الاقتصاد والعلوم الإدارية > موارد بشريّة

كيف تحمي وظيفتك من شبح الركود الاقتصادي

استمع على ساوندكلاود 🎧

خلال سنوات عملهما، لاحظت كلٌّ من جانيت بانكس - التي شغلت منصب نائب مدير الموارد البشرية في بنك تشيس مانهاتن و المدير العام لشركة فليتبوستن المالية -؛ و ديان كوتو - الباحثة في جمعية ومعهد بوسطن للتحليل النفسي -، لاحظتا هذا السلوك المذعور من قِبَل الموظفين أثناء إشرافهما على العديد من عمليات التسريح على مرِّ السنين، وأثناء بحثِهما حول ردة الفعل في ظروف العمل المُجهِدة وجدَتا أنه ربّما يلعب الحظ دوراً هاماً في تجاوز هذه الأزمات الصعبة، لكنَّ تخطيها يتطلب الوقوف في وجه الواقع، والتصدي لهذه الصعوبات عن طريق إعداد الخطط الملائمة للمستقبل.

تتجلى المكيافيلّية (مبدأ: الغاية تبرّر الوسيلة) في الأوقات الاقتصادية العصيبة على شكل خطط استراتيجية بغرض الحفاظ على وظيفتك، واستناداً لخبراتهما؛ تبيَّنَ أنَّ التهديد بفقدان الوظيفة يواجه الجميع حتّى المدراء التنفيذيون، لذلك فإنه من الأفضل أن تعرف كيف تتصرف في الظروف الاقتصادية المتردّية حتى لا تكون ضحية من ضحايا الأزمات الاقتصادية.

تَصرَّفْ على أنك أحدُ الناجين: "إذا كنت تريد أن تكون شريكاً فتصرف على أنك كذلك"؛ وما هو أهمُّ من ذلك؛ إن كنت تريد أن تكون أحد الناجين أثناء الركود فتصرف كأحد الناجين. إن دراسة طريقة تفكير الناجين تكشف مفارقات مذهلة، فعلى الرغم من أن تخطيط عمليات التسريح يستلزم خلق أجواء من التشاؤم، إلا أن التفاؤل هو أفضل ما يمكنك فعله في هذه الأثناء؛ ابقَ متيقظاً ومتأهباً، ولكن كن مبتهجاً وتعامل مع المسألة بثقة، فإنَّ قدرة الشخص على خلق جو من البهجة أثناء وجوده في مكان ما هو أمر بالغ الأهمية، وقد أثبتت دراسة نشرتها مجلة Harvard Business Review ، أنه عادة ما يُفضِّلُ الموظَّفون طلب المساعدة من زملائهم ذوي الروح المرحة على الرغم من وجود أشخاص أكفأ منهم إلا أنهم أكثر جدية. وبالطبع فنحنُ لا نقترح عليك أن تتحول إلى مهرج مثلاً، وإنما لا تكن ذاك الشخص ذا المزاج السيِّئ الذي يذكِّرُ زملاءه على الدوام بمحدودية قدراتهم مقارنة بقدراته. تُرى مَن يريد أن يعمل مع شخص كهذا ؟!

بداهةً ليس سهلاً أن تبقى مبتسماً مع انتشار الشائعات عن عمليات التسريح المتوقعة، فالمستقبل مجهول بالنسبة إليك؛ هل تبقى في وظيفتك أم تنتقل إلى وظيفة أخرى؟ إنَّ مخاوفك أمر طبيعي، ولكنَّ تعامُلَك مع الموقف إيجابيّاً يتيح لك المجال للتأثير على مجرى الأمور، وبالتالي فإن عليك التركيز على المستقبل، فالناجون يتطلعون إلى المستقبل.

