الفيزياء والفلك > فيزياء

تعرّف على الحالة الصّلبة الغريبة للمياهِ: الجليد الحار

استمع على ساوندكلاود 🎧

"الجليدُ الحارّ" هُوَ الحالةُ الصّلبةُ الغريبةُ للمياهِ الّتي يُعتَقدُ أنَّها مُتواجدةٌ على سَطحِ قَمَرِ كَوكَبِ زُحل "تيتان Titan" وكذلك على كواكبَ أُخرى خارجَ نظامِنا الشَّمسيّ.

لكن، لماذا وجودُ مادةٍ كهذه ممكنًا في أماكنَ أُخرى في الكونِ بعيدًا عن الأرض؟ من الطبيعيِّ عندَ فتحِكَ لصنبورِ المياهِ وَرُؤيتِكَ للمياهِ تَنهمرُ أَمَامَ ناظرَيْكَ أَنْ تَنسى أَنَّ جُزيئاتِ الماءِ المركّبةَ من ذرَّتي هيدروجين وذرّةِ أوكسجين هي في الواقعِ ذاتُ كيمياءٍ مركّبةٍ أكثرَ ممّا تتصوّر. فمعظمُ خواصُِّ المياهِ الّتي تبدو لِعَقلِنا الّذي اعتادَ على رؤيتِها طبيعيّةً وبديهيّةً، هي ليست كذلكَ في عالَمِ الكيمياءِ حيثُ تبدو فيهِ ذاتُ جانبٍ غامضٍ وغريبٍ بعضَ الشّيء.

فعلى سبيلِ المثالِ، منَ الغريبِ جدًّا أَنْ يزدادَ حجمُ المياهِ وَتتمدَّدَ عنْدَ تجمّدِها، وبالتَّالي تَقِلُّ كثافتُها، على العكسِ تمامًا من توقّعاتِنا. ولذلكَ، كَونُ الثّلجِ والجليدِ ذوَي كثافةٍ أقلّ، يَطفُو الماءُ المتجمّدُ والجبالُ الجليديّةُ على سطحِ المياه. هل استوقفتكَ يومًا الحشراتُ الّتي تمشي على سطحِ المياه؟ كَيفَ يُمكنُها فِعْلُ ذلك؟ في الحقيقةِ، تكمنُ الإجابةُ على ذلك في كَوْنِ المياهِ ذاتُ توتّرٍ سطحيٍّ عالٍ جدًّا، ممّا يتيحُ للحشراتِ المشيَ على السّطحِ وَكَأنَّهُ سَطْحٌّ مطاطيٌّ. هذه الخاصيّةُ غيرُ موجودةٍ عادةً في السّوائلِ غيرِ الأيونيّةِ أو المعدنيّة.

مثالٌ آخرَ لغرابةِ وكَوْنِ الماء مركّبٌ مُعَقّدٌ أكثرُ ممّا نعتقدُ هو كونه يتجمَّدُ بطرقٍ عديدةٍ، وَينتجُ عن ذلكَ سبعةَ عشرَ طورًا مختلفًا للجليد! ففي درجةِ حرارةِ الكرّةِ الأرضيّةِ والضّغطِ هنا، فإنّّ كلَّ الجليدِ تقريبًا موجودٌ بنفسِ الطّور والّذي هو عبارةٌ عن مبنى مسدّسٍ معروفٍ باِسم "جليد Ih أو ice Ih.

إذا ما قمنا بزيارةِ الكواكبِ الّتي تكونُ قيمةُ الضّغطِ على سطحِها عاليةً جدًّا، من الممكن جدًّا أن نجدَ جليدًا بأطوارٍ مختلفةٍ. أحدُ هذه الأطوارُ يُدعى:" جليد 7- ice VII". كما وهناكَ اعتقادٌ بأنَّ هذا النّوعِ من الجليدِ يغطّي قاعَ محيطاتِ قمرِ تيتان. يتكوّنُ هذا الطَورُ في الظّروفِ الّتي يكونُ فيها الضّغطُ أكبرَ بِـ 30 ألفَ مرّةٍ من ضغطِ الغلافِ الجوّيِّ للأرضِ، ويبقى بحالةِ استقرارٍ وثباتٍ في درجاتِ حرارةٍ كبيرةٍ حتّى أكثرَ من 350 سلزيوس.

قامَ العلماءُ بدراسةِ التّغيُّراتِ الّتي تطرأُ على طورِ الجليدِ لفترةٍ طويلةٍ، ولكن ولأنَّ التحوّلَ لهذا الطّورِ يحدثُ بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا حدَّ من فعّاليةِ هذه الدّراسةِ ووضعَ بعضَ العوائقِ في طريقِ العلماءِ لفَهمِ عمليّةِ التَّحوّلِ.

قامَ فريقُ آريانا جليسون، وفريقُ شوك وكذلكَ فريقُ ديتونيشن للفيزياءِ من جامعةِ نيومكسيكو بتطويرِ طريقةٍ جديدةٍ لتكوينِ جليدٍ بحالةِ "جليد-7" الّذي يتحوّلُ لهذهِ الحالةِ في غضونِ 6 نانوثانية، أًي 10 أس سالب 6 من الثّانية.

(تمَّ نشرُ البحثِ في الـ PRL، للاطّلاعِ على ورقةِ البحثِ انقر هنا)

تعتمدُ هذه التّقنيّةُ على اللّيزرِ الأقوى في العالمِ، الموجودُ في SLAC National Accelerator Laboratory. حيث يتمُّ استخدامُه لتبخيرِ طبقةٍ من الماسِ الموجودِ بالقربِ من طبقةٍ من الماء. الأمرُ الّذي بدوره يؤدّي لضغطٍ كبيرٍ جدًّا يصلُ إلى 50،000 أتموسفير أو أكثرَ (1 أتموسفير هو الضّغطُ الجويُّ عند سطحِ البحر)، وهكذا يمكننا تحويلُ المياهِ إلى جليدٍ من نوعِ "جليد 7".

بالإضافةِ للّيزرِ الّذي ذُكِرَ أعلاهُ والّذي يساعدُ في توفيرِ ضغطٍ شديدٍ جدًّا، يستخدمُ العلماءُ ليزرًا آخرَ بهدفِ التّحليل. حيثُ تنطلقُ من هذا اللّيزر نبضةٌ من الأشعّةِ السّينيةِ كُلَّ فيمتو ثانية (أي كلَّ 10 أُس -15 من الثّانية)، وبعدها يقومون بتحليلِ الحيودِالناتج عن هذه الأشعّةِ وأَخذِ لقطاتٍ للتّغيّراتِ الّتي تحدثُ في بنيةِ الماءِ أثناءَ تحوّلِهِ من الماءِ إلى جليد 7.

تمكّن الباحثونَ بفضلِ هذه التّقنيّةِ من رؤيةِ بدايةِ تكوّنِ جليد 7 وجليدٍ ذائبٍ. وبعدها حاولوا تعريفَ عمليّةِ التّحوّلِ هذهِ وكتابتِها بصيغةٍ رياضيّةٍ. سيساعدُ هذا البحثُ في فهمِ طبيعةِ المياهِ، والأقمارِ الغنيّةِ والكواكبِ خارجَ منظومتِنا الشّمسيّةِ. بالإضافةِ لذلكَ، سيساعدُ العلماءَ على فهمِ التّصادمِ بينَ جسمينِ يحويان كميّةً كبيرةً من المياهِ كالمذنّباتِ.

المصدر:

هنا