموية بفيروس الـHPV؟

من المتعارف عليه وجودُ أكثرَ من 100 نمطٍ من هذا الفيروس، 15 نمطٍ منها مسرطنة وتدعى بأنواع الـHPV عاليةِ الخطورة. معظمُ أنواع الـHPV المتواجدةُ في مخاطية الفم تنتقلُ جنسياً، لذلك فإنَّ الجنس الفموي هو الطريقُ الأساسيُّ لانتقال العدوى. أما عن الأنواع عالية الخطورة فتنتقلُ أيضاً عن طريق أيِّ اتصالٍ جنسيٍّ آخر (مهبلي، شرجيّ….) مسبّبةً كلّاً من السرطانات التالية:

1- سرطان عنق الرحم: تقريباً كلُّ حالات هذا السرطان ناتجةٌ عن الإصابة بـHPV و 70% من الإصابات ناتجةٌ عن نوعيّ الـHPV السادس عشر والثامن عشر.

2-سرطان الفرج والمهبل.

3-سرطان الشرج.

4-سرطان القضيب.

5-سرطان الحنجرة.

6-وسرطان اللوزات.

قد ينتقل بعضٌ من أنواع الـHPV عن طريقِ التماس الجلديِّ مسبباً الثآليل ومن ضمنها الثآليل التاسلية. تدعى هذه الأنواع بأنواع الـHPV منخفضة الخطورة والتي تختلف عن تلك الأنواع المسببة للسرطان (عالية الخطورة).

يتعرّض معظم الأشخاص الناشطون جنسيّاً (90%) بحدودِ عمرِ الـ25 سنة للفيروس بنوعيه عالي ومنخفض الخطورة . لكن لحسن الحظ يطوّرُ 2- 3 % فقط من هؤلاء الأشخاص ثآليلَ تناسليًّة مرئيّةً، لذلك فمن المحتمل أنَّ أغلبَ الأشخاص قد أصيبوا بالعدوى لكنها لم تظهر إلا عند نسبةٍ ضئيلةٍ فقط.

من غير المعروف بشكلٍ دقيقٍ حالياً مدى انتشار الإنتان الفموي بفيروس الـHPV. أِشارت دراسةٌ أجريت في عام 2009 في الولايات المتحدة أنَّ انتشارَ العدوى بالـHPV بين الذكور هو 10% ولدى الإناث 3.6% .كما تضمنت الدراسة عوامل الخطورة للإصابة وهي :

- العمر: ذروة الانتشار في المجموعتين العمريتين 30-34 سنة و 60-64 سنة .

- عدد الشركاء الجنسيين: 20% من الأشخاص الذين لديهم أكثر من 20 شريك يطورون عدوى فموية بالـHPV.

- العدد الحالي من السجائر المدخنة يومياً.

أما عن عوامل الخطورة للإصابة بمعظم سرطانات الفم فتبين أنَّ لها علاقة بالسلوك الجنسي وتتضمن :

- هل مارس الشخص الجنس الفموي في حياته أم لا.

- ممارسة الجنس الفموي مع أربعة شركاء أو أكثر على مدى حياة الشخص.

- بالنسبة للرجال تدخل أيضاً ممارسة الجنس للمرة الأولى بعمر مبكر (تحت 18 عاماً).

من لديه احتمالية أعلى للإصابة الرجال أم النساء؟

دلّت بعض الأبحاث على أنَّ احتمال إصابة الرجال بسرطان البلعوم الفموي جرّاء الجنس الفموي هو ضعفُ احتمالِ إصابةِ النساء بالسرطان المذكور سابقاً بالطريقة نفسها، كما تبيّن أنَّ الإصابة تطغى لدى الذكور الغيريين جنسيا في الأربعينيات والخمسينيات من عمرهم منه عند الذكور المثليين . هذا ما يشير بأنَّ ممارسة الرجل الغيريِّ للجنس الفموي أخطرُ من ممارسة المرأة أو الرجل المثلي للجنس الفموي وهو ما يخالفُ الحدسَ البدئي لكنَّ ذلك يعودُ لكون كمّية فيروس الـHPV في الجلد الرقيق الرطب للفرج هو أعلى من تركيزه في جلد القضيب السميك الجاف، وهو ما يؤثر على احتمالية انتقال العدوى. تشيرُ دراساتٌ أخرى لوجود الفيروس في السائل المنوي وبالتالي انتقال العدوى في حال حدوثِ قذفٍ ضمن الفم .

كيف يحدث السرطان بناء على العدوى بفيروس الـHPV؟

لا يحدث السرطان مباشرةً بعد الإصابة بالفيروس، بل تحدثُ في البداية تغييراتٌ في الخلية المصابة (في الفم أو عنق الرحم أو الحنجرة….) هذه الخلايا يمكن أن تتحوَّل بدورها لاحقاً لخلايا سرطانية. وفي حال حدوث التغييرات على مستوى الخلية فقد تحتاجُ لوقتٍ طويلٍ حتى تكتملَ (ممكن أن تصل لعقود) .

