البيولوجيا والتطوّر > التطور

إعادة رسم شجرة الحياة التي وضعها داروين

استمع على ساوندكلاود 🎧

في عام 1859م، ضمّنَ تشارلز داروين شجرةً أصيلةً لهيكلية الكائنات الحية في كتابه الرائد عن نظرية التطور المسمى: أصلُ الأنواع.

تمتلك شجرةُ الحياةِ فروعاً تبين كيف أمكنَ لأشكالٍ حيويةٍ متنوعةٍ، مثل البكتريا والنباتات والحيوانات، أن تتطورَ وتصبحَ على صلةٍ ببعضها البعض. فالكثير من التنوعِ البيولوجي للأرض يتكون من الميكروبات، مثل البكتريا والفيروسات والفطريات، والتي غالبا ما تتفاعل مع النباتات والحيوانات وغيرها من المستضيفين (Hosts) بطرق سواء أكانت مفيدة أو ضارة.

وبعد مرور ما يناهز الـ 150 عاماً يعمل علماء من جامعة جامعة روتجرز Rutgers University مع باحثين دوليين آخرين على إعادةِ تشكيلِ هذه الشجرة.

وقد أوضحت الورقةُ البحثيةُ أنّ أشكالَ الحياةِ التي ترتبطُ مادياً وتتطور معاً تسمى Symbiom.

لماذا توجد حاجة لإعادة التشكيل هذه؟

نشأت الحاجة لذلك لأننا نعيشُ حقبةً جديدةً من العلم لا تحوي حتى الآن مساراً واضحاً يصفُ التأثيراتِ الممتدةِ للميكروبات عبر شجرة الحياةِ. فوفقاً للباحثين، ما نحن بحاجة ماسّةٍ إليه هو نَهجٌ متعدد التخصصاتِ للتّصنيف، يشملُ أشكالَ الحياة التي تضمُّ أنواعاً لا تعد ولا تحصى تعتمد على بعضها البعض من أجل صحتها وبقائها على قيد الحياة، شاملةً البكتريا المتنوعة التي تتعايش مع البشر والشعاب المرجانية والطحالبِ والنباتاتِ.

كيف يجب أن يتم التصنيف إذاً، وفقاً للدراسة؟

تتمحورُ الفكرةُ حولَ استخدامِ أساليبَ حاسوبيةٍ متطورةٍ لرسمِ صورة أكثرَ شمولية عن تطور الكائنات الحية والنظم البيئية.

ويرى أحدُ مؤلفي الدراسةِ أنّه لا يجبُ تصنيف البكتريا أو الفطريات المرتبطة بأنواع نباتية في أنظمةٍ وراثيةٍ تطوريةٍ منفصلةٍ عن بعضها، لأنها تعد وحدةَ عمل تطورية متكاملة، وينبغي عوضاً عن ذلك تحويل هذه الشجرة ثنائيةِ الأبعادِ إلى شجرة متعددة الأبعاد تضمن التفاعلات البيولوجية بين الأنواع.

ويقترحُ المؤلفون بالدراسة إطاراً جديداً لوصفِ شجرة الحياة يشمل الـSymbiomes، أطلقوا عليه اسم "SYMPHY"، اختصاراً لجملة "علم الوراثة التطوري للسيمبيومس" (Symbiome Phylogenetics).

ما الفائدة من تشكيل الشجرة الجديدة؟

بدايةً، تفشلُ شجرةُ الحياة المتواجدة حالياً في تمييزِ وتَضمين الـSymbiome. بل على العكس، فإنها تركز إلى حد كبيرٍ على الأنسابِ والأنماط الفردية، وكأنها مستقلة عن باقي الفروع الأخرى لشجرة الحياة.

كما يعتقدُ الباحثون أنّه بوجودِ شجرةِ حياةٍ معززة ستكونُ هناك تأثيراتٌ محتملةٌ واسعةٌ على العديد من مجالات العلوم والتكنولوجيا والمجتمع. إذ تتضمنُ هذه الشجرة: نُهُجُاً جديدةً للتعامل مع القضايا البيئية، مثل الأنواع الغَزْوِيَّة والوقود البديل والزراعة المستدامة، ونُهُجُاً جديدة لتصميم وهندسة الآلات والأدوات، إضافة إلى تضمنها فهماً أوسع لمشاكل الصحة البشرية، ونُهُجُاً جديدة لاكتشاف وصناعة الأدوية.

ويأمل الباحثون أنّه من خلالِ ربط الكائناتِ الحيةِ بشركائهم من الميكروبات، سيكونُ بالإمكان البدء في الكشفِ عن الأنماطِ والأشكالِ التي ترتبطُ بها الأنواعُ في ظروفٍ بيئيةٍ محددةٍ. فعلى سبيل المثال، إذا ارتبطَ نوع الميكروب نفسه بجذورِ نباتاتٍ مختلفةٍ تماماً عن بعضها ولكن تتشارك جميعها في نوع الموطن الطبيعي نفسه للإنبات (فقر المغذيات والملوحة المرتفعة، على سبيل المثال)، فإنه من المحتمل جداً أن تكون قد حُددت سلالةٌ جديدة تمثل تحمل الملوحة، والإجهاد وفقر المغذيات، ويمكن استخدامها لتطعيمِ نباتاتِ المحاصيلِ بهدفِ تزويدِها بهذه الصفات القيمة.

وبصفةٍ عامةٍ، يمكن استخدامُ Symphy للوصول للإجابة عن أي تساؤلٍ يتعلق بمعرفة ارتباطات الأنواع ببعضها في الـSymbiome.

فضلاً عن ذلك، قد يهيئ ذلك لوجودِ أشجارٍ تتفاعل مع أشجار أخرى، وهذا النوع من التشابك والتشعب سيسمحُ بإظهارِ الروابطِ عبر كائناتٍ مختلفةٍ ومتعددةٍ ومن ثم وصف قوة التفاعلاتِ بين الأنواع.

يختمُ أحدُ الباحثينَ المشاركينَ في الدراسةِ بقوله:"لا نقصد بعملنا تشويه صورةِ داروين، فنحن نعتبره بطلاً للعلم. ولكن الرؤى الجديدة جذرياً التي جلبتها التكنولوجيا إلى العَالم المعقد من التفاعلات الميكروبية تتطلب إلقاء نظرة جديدة إلى كيفية تصنيفنا لأشكال الحياة، نظرة أبعد من الأشجار الكلاسيكية ثنائية الأبعاد".

ويضيف قائلاً "يجبُ أن نهدفَ إلى توحيدِ بحوثِ علمِ النظامياتِ (أساليب تصنيف أشكال الحياة) تحت مظلة Symphy بحيث تعملُ معاً الأقسام ذات التخصصات المختلفة، مثل علم الحيوان وعلم النبات وعلم الأحياء الدقيقة وعلم الحشراتِ، لوصفِ كيفيةِ تأثيرِ التفاعلاتِ الحيويةِ على تطورِ الأنواع والبيئة وعلمِ الأحياءِ العضوي بشكلٍ عام".

المصدر:

هنا

الورقة البحثية:

هنا