الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

مفتاحُ إنارة في النّباتات ينظّم مقدارَ استجابتها للضّوء!

استمع على ساوندكلاود 🎧

مفتاح إنارة للنّباتات!

إن الاستجابة للضّوء الوارد إلى النّباتات لها دور هامّ في عمليّة التّركيب الضّوئي، وإنتاج الطّاقة فيها، وكذلك في نمّوها، وضبط التّواتر اليوميّ لها (1)، حيث تتمّ الاستجابة للضّوء من خلال خلايا مستقبلة حسّاسة للضّوء.

تحصل الخلايا المستقبلة للضّوء على فترات راحة تتلو فترات عملها، بما يمكّن النّباتات من المحافظة على حساسيّة ضوئيّة مستدامة لها، وتعدّ مستقبلات الضّوء الأزرق أو الكريبتوكرومات Cryptochromes مسؤولةً عن تنظيم هذه الاستجابة، بحيث يبدو الأمر مشابهاً لمفتاح كهربائيّ للإنارة، تقوم الكريبتوكرومات بتشغيله وإطفائه للانتقال بين حالتي تنشيط الاستجابة للضّوء، وتثبيطها.

ورغم التّقدّم الكبير الّذي أحرزته مراكز الأبحاث العالميّة خلال السّنوات الأخيرة في فهم وظيفة الكريبتوكرومات، إلا أنّها لم تتمكّن من إثبات صحّة الفرضيّة المقترحة حول الآليّة الّتي تقوم بها كريبتوكرومات النّباتات بتنشيط وتثبيط الاستجابة للضّوء، وذلك عبر عمليّة "إرجاع ضوئيّ" photoreduction، وهي آليّة تشبه تلك المستخدمة في عمليّة التّركيب الضوئيّ، حيث تنتقل فيها الالكترونات لتحرّك الطّاقة عبر الجزيئات.

ولتحديد ما إذا كانت هذه الفرضيّة صحيحة، قام فريق دوليّ من الباحثين بإجراء مجموعة من التّجارب باستخدام نباتات الأرابيدوبسيس Arabidopsis، والّتي تعدّ الكريبتوكرومات فيها (كريبتوكروم 1، وكريبتوكروم 2) مسؤولة عن تنظيم الاستجابة للضّوء.

_____

إثارة الكريبتوكرومات ضوئيّاً وتثبيطها!

توصّل الباحثون في اختباراتهم إلى أنّ الكريبتوكرومات تتواجد في حالة مونوميرات (2) خاملة في غياب الضّوء، ويحدث التّنشيط الضوئيّ بعد أن تتعرّض الكريبتوكرومات للضّوء الأزرق، حيث تخضع الكريبتوكرومات 2 المثارة ضوئيّاً في نباتات الأرابيدوبسيس لعمليّة ديمرة متجانسة homodimerization (3) مشكّلةً دايمرات متجانسة تعدّ الشّكل النّشط فيزيولوجيّاً للكريبتوكرومات، والّتي تتفاعل مع بروتينات أخرى لتحدث التغيّرات المسؤولة عن النموّ الضوئيّ.

ولمعرفة آليّة تثبيط عمل الكريبتوكرومات، فحص الباحثون مجموعة كبيرة من الخطوط المعدّلة وراثياً لنباتات الأرابيدوبسيس، ليحدّدوا أيّها ينسخ أنماطاً ظاهريّة مشابهةً لسلالات طافرة لا تستجيب بشكل مناسب للضّوء الأزرق.

حدّد الباحثون الخطوط التي توافق السّلالات الطّافرة الّتي لا تستجيب بشكل مناسب للضّوء الأزرق، وتبين لهم أنّها تنسخ بروتيناً سمّوه BIC1 (4)، ممّا يعني أنّ هذا البروتين هو من يثبط عمل الكريبتوكرومات، حيث أنّه يتفاعل مع الكريبتوكرومات 2 في نباتات الأرابيدوبسيس ليثبّط عمليّة الدّيمرة الّتي تحدث بوجود الضّوء الأزرق، وبالتالي يحافظ على توازن الكريبتوكرومات ما بين الحالتين النّشطة والمثبّطة وهو ما يوفّر استدامة الحساسيّة الضوئيّة الخلويّة.

____

السرّ إذاً ...

يمكننا القول إذاً بأنّ آلية تنشيط الاستجابة للضّوء في النّباتات ليست "مفتاحاً للإنارة"، ولا "إرجاعاً ضوئيّاً" وإنّما هي عمليّة ديمرة للكريبتوكرومات الّتي تتعرّض للضّوء الأزرق، مسبّبة تشكّل دايمرات متجانسة تمثّل الشّكل النّشط لهذه المستقبلات الضّوئيّة، والّتي تتوقّف عن التّشكّل بوجود البروتين BIC1.

إنّ لعمليّة تثبيط حساسيّة المستقبلات النّشطة ضوئيّاً بوجود الضّوء الأزرق أهميّة كبيرة لتجنّب الاستجابة الزّائدة للضّوء، وهو ما يسمح للنّباتات بالمحافظة على توازن استجابتهم للضّوء للتّكيّف مع البيئة المتغيّرة ضوئيّاً في الطّبيعة.

يؤكّد الباحثون أنّ نتائجهم الّتي نشرت في مجلّة Science، تمنحنا فرصة في المستقبل لاستخدام الوظيفة الّتي يقوم بها هذا البروتين BIC1 في تطوير نباتات ذات كتلة حيويّة أفضل، دون أن ننسى أنّ الكريبتوكرومات الحيوانيّة تشكّل أيضاً دايمرات متجانسة، وبالّتالي قد نتمكّن من الحصول على أدلّة حول آليّة حفاظ الحيوانات على إيقاعها اليومي.


الهوامش:

(1) التّواتر أو الإيقاع اليوميّ circadian rhythm: هي التّغيّرات الحيويّة الّتي تتبع دورة السّاعة الحيويّة خلال 24 ساعة، أو هي أيّ عمليّة حيويّة تحدث وفقاً لتردّد معيّن على مدار اليوم (24 ساعة)، ويتمّ تنظيمه بواسطة السّاعة الحيويّة الّتي لوحظت في النّباتات، والحيوانات، والإنسان.

(2) المونوميرات Monomers: هو جزيء بسيط يمكن أن يرتبط كيميائيّاً بجزيء آخر أو أكثر مشكّلاً بوليمير.

(3) الدّيمرة المتجانسة homodimerization: هي عمليّة ارتباط مونوميرين اثنين متشابهين لتشكيل دايمر متجانس (مركّب ثنائيّ الجزيئات) homodimer.

(4) البروتين المثبّط للضّوء الأزرق في الكريبتوكرومات 1 "blue-light inhibitor of cryptochromes 1" (BIC1) وهو بروتين يقوم بتثبيط عمل الكريبتوكرومات 1 في نباتات الأرابيدوبسيس ومن ثمّ يرتبط بالكريبتوكرومات 2 ليقوم بتثبيط عمليّة الدّيمرة المتجانسة وبالتّالي تثبيط الاستجابة للضّوء.

المصادر:

هنا

هنا