كما ذكرنا سابقاً، فإنَّ عدداً قليلاً من المصابين بالعدوى بالفيروس سيطورون سرطاناً حيث أنه في 90% من الحالات يتخلّص الجسمُ من العدوى بشكلٍ طبيعيٍّ خلال سنتين من الإصابة، ويؤثّر التدخين على تلك العملية سلباً كونه يخرّب نوعاً خاصّاً من الخلايا المناعية الوقائية في الجلد تسمى خلايا المراقبة المناعية، مما يسمحُ ببقاء الفيروس. من الجدير بالذكر أنَّ سرطانات عنق الرحم والفرج نادرةٌ عند غير المدخنات ما لم يكن هناك سببٌ آخرُ للتثبيط المناعي. على صعيدٍ آخر، يستجيبُ سرطانُ الفم الناتجُ عن الـHPV للمعالجةِ الدوائيّة بشكلٍ أفضلَ عن السرطان الناتج عن مسبّباتٍ أخرى.

كيف يمكن أن يتظاهر سرطانُ الفم؟

- بقع حمراء -أو حمراء وبيضاء- على اللسان أو بطانة الفم.

- قرحة فموية واحدة أو أكثر يستمر وجودها أكثر من ثلاثة أسابيع رغم المعالجة.

- تورّم في الفم يستمر لأكثر من ثلاثة أسابيع.

- ألم أثناء البلع.

- الشعور بوجود شيء عالق في الحلق.

هل يفيد لقاح الـHPV في الوقاية من الإصابة ؟

تعتمد فائدة اللقاح تبعاً للجنس، إذ يعطى اللقاح بشكل روتيني لدى الإناث (دون الذكور) بعمر الـ12 وال 13 سنة في المملكة المتحدة إذ يقدّم وقايةً فعالةً ضدَّ سرطان عنق الرحم ذلك أنَّ معظم حالاته تنتج عن العدوى بفيروس الـHPV كما يقي من سرطان الفرج والمهبل . بالإضافة لذلك، على الرغم من عدم توفر دليلٍ قاطعٍ على فائدة اللقاح في الوقاية من سرطان الفم والحلق والشرج الناتجين عن العدوى بالـHPV، حتى الآن، يعتقد أن يكون للقاح دورٌ فعّال في الوقاية منها بما أنها تحدث بالطريقة نفسها التي يحدث بها سرطان عنق الرحم.

وبالتالي فإن تمنيع الإناث يفيدُ في إنقاص انتشار الإصابة في المجموع السكاني العام سواء لدى الذكور أو الإناث . وذلك ماحدث فعلياً في أستراليا حيث انخفضت نسبة ظهور الثآليل التناسلية لدى النساء والرجال الغيريين جنسياً تحت عمر الـ21 سنة بشكلٍ ملحوظ خلال أربعة سنوات من بدء حملة التلقيح. إلا أنَّ إعطاء اللقاح للإناث فقط لن يفيد في خفض الحالات لدى الرجال المثليين.

ظهرت عند الذكور المثليين جنسياً زيادة في خطر الإصابة بسرطان الشرج المرتبط بالإصابة بفيروس الـHPV التي ساءت بالإنتان المرافق بفيروس عوز المناعة المكتسب. وقد ذكرت بعض الحالات التي أعطي فيها اللقاح نتيجةً في الوقاية من سرطان الشرج المرتبط بالـHPV ومن الوقاية من نكسِ الآفات الشرجية ما قبلَ السرطانية بعد المعالجة مما يثير تساؤلاً حول فائدة إعطاء اللقاح للذكور أيضاً.

كيف يمكن ممارسة الجنس الفموي بشكل أكثر أماناً؟

أظهرت إحدى الدراسات أن ما يزيد عن 75% من الرجال والنساء المتراوحة أعمارهم بين 16-44 سنة قد مارسوا الجنس الفموي الغيري خلال السنة السابقة.

يمكن جعل الجنس الفموي أكثر أماناً بوضع الموانع الحاجزية كالواقيات الذكرية والسدود الشرجية والمهبلية التي تحمي من حدوث الإنتان و تقي من انتقال العدوى.

في النهاية لا يسعُنا القول سوى أنَّك في حالِ القلق من أيِّ إصابة لاتتردد أبداً في استشارة طبيب الرعاية الصحية، فكلَّما شُخِّصت الحالة أبكر كانَ العلاجُ أكثرَ فاعليّة وكانت اختلاطاتُ الإصابة أقل. كذلك لاتنسى أنَّ لوسائل الوقاية الجنسية الدورُ الأكبر في تجنُّب الإصابة خصوصاً في حال تعدد الشركاء، فدرهمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطارِ علاج .

المصدر:

هنا