المعلوماتية > عام

ما الذي يجعل الحواسيب تفكّر كالبشر؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

نشأت فكرة المنطق الضبابي من الحاجة لتضمين مبدأ مهم جداً في العلوم الحديثة هو مبدأ عدم الحتمية Uncertainty، ما الذي يعنيه هذا المبدأ؟

يعني تماماً عكس ما يعنيه منطق أبيض/أسود فالأمور رمادية في كثير من الأحيان، خذ الحوت على سبيل المثال الذي يصنف ضمن كلا الفئتين: الثدييات والأسماك، فهو يتكاثر بالولادة ويتنفس عن طريق الرئتين كالثدييات، ويسبح كالأسماك، ولا يمكن تصنيفه بشكل مطلق لإحدى الفئتين، إنما من الممكن تحديد درجة انتمائه لكل منهما بحسب الأمور المتشابهة والمختلفة بين خصائصه وخصائصها، انتماؤه للثدييات صحيح True وانتماؤه للأسماك أيضاً وهذا هو تماماً مبدأ عدم الحتمية.

إن أول من فكر بالمنطق الضبابي هو د. لطفي زاده عام 1965 لأنه لمس حاجة ملحة لتبسيط الأنظمة المعقدة. وتم اعتبار المنطق الضبابي امتداد للمنطق البولياني Boolean Logic. يقوم هذا المنطق على النظرية الرياضية للمجموعات الضبابية. يتيح هذا المنطق التعامل مع الأمور بطريقة مختلفة عن منطق صحيح/خاطئ True/False حيث يوفر مرونة تفكير قيمة جداً، مما يجعلنا نأخذ بعين الاعتبار حالات عدم الدقة وعدم الحتمية.

يعد أيضاً المنطق الضبابي مقاربة جديدة للتفكير الاحتمالي Probabilistic Reasoning في إطار منطقي. التفكير الاحتمالي الذي اعتمد لفترة طويلة على منطق كلاسيكي بقيمتين فقط، ولا تزال المناقشات حول علاقة المنطق الضبابي بالاحتمالات عديدة وأحياناً مثيرة للجدل.

ما هو الفرق الأساسي بين المنطق الضبابي والنظرية الاحتمالية؟

بحسب تفكيرنا فإن أي مناقشة جادة للعلاقة بين المنطق الضبابي والنظرية الاحتمالية لابد أن تبدأ بفهم الاختلافات بينهما. إن بعض الأفكار البسيطة المتداولة عن المنطق الضبابي تعتبره منطق مبهم مجهول، منطق الأفكار والمقترحات غير الدقيقة التي يمكن أن تكون قليلة الأهمية أو بالغة الأهمية، وبالتالي فإن المنطق الضبابي هو منطق مكون من درجات حقيقة جزئية.

على النقيض من ذلك تتعامل الاحتمالية مع مفاهيم ومقترحات واضحة والتي هي إما صحيحة True أو خاطئة False.

وبالتالي يعمل المنطق الضبابي كمنطق متعدد القيم many-valued Logic بينما نظرية الاحتمالات تتعامل مع منطق ثنائي القيمة two-valued Logic، ولكن لا يجب أن نفهم من هذا الكلام أن المنطق الضبابي والنظرية الاحتمالية مجالان منفصلان أو متضادان لأنه لم يتم فقط المقارنة بينهما وإنما دمجهما أيضاً.

بالعودة إلى الورقة البحثية التي نشرها د. زاده عن المنطق الضبابي نجد أنه قد تحدث عن دمج المجالين باقتراح تعريف لاحتمال المنطق الضبابي Fuzzy Logic probability، وقام العلماء لاحقاً ببناء جسور بين المجالين.

المجموعات التقليدية:

بمراجعة سريعة لجبر المجموعات تقوم المجموعات الكلاسيكية على فرع الرياضيات الذي يدرس المجموعات. مثلاً إن الأعداد 5، 10، 7، 6، 9 هي مجموعة صحيحة، وبالمثل فإن s، z، d هي مجموعة من المحارف، Site، of، zero هي مجموعة من الكلمات، ويمكن بالطبع إنشاء مجموعات من التوابع، الافتراضات، التعاريف.. إلخ وأيضاً مجموعات من المجموعات.

تمثل المجموعة بالشكل:

إن مفهوم الانتماء مهم جداً في نظرية المجموعات ويعني انتماء عنصر ما لمجموعة ما، وتابع العضوية Membership function هو الذي يحدد فيما إذا كان عنصر ما ينتمي صراحة لمجموعة ما أو لا.

المجموعات الضبابية:

يقوم المنطق الضبابي على نظرية المجموعات الضبابية والتي هي تعميم لنظرية المجموعات الكلاسيكية ما يعني أن الأخيرة هي حالة خاصة من الأولى أي أن المجموعات الكلاسيكية هي حالة خاصة من الضبابية كما يوضح الشكل:

تابع الانتماء هنا مهم أيضاً ويمكن أن يكون تابع سني Sigmoid، قطعي Hyperbolic، طل زاوية tangent، أسي Exponential، غوصي Gaussian أو أي تابع مناسب آخر.

نلاحظ في الشكل التالي الفرق بين تمثيل المجموعات الكلاسيكية والضبابية حيث نلاحظ أن الأولى حدودها واضحة بينما الثانية حدودها غير قطعية.

وهنا الفرق بين توابع الانتماء لكل من المجموعات الكلاسيكية والضبابية حيث نلاحظ أيضاً عدم حتمية الانتماء في المجموعات الضبابية على عكس الكلاسيكية.

