الطب > مقالات طبية

هل يمكن أن يكون الزلاقي هديةَ الزّكام؟!!

استمع على ساوندكلاود 🎧

كيف يُمكنُ لإصابةٍ فيروسيّةٍ بسيطةٍ مثل الزكام أن تسبب مرضاً مناعياً مثلَ الداء الزلاقيّ؟

للإجابة عن هكذا سؤال سنتكلّم عن دراسة أجريت على الفئران، واستخدمت نتائجها في البحوثِ لدى البشر.

تشير البيانات من دراسة الفئران إلى أنه قد تؤثر العدوى بالفيروسات الريويّة (التنفسية المعوية) نسبياً على تحمّل الجسم للمستضدات الغذائية وتهيئ الطريق إن لم تكن سبباً مباشراً للإصابة بالداء الزلاقي في الأفراد الذين يتمتعون باستعدادٍ جيني للإصابة به.

قالت الدكتورة بانا جبري من جامعة شيكاغو مركز الأمراض الزلاقية في إلينوي: "خلال السنة الأولى من الحياة، لا يكون الجهاز المناعي قد وصلَ لمرحلة النضج بعد، لذلك فإنّ إصابة طفلٍ ذي خلفية وراثية معينة بفيروس معين في تلك الفترة يمكن أن يترك ما يمكن تسميته ندبة ذات عواقب على المدى البعيد، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نعتقدُ أنَّه وبمجرد حصولنا على مزيد من الدراسات، قد نفكر في ما إذا كان ينبغي تطعيم الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بالداء الزلاقي".

ينشأ الداء الزلاقي من رد فعلٍ مناعي ذاتي تجاه الببتيدات المستمدة من بروتين الغلوتين الغذائي. حيث يؤثر على 1 من 100 شخصٍ في جميع أنحاء العالم من الذين لديهم مستضدات الكريات البيضاء البشرية HLA النمطين DQ2 و DQ8 ، التي يمكن أن توجّه استجابةً التهابية مناعية من الخلايا التائية المساعدة الأولى(TH1) ضدَّ بروتينات الغلوتين في القمح.

وتشير الزيادة الأخيرة في انتشار الأمراض الزلاقية والحساسية الغذائيّة إلى احتمال ربطِ العامل البيئي بين الاثنين. بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة كون المجتمعات المتشابهة وراثياً يمكن أن تختلف لديها نِسبُ حدوث الداء الزلاقي بشكل كبير تدعم الفرضية البيئية.

وقد ربطت الدراسات الوبائية عدة فيروسات مألوفة مع تطور المرض الزلاقي في وقت لاحق، بما في ذلك فيروس التهاب الكبد الوبائي(hepatitis c)، و الفيروسات الغدية(adenoviruses)، الفيروسات المعوية(enteroviruses)، الفيروس العجلي(rotavirus). ويشير التوقيت إلى دور التأثير البيئي أيضا: حيث يبدأ الأطفال عادة بتناول الحبوب في عمر 6 أشهر تقريباً، وهو الوقت الذي تتلاشى فيه الحماية المناعية المأخوذة من الأمهات ويواجه الجهاز المناعي للطفل عالماً من الفيروسات.

إن البحث الجديد الذي أخذ نهجاً تجريبياً مطوَّلاً ربط بين فيروسات ريوية منتشرة ولكن غير معروفة (والتي تسبب القليل من الأعراض إن وجدت اصلاً) والإصابة بالداء الزلاقي في وقت لاحق.

فحص الباحثون الاستجابات المناعية في فئران تمت تغذيتها بالغلوتين، والمصابة أيضاً بواحدٍ من اثنين من فيروسات جديدة تختلف عن بعضها من عدة نواح، بما في ذلك انتحاؤها نحو الأمعاء الدقيقة. السلالة الأولى Strain 1Lang (T1L) تصيب الأمعاء الدقيقة بطبيعتها أما السلالة الثانية type 3 Dearing(T3D) لا تصيب الأمعاء الدقيقة، ولكن قام الباحثون بهندسة بديل من السلالة الثانية يصيب الأمعاء (T3D-RV).

كلا السلالتين أثارتا استجابة الخلايا التائية المساعدة في العقد اللمفاوية الموجودة في الأمعاء الدقيقة والتي تسمّى لويحات باير peyer’s patches، بالإضافة لاستجابة بالأجسام المضادة، ولكن السلالة الأولى كان لها تأثير أقوى و قامت بتغيير التعبير الجيني في الخلايا الجذعية (dendritic cells) التي تشارك في عملية تحمل الجسم للمستضدات الغذائية.

وأكدت تجارب أخرى في الفئران أن التفاعل بين سلالة T1L من الفيروس الريوي والجهاز المناعي قد أثبطَ قدرة الجسم على تحمل المستضدات الغذائية الموجودة على ببتيدات الغلوتين، وبدلاً من ذلك أطلق استجابةً مناعية ذاتية مرضيّة من قِبل الخلايا التائية المساعدة.

لفحص العلاقة المحتملة في البشر، قارن الباحثون 160 شخصا مصابين بالداء الزلاقي، بعضهم ممن يتبعون نظام غذائي خال من الغلوتين، مع 73 شخصا غير مصاب. وكان الناس الذين يعانون من هذا المرض لديهم عيار مضادات الفيروسات المضادة أعلى بكثير منه لدى غير المصابين.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأفراد الذين يعانون من المرض والمعتمدين على نظام غذائي خال من الغلوتين ولديهم عيار عال جداً من الأجسام المضادة للفيروسات، كان لديهم أيضا مستويات مرتفعة من العامل المتدخل التنظيمي (interferon regulatory factor 1)، مما يدفع الخلايا الجذعية لإنتاج السيتوكينات التي تثير استجابة مناعية غير ملائمة من الخلايا التائية المساعدة. على الرغم من أن الزيادة في مستويات الأجسام المضادة والعامل التنظيمي لم تكن خطية (أي لم تكن على ارتباط واضح ووثيق مع بعضها)، إلا أن الباحثين يفترضون أن العامل التنظيمي يعتبر "علامة دائمة" على الجهاز المناعي تكشف عن زيادة خطر الإصابة بالمرض الزلاقي.

ويستنتج الباحثون : "الفيروسات التي تثير استجابات مناعية التهابية ضد المستضد الغذائي تغير التوازن المناعي وتؤدّي إلى ظهور خلايا جذعية ذات خصائص التهابية في المواقع المسؤولة عن تحمل المستضدات المأخوذة عن طريق الفم". وهم يدعون لتحديد الفيروسات الأخرى التي يمكن أن تؤثر على تحمل المستضدات الغذائية وتطوير لقاح لمنع الداء الزلاقي، وربما أمراض مناعية ذاتية أخرى.

وتصف الدكتورة فيردو والدكتور كامينيرو أيضا :"العوامل الثلاثة المسؤولة عن تطوير ردود الفعل السلبية على المستضدات الغذائية هي: المستضد الذي يؤدي إلى استجابةٍ مناعية سيئة التكيّفِ، و البيئة الميكروبية، والبيئة الجينية".

يدعوا الباحثون إلى إيلاء اهتمامٍ خاص بالعدوى الفيروسية الشائعة التي تعتبر غير ضارة لأن آثارها دون سريرية(عديمة الأعراض)، حيث أن هذه الفيروسات قد تمهد الطريق للداء الزلاقي في المستقبل وربما لأمراضٍ مناعية ذاتية أخرى.

يمكنكم قراءة المزيد عن الداء الزلاقي في مقالنا السابق :

هنا

المصادر:

1- هنا

2- هنا