ولا تنس التركيز على إرضاء العملاء في نطاق عملك، فدونَ العملاء لن يحصل أحد على وظيفة، اجعلهم يشعرون أنَّ مساهمتك لا غنى عنها، وأثبِتْ للشركة أنك شخص مهم ذو قيمة ولا يمكن الاستغناء عنه، عندها ستكون أقل عرضة لفقدان الوظيفة. وكذلك فقدرتك على القيام بمهام متعددة يزيد من فُرصِك في أن تكون أحد الناجين، فغالباً ما تقوم الشركات بتوظيف الأشخاص ذوي القدرات المتعددة لتقليص نفقاتها؛ وإذا كنت تستطيع القيام بمهامَّ متعددة فابدأ التفكير بالطريقة التي يمكن أن تساعد بها الشركة التي تعمل فيها، وتعلَّمْ مهاراتٍ جديدةً لا يعلم رئيسك عنها شيئاَ. قد يوفر لك الركود الاقتصادي العديد من الفرص لاستعراض قدراتك خاصة عندما يُسرَّحُ بعض العمال؛ إذ تتوفر عندها الكثير من الفرص الجديدة على جميع الأصعدة.

وكذلك نجدُ الناجين على استعداد لتقديم التنازلات وتحمُّل الإحراجات؛ خذ على سبيل المثال آنا - مديرة في إحدى شركات التأمين - وجدَتْ نفسَها في منافسة مع زميلها الذي يقلُّ عنها خبرة أثناء قيام الشركة بإعادة الهيكلة. عندما علمت آنا أنَّ القسم الذي تديره سيكون تحت إدارة هذا الزميل أدركت أنها إن أرادت أن تحافظ على وظيفتها فإنَّ عليها بذل قصارى جهدها لتقديم أفضل ما لديها لدعم مديرها الجديد، وهذا ما حصلَ فعلاً، ممَّا جعله يحترمها تقديراً لتصرفها، وكذلك لاحظت الإدارة ولاء آنا لعملها مما دفعهم لتعيينها في منصب إداري مرموق.

من المهم أن تعرف أن أوقات الغموض صعبة حتى على صاحبي القرار أنفسهم، فهم لا يستمتعون بتسريح موظفيهم، ويجد معظمهم هذه المهمة أمراً مؤلماً، وتتطلّبُ هذه المرحلة منهم وقتاً طويلاً لتحديد ما يجب فعله وما لا يجب. لذا فعليك أن تكون سنداً لمديرك المباشر، وأن تتجنب الحديث عن ترقيتك أو الحصول على مُسمَّىً وظيفيٍّ جديدٍ، إذ ليس الوقت المناسب لذلك. لا تحارب التغيير، بل قدِّمْ أفكاراً وحلولاً واقعية لرئيسك إن كان يعمل على خطة إعادة الهيكلة.

إن ما نقترحه عليك يبدو كنظرية الوعي الكاذب التي تحدَّث عنها كارل ماركس؛ تلك التي تقول أنه ليس من مصلحتك أن تتعاطف مع رئيسك بينما هو يفكر بتسريحك! لكنَّ التجاربَ تدعم فكرة أنَّ إظهار التعاطف مع الأشخاص الأقوى منك قد يكون مفيداً لك؛ فقد أظهرت الأبحاث الأخيرة حول علاقة الأم برضيعها بأنه كلما ابتسم الطفل زادت نسبة الاهتمام به، وعلى الرغم من أنَّ دراسة علاقة الأم برضيعها لا تتكرَّرُ في مكان العمل (على حد علمنا) لكنَّ علماءَ النفس قد بينوا أنه من الممكن تعلُّم سلوك الترابط العاطفي تماماً كما هو الحال مع مهارات الذكاء العاطفي؛ أي كلَّما كانت علاقتك بمديرك جيدة قلَّ احتمال تسريحك.