المتغيرات اللغوية Linguistic Variables:

إن من أهم محاسن طريقة صياغة المنطق الضبابي للتفكير البشري هي وضع القواعد باستخدام اللغة الطبيعية، ولنوضح الأمر سنعطي مثالاً.

لنفترض أننا نريد تقييم مستوى الخدمة في مطعم، وليكن V متغير مستوى الخدمة بينما X يمثل مجال قيم الدخل و T_V هو مجموعة المجموعات الضبابية المنتهية وغير المنتهية المتعلقة بهذه التقييمات، عندها يكون المتغير اللغوي تابعاً للثلاثية (V،X،T_V) كما في الشكل:

على العموم يشمل T_V ثلاث تقييمات هي: منخفض ومتوسط ومرتفع

عندما نعرف المجموعات الضبابية الخاصة بالمتغيرات اللغوية فإن الهدف ليس وضع تعريف شامل للمتغيرات اللغوية بحد ذاتها لأننا أساساً لانستخدم سوى عدة مجموعات فرعية كما في الشكل السابق (منخفض، متوسط، مرتفع)، وإنما الهدف هو تعريف مايلزم لاحقاً في تعريف القواعد التي سنطبقها ولذلك فإننا -على سبيل المثال- لم نعرف مجموعة فرعية للمتوسط الحسابي لجودة الخدمة لأنها لن تكون مفيدة في القواعد لاحقاً.

المعاملات الضبابية Fuzzy Operators:

من أجل التعامل بسهولة مع المجموعات الضبابية لا بد من إعادة تعريف معاملات نظرية المجموعات الكلاسيكية لتناسب توابع الانتماء الخاصة بالمجموعات الضبابية.

على عكس تعريف خصائص المجموعات الضبابية والتي تبقى نفسها على الدوام فإن تعريف المعاملات للمجموعات الضبابية يتم اختياره كما تابع الانتماء بحسب ما يناسب التطبيق. سنستعرض هنا التعاريف الأكثر شيوعاً:

مع أخذ هذه التعاريف بعين الاعتبار نجد أيضاً خصائص أخرى منها الخاصة التبديلية Commutativity، الخاصة التوزيعية Distributivity، الخاصة الترابطية Associativity وهناك أيضاً استثناءان لقواعد جبر المجموعات الكلاسيكية غير صحيحة في جبر المجموعات الضبابية هما:

في الجبر الضبابي اجتماع المجموعة الضبابية مع متممتها لا يساوي المجموعة الشاملة أي: A ∪ A ̅ ≠X مثال: μ_(A ∪ A ̅ ) (x)≠1

في المنطق الضبابي يمكن لعنصر أن ينتمي إلى مجموعة ما ومتممتها في آن واحد أي: A ∩ A ̅ ≠∅ مثال: μ_(A∩A ̅ ) (x)≠0

طريقة التفكير في المنطق الضبابي:

إن طريقة التفكير الضبابية هي طريقة تقريبية تقوم على القواعد الضبابية التي تمت صياغتها باللغة الطبيعية باستخدام المتغيرات اللغوية فالقاعدة الضبابية يمكن أن تأخذ هذا الشكل:

إن كان x ∈A و y ∈B فإن z ∈C على اعتبار A،B،C مجموعات ضبابية.

يكمن جوهر الفكرة أنه كلما زاد عدد الفرضيات التي نريد التحقق منها كلما زاد عدد مقترحات الخرج التي ستنفذ، ولتحديد درجة صحة مقترح ضبابي (كأن يكون مستوى خدمة مطعم عالية) لا بد من تعريف التضمين الضبابي Fuzzy implication.

مثل المعاملات الضبابية الأخرى لا يوجد تعريف وحيد للتضمين الضبابي ولذلك يجب على مصمم النظام الضبابي أن يختار ما يناسبه من بين التعاريف العديدة المعرفة مسبقاً ولدينا هنا التعريفان الأكثر شيوعاً:

تعتمد نتيجة التضمين الضبابي على ثلاثة عوامل:

تعريف التضمين الذي تم اختياره

تعريف تابع الانتماء للمجموعة الضبابية الموجودة في ختام فرضية القاعدة الضبابية (بحسب مثالنا هي تقييم خدمة المطعم)

درجة صحة مقترحات الفرضية

بالعودة لمثالنا وباختيار تعريف Mamdani للتضمين الضبابي يمكن أن تكون نتيجة فرضيتنا بالشكل التالي:

لا تكتفي الأنظمة الضبابية بوضع قاعدة واحدة لإعطاء الخرج النهائي وإنما تضع مجموعة من القواعد تسمى بمصفوفة القرار، وبالنسبة لمثالنا تكون مصفوفة القرار بالشكل:

بأخذ مصفوفة القرار بعين الاعتبار لإيجاد خرج مثالنا مع اعتماد تعريف Mamdani للتضمين وتعريف Or القائم على القيمة العظمى بين قيمتي الدخل نجد أن النتيجة بالشكل:

خاتمة:

إن على مصمم النظم الضبابية أن يتخذ خيارات مهمة عديدة، تقوم هذه الخيارات بشكل رئيسي على نصيحة خبير أو محلل إحصائي للبيانات السابقة بالتحديد ليقوم بتحديد توابع الانتماء ومصفوفة القرار، ولا نغفل أهمية تجريب النظام بعد تصميمه للاستفادة من التغذية الراجعة وملاحظة أخطاء التصميم لتصحيحها وإيصال النظام لأفضل تصميم ممكن.

---------------------------------------------

المصادر:

هنا

هنا