البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

حرارة أجسامنا 37º فكيف تصل حرارة الميتوكوندريا إلى 50º؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

في الحقيقةِ قد لا تتجاوز درجةُ حرارةِ جسمنا أكثر من 37°C ولكن على ما يبدو أنَّ درجةَ الحرارةِ داخل خلايانا يمكن أن تبلغَ 50°C! الفضلُ في ثباتِ درجةِ حرارةِ أجسامنا يعودُ إلى الحرارةِ الّتي تُطلقها الكائناتُ ذواتُ الدّمِ الحارِ كمنتجٍ ثانويٍّ للاستقلاب فتضمن بذلك درجةَ حرارةٍ داخليّةٍ ثابتةٍ للكائنِ الحيِّ حتّى في ظلِّ تغيُّرِ الظّروفِ البيئيّة، والميتوكوندريا لاعبٌ رئيسٌ في هذه العمليّةِ الحراريّةِ.

ما هي الميتوكوندريا؟ ما وظيفتها تحديدًا؟

تتألّف أجسامنا من عددٍ كبيرٍ من الخلايا الّتي يمكننا تشبيهها بمصانعَ صغيرةٍ، وكما نعلمُ فلكلِّ مصنعٍ محرِّكاتٌ، ومحرِّكاتُ خلايانا هي عُضيَّاتٌ (بنى خلويّةٌ صغيرةٌ) تسمى ميتوكوندريا (mitochondria) [انظر الصّورة] وهنا نلفت النّظرَ إلى أنَّ خلايا الكائناتِ حقيقيّاتِ النِّوى (الكائناتِ الّتي تُحاطُ عُضيّاتُها بأغشيةٍ، على خلافِ طلائعيّاتِ النّوى الّتي تفتقدُ وجودَ هذه الأغشية) هي فقط من تمتلكُ الميتوكوندريا وقد اكتشفت دراسةٌ نُشِرَت عام 2016 وجودَ نوعٍ من حقيقيّاتِ النِّوى يفتقد هذه العُضيّة. للمزيد هنا لكن ما وظيفةُ هذه العُضيّة؟

تحرِق (تُؤكسد) أجسامَنا الغذاءُ باستخدامِ الأوكسجين لإنتاجِ الطّاقة، وتأخذُ هذه العمليّةُ الّتي تُعرَفُ بِـ "التّنفُّسِ" مجراها في الميتوكوندريا. والهدف من هذه العمليّةِ إنتاجُ مصدرِ الطّاقةِ الرّئيسيِّ في الخليّةِ وهو ATP (أدينوزين ثُلاثي الفوسفات)، وكغيرِها من عمليّاتِ إنتاجِ الطّاقةِ فإنَّ عمليّةَ التَّنفُّسِ تُنتج حرارةً أيضًا.

ولأنّ الميتوكوندريا هي الّتي تمدُّ الخليّةَ بالطّاقةِ، قد يُعاني بعضُ النّاسِ أمراضًا خطيرةً أو حتّى الموتَ في حالِ ورثوا ميتوكوندريا مَعيبَة، ويمكن الحيلولةَ دونَ ذلكَ باستبدالِ الميتوكوندريا المَعيبة في الجنينِ بميتوكوندريا سليمةٍ من شخصٍ مُتبرِّعٍ. وجديرٌ بالذّكرِ أنّ الميتوكوندريا تُورَّث للأبناءِ عن طريقِ الأمِّ فقط.

ما درجةَ حرارةِ الميتوكوندريا؟

لم يكن من الممكنِ قياسُ درجةِ الحرارةِ الّتي يمكن أن تبلُغَها الميتوكوندريا، ولكن مؤخرًا طَوَّرت عدَّةُ فرقٍ بحثيّةٍ أصبغةً خاصّةً تتألّقُ بطرقٍ مختلفةٍ بتغيُّرِ درجاتِ الحرارةِ ويمكنها الارتباطُ بأهدافٍ خاصّةٍ في الخليّةِ الحيّةِ (يُفترَضُ أنَّ مواضعَ الارتباطِ تكون في الغشاء الدّاخليِّ للميتوكوندريا).