وكذلك قدرتُك على توحيد زملائك؛ و بثِّ روح الحماسة في صفوفهم في الظروف الصعبة؛ هو أمر مهمٌّ جدّاً، فعندما نجحَ إيزاك - كان يشغل منصب نائب رئيس وحدة التطوير والتعلم في شركة خدمات مالية دولية تعاني من ظروف صعبة - وبطلب من مدير قسم الموارد البشرية في رفع الروح المعنوية لموظفي الشركة، وتحسين التواصل؛ حصل على الفرصة الوظيفية التي كان يطمح إليها: "رئيس قسم الإدارة والتطوير"، وقد نجح إيزاك بتحقيق ذلك من خلال إنشاء برنامج إذاعي حي مفعم بالمرح، حتى أنَّ أكثر الموظفين تشاؤماً شاركوا فيه، وإضافة إلى ذلك فقد وفَّر للمدراء التنفيذيين منصة فريدة لتبادل المعلومات مثل النتائج المالية الفصلية.

كُن عضواً فاعلاً في الشركة، شارِكْ في كل الاجتماعات التطوعية غير الرسمية التي اعتدت الغياب عنها، شارك في أنشطة الشركة الخارجية، ففي الأوقات الحاسمة يبحث القادة عن الموظفين الذين يشاركون بحماس.

وما حدث مع ليندا يدل على أهمية مواطنة الشركات؛ فقد كانت ليندا تشغل منصب نائب رئيس العمليات في إحدى الشركات الكبرى التي كانت تمر بظروف مالية سيئة، مما اضطر الشركة لاقتراح مراكز خدمات مشتركة لتفادي ازدواجية الجهود التي يبذلها موظفوها. امتعض الجميع من هذا القرار، وذلك لأن العمل في مراكز الخدمات المشتركة يعني خسارة المنصب الذي يشغلونه كخبراء، لذا فقد رفضت عدّة شخصيات بارزة الانضمامَ إلى المركز عندما أُعلِنَ عنه رسميّاً آملين أن تتراجع الإدارة عن قرارها بإنشاء قسم كهذا، ولكنَّ ليندا تقدمت بطلب للعمل في هذا القسم الجديد؛ إذ كان منصبها الجديد بمثابة ترقية لها، وفي هذه الأثناء خسر معظم الأشخاص الذين رفضوا الانضمام إلى هذا القسم مناصبَهُم، ووجدوا أنفسهم خارج الشركة، بينما حافظت ليندا على وظيفتها، وبدأت بعد ست سنوات بإعداد تقارير مباشرة لرئيس الشركة. وبالطبع فإن تغيير شخصيتك وسلوكك من أجل البقاء في منصبك لا يُعَدُّ أمراً سهلاً، لذلك قد تُقرِّرُ التخلي عن منصبك، وفي هذه الحال عليك أن تكون صريحاً مع نفسك ومع المؤسسة التي تعمل فيها؛ فتتطوَّعُ بالاستقالة، وفي مواقف كهذه وخاصَّةً مع الركود الاقتصادي سترحّب شركتك بعرضٍ كهذا، إذ يُفضِّلُ المدراءُ مساعدة الأشخاص الراغبين في ترك مناصبهم والاستقالة على تسريح الأشخاص الذين يعتمدون على عملهم لتسيير أمور حياتهم اليومية.

ضع في حسبانك أنك إذا ما قررت الخروج، فقد تحتاج إلى إيجاد فرصة جديدة، لذا فإنك بحاجة إلى توصية جيدة من مديرك، ولا تنسَ أن خروجك بسلاسة يعني زيادة فرصتك في الحصول على مساعدة من مديرك وغيره من الموظفين.

ختاماً، هناك عدّة أمورٍ قد تكون خارج نطاق سيطرتك عند حدوث الركود الاقتصادي، لكنَّ تسخيرك لطاقاتك لبناء خطة استراتيجية للسيطرة على سلوكك في هذه المواقف؛ ودعمَك لمديرك؛ إضافة إلى مساهماتك الفاعلة في الشركة التي تعمل بها، كلُّ هذا يجعل فرصتك في النجاة أكبر.

المراجع

هنا

هنا

هنا