العمارة والتشييد > التشييد

حريقُ مبنى غرينفيل... أرواحٌ ثمناً لأخطاءٍ هندسيّٙة

استمع على ساوندكلاود 🎧

في الرّٙابع عشر من حزيران (يونيو) تعّٙرضَ مبنى غرينفل Grenfell السّٙكنيُّ ذي الطَّوابق الـ 24 إلى حريقٍ مأساويٍّ أدّٙى إلى خسائرَ جسيمةٍ في الأرواحِ، وذلك في منطقة Kensington في لندن، بدأَ الحريقُ قبلَ الواحدةِ بعدَ منتصفِ اللّٙيل وخلالَ خمسَ عشرةَ دقيقة كانت النِّيرانُ قد ابتلعت المبنى بأكمله، توفّي 12 شخصاً نتيجةَ الانفجارِ فيما نُقِل أكثرُ من 70 شخصاً إلى مشافي لندن ليتمّٙ لاحقاً تأكيدُ وفاة 79 شخصاً، وعملَ 200 رجل إطفاءٍ و45 سيارة إطفاءٍ على إخمادِ النِّيران.

يرتفعُ مبنى غرينفل عن سطحِ الأرضِ 67.3 متراً ويحوي 120 شقَّةً، وقد خضعَ المبنى الذي تمّٙ تصميمُه عام 1967 وانتهى بناؤه عام 1974 إلى إعادةِ تأهيلٍ قبلَ أقل من سنتين من تاريخِ الحريقِ من قِبٙل شركةِ StudioE بتكلفةٍ بلغت ما يقاربُ الـ 11 مليون دولار أمريكي متضمِّنةً تحسيناً للطّٙاقة المقدّٙمة للشُّقق ولمساحاتِ التّٙخزينِ العامّٙة للشُّقق، إضافةً لواجهةٍ خارجيّٙةٍ من الألمنيوم والزُّجاج تشكِّل درعاً يحمي المبنى من مياهِ الأمطارِ، وتمديدات مياهٍ ونظامِ تسخينٍ جديد.

من الجديرِ بالذِّكر أنّٙ مجموعةً مدنيّٙةً تأسّٙست عام 2010 تحتَ اسم Grenfell Action Group كانت قد حذّٙرت من مخاطرِ السّٙكن في هذا البناء وقامت بعدّٙة تحذيراتٍ لم تلقٙ أيّٙ ردٍّ من الجهاتِ المسؤولةِ.

بينما لا يزالُ السَّببُ المباشرُ للحريقِ مجهولاً، يُعتقد أنّٙ سرعةَ انتشارِ النِّيرانِ الكبيرةِ جدّٙاً، والتي بلغت ربع ساعةٍ فقط، يرجعُ إلى التّٙغطية المركّٙبة حديثاً والّٙتي تبيّٙن مساهمتُها في عدّٙة حرائقَ حولَ العالم لمبانٍ مرتفعةٍ.

تتألّٙفُ واجهةُ التّٙغطيةِ من ألواحٍ رقيقةٍ نسبياً مُسبقةِ الصُّنعِ تهدفُ بشكلٍ رئيسيٍّ لحمايةِ المبنى من كمِّيّٙاتِ مياهِ الأمطارِ الكبيرةِ التي قد تصلُ لجدارِ المنشأ، أمّٙا العواملُ الأخرى كالعزلِ الحراريِّ والتّٙحكُّم بالهواءِ وتوفيرِ الاستقرارِ للمنشأ يقومُ الجزءُ الدّٙاخليُّ من الواجهة بتأمينها، وهو جدارُ المبنى الأساسيُّ.

تتألّٙفُ ألواحُ التّٙغطيةِ المستخدمةِ من نواةٍ من البولي إيثيلين محشوّٙةٍ بينَ لوحين من الألمنيوم، وهو تركيبٌ شائعُ الاستخدام في أعمال التّٙغطية، إلّٙا أنّٙه غير آمنٍ وخطرٌ من ناحيةِ الحرائقِ وتعتبرُ الألواحُ ذو النُّوى المعدنيّٙة أكثرَ أمناً من ذي النُّوى البلاستيكيّٙة.

يعتقدُ الخبراءُ أنّٙ التّٙغطيةَ خلّٙفت نوعاً من التّٙأثيرات المشابهةِ لتأثيرِ المدخنةِ وذلك في الفراغ بينها وبينَ الجدارِ الإسمنتيِّ الأساسيِّ للبناء ممّٙا أثّٙر على سرعةِ انتشارِ الحريقِ.

نشبت عدّٙةُ حرائق في أبنيةٍ مرتفعةٍ حول العالمِ ساهمَ هذا النّٙوعُ من التّٙغطيةِ بسرعةِ انتشارها، منها الحرائقُ التي حدثت في كلٍّ من LaKanal House في لندن و Wooshin Golden في بوسان وLacross Tower في ملبورن و برجي The Marina Torch وThe Address Downtown في دبي.

كانَ من الأمورِ المثيرةِ للجدل، والتي لعبت دوراً في عددِ الخسائر، سياسة "البقاء" التي أُعطيت للسُّكّٙان، حيث نُصِحوا في حال حصولِ حريقٍ في المبنى أن يبقوا في شققهم وينتظروا الإنقاذَ، بدلاً من محاولةِ الهروب.

تعتبرُ هذه السِّياسةُ شائعةً في مبانٍ كهذه ذلك أنّٙ استقلاليّٙة كلّٙ شقّٙةٍ وانعزالها عن باقي الشُّقق سيؤمِّن وقتاً طويلاً قبل انتشارِ النّٙارِ ممّٙا يوفِّرُ الوقتَ لعمّٙالِ الإطفاءِ للوصولِ وإنقاذِ السُّكّٙانِ، إلّٙا أنّٙ وجودَ التّٙغطيةِ وتأثيرَ المدخنةِ سبّٙب انتشاراً سريعاً للنّٙار لجميعِ شققِ المبنى ممّٙا انعكس سلباً على فرصِ نجاةِ السُّكّٙان.

يُضافُ لكلِّ الأسبابِ السّٙابقةِ عدمُ وجودِ مرشّٙاتٍ لإطفاءِ الحرائقِ، فعلى الرّغمِ من أنّٙ القانونَ البريطانيّٙ يجبرُ جميعَ الأبنيةِ الأعلى من ثلاثين طابقاً على تركيبِ نظامِ رشٍّ، إلّٙا أنّٙه لا يجبرُ الأبنيةَ القديمةَ على ذلك، وكانت الكلفةُ التّٙقديريّٙةُ لتركيبِ المرشّٙاتِ، التي كانَ من الممكنِ أن تنقذَ أرواحاً، لا تتجاوزُ الـ 175000 دولار أمريكي وهو مبلغٌ لا يمثِّل 1.6% من تكلفةِ إعادةِ تأهيلِ المبنى.

في النِّهاية أدَّت هذه الأخطاءُ إلى مأساةٍ في واحدةٍ من البلدان التي تملكُ بعضاً من أشدِّ القوانينِ صرامةً فيما يتعلَّقُ بمواضيعِ الحرائق.

المصادر:

1- هنا

2- هنا