في شهرِ أيارَ من العام 2017 استخدم فريقٌ بحثيٌّ من فرنسا صباغًا طُوِّرَ في سنغافورة لقياسِ درجةِ حرارةِ الميتوكوندريا في خلايا كلويّةٍ وجلديّةٍ بشريّةٍ، إضافة إلى خلايا رئويّةٍ سرطانيّةٍ. قاموا بتطبيقِ الصّبغةِ عليها ومن ثمَّ حفظوها في درجةِ حرارةٍ 38°C، وبعد تعريضِ الخلايا إلى بيئةٍ غنيّةٍ بالأوكسجين تُحفِّزُ إنتاجَ الطّاقة، كانت هناك زيادةٌ مفاجئةٌ في درجةِ الحرارة؛ إذ وجدوا أنَّ حرارةَ الميتوكوندريا أصبحت أعلى بمقدارِ 6-10 درجاتٍ مئويّةٍ من درجةِ حرارةِ بقيّةِ الخليّة بالغةً بذلك عتبةَ الخمسينَ درجةٍ مئويّةٍ!

في شهرِ شباط من العام نفسه، اختبر فريقٌ يابانيٌّ صباغًا متألِّقًا حسّاسًا للحرارةِ آخرَ في خلايا سرطانيّةٍ بشريّةٍ (تحديدًا خليّةُ هيلا HeLa cell. للمزيدِ عن خلايا هيلا: هنا) ولمعرفة كيفيّةِ عملِ هذا الصِّباغِ استخدمَ العلماءُ وسيطًا كيميائيًّا معروفًا بتسبُّبِهِ بإنتاجِ الحرارةِ داخلَ الميتوكوندريا مؤثِّرًا على وظيفتِها الطَّبيعيّةِ واسمُه FCCP فوجدوا ازديادًا في درجةِ الحرارةِ مقداره 6-9 درجاتٍ مئويّةٍ مُسقطينَ بذلكَ النّتيجةَ السَّابقةَ الّتي تقولُ بأنَّ هذه المادةَ ترفعُ درجةَ حرارةِ الميتوكوندريا بمقدارِ درجةٍ مئويّةٍ واحدةٍ فقط.

إذا كانت الميتوكوندريا في الثّديّياتِ –والمفترضُ في الطّيورِ أيضًا- قد تطوَّرت لتعملَ في درجاتِ حرارةٍ أعلى ممّا كان يُعتقُد فينبغي التَّحقُّقَ من الكثيرِ من التَّجاربِ الّتي تفترضُ أنَّ الميتوكوندريا تعملُ بدرجةِ حرارةِ الجسم، ومن المفترض أيضًا أنَّ الميتوكوندريا في النَّباتاتِ والحيواناتِ ذوي الدّمِ الباردِ تعملُ بدرجاتِ حرارةٍ أقلُّ بكثير، ولكن يبدو أنّه ينبغي إعادةُ النَّظرِ في هذه الحقيقةِ أيضًا. هل حقًّا سينبغي ذلك؟

في الحقيقِة، لم تُحَكَّمُ هذه الدِّراسةُ بواسطةِ الأقران، وهذا ما يجعلُنا نتريَّثُ في الحُكمِ إلى حين ذلك، ذاكرينَ هنا تعليقاتِ بعضِ أهلِ الاختصاصِ ممَّن لم يشاركوا في الدّراسةِ:

"الميتوكوندريا هي المصدرُ الرّئيسُ للحرارةِ، ويجب أن تكونَ أعلى حرارةً من بقيّةِ الجسمِ."

"هذه النَّتائجُ مبهرةً إذا ثبتت صحَّتها، وسيكونُ التّأثيرُ على طيِّ البروتيناتِ واحدًا من تأثيراتها." فالعديدُ من البروتيناتِ داخلَ الميتوكوندريا شديدةُ الحساسيّةِ للحرارة.

ومع كلِّ ما سبقَ يجب ألَّا يقلل ذلكَ من شأنِ هذه النَّتائجِ، فهي بلا شكٍّ نتائجُ مذهلةٌ، ويمكن أن يكونَ لها بالغُ الأثرِ على فهمنا للكيفيّةِ الّتي تعملُ بها خلايانا.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا