البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

الاختلافات بين الذكور والإناث تصل إلى التعبير الوراثي

استمع على ساوندكلاود 🎧

استطاع عددٌ من الباحثين تحديد 6500 جين جديد يتم التعبير عنها بشكلٍ مختلفٍ باختلاف الجنس، أي بين الذكور والإناث، وهي جيناتٌ نشطةٌ في جنسٍ واحد ٍ على حساب الآخر، وتلعب دوراً هاماً في الصحة العامة والتطور.

إن الاختلاف بين الذكور والإناث واضحٌ جداً، ولكن التعبير الجيني في كلٍ منهما ما زال غامضاً نسبياً، فعلى سبيل المثال ما زال شرح الاختلافِ في ردة فعل جسم الجنسين تجاه الأدوية، أو أنواعٍ محددةٍ من الأمراض غيرَ واضحٍ، أما مؤخراً فقد كشف الباحثونَ أن هناك آلاف الجيناتِ التي من خلالها يتم تركيب البروتينات، التي يُعبَّر عنها بشكلٍ مختلفٍ في كلا الجنسين، كما أظهر البحث أن الطفرات الضارة في هذه الجينات تميلُ لأن تتراكم في التجمعات البشرية، بتواتراتٍ عاليةٍ نسبياً، والخريطة المفصلةُ لهذه الجينات تقدم دليلاً على أن كلاً من الذكور والإناث يخضعون للتطور الجيني، ولكن قد يكون ذلك مختلفاً بنسبةٍ ما بين كلٍ منهما، وقبل عدة سنوات كانت هناك أسئلةٌ تُطرح، منها لماذا توجد أمراضٌ بين البشر؟ ولماذا ارتفعت نسبة العقم وعدم القدرة على الإنجاب إلى 15%؟ ويمكن أن تكون الإجابة أن الطفرات التي تضعف الخصوبة أصبحت منتشرةً نسبياً.

وهنا يكمن التناقض، ففي الحالة الطبيعية، يحدث التخلي عن الطفرات التي تسبب الحد من النسل وتؤثر على بقاء الأنواع من خلال الاصطفاء الطبيعي، ولكن الدراسة أظهرت أن هذه الطفرات الموجودة في الجينات المسؤولة عن تشكيل النطاف ما زالت موجودة، وخاصةً أن التعبير عن هذه الجينات يتم في الذكور فقط، ومهما كانت هذه الطفرات ضارة، يتم نقلها بسهولةٍ إلى الجيل التالي بواسطة الإناث.

وكان الباحثون في هذه الدراسةِ قد وسعوا تحليلاتهم لتشمل الجينات التي لا ترتبط بالضرورة بجينات الخصوبة، والتي يتم التعبير عنها بشكلٍ مختلفٍ في كلا الجنسين، ولتحديد هذه الجينات لجأ العلماءُ إلى مشروعٍ أُطلق عليه اسم "التعبير الجيني النسيجي" وهو مشروعٌ ضخم تمَّ من خلاله دراسةُ التعبير الجيني البشريّ، وتكمن أهمية هذا المشروع في رسم خرائط شاملةٍ للفروقات الجينية بين الجنسين.

وتمَّ في هذه الدراسة تحديد 6500 جينٍ والتي اعتمد نشاطها على جنسٍ واحدٍ، وفي نسيجٍ واحدٍ على الأقل، فعلى سبيل المثال تمَّ تحديد الجينات النشطة والتي يتم التعبير عنها في جلد الرجال، وتعتبر مسؤولةً عن نمو شعر الجسم، كما وُجد أن التعبير الجيني لبناء العضلات أكبر في الذكور مما هو لدى الإناث، على عكس الجينات المسؤولة عن تخزين الدهون التي كان التعبير عنها أعلى في النساء.

بعد هذه الخطوة تم البحث في ميول تراكم الطفرات، لمعرفة ما إذا كان الاصطفاء الطبيعي سيمثل ضغطاً أكبر أو أقل على الجينات التي تخص الرجال والنساء، وإلى أي مدى يمكن أن تنتشر هذه الطفرات أو أن يتم عزلها في المجمعات السكانية.

وفي الواقع وجد الباحثون أن كفاءة الاصطفاء تَضعُف في العديد من هذه الجينات، ويشرح أحد الباحثين، أنه كلما كان الجين متخصصاً في جنسٍ واحدٍ، كلما قلَّ الاصطفاء عليه، وأكثر من ذلك يكون الاصطفاء أضعف عند الذكور مما هو عند الإناث.

ويمكننا تفسير تراخي الاصطفاء الطبيعي مع الذكور استناداً إلى نظرية التطور الجنسي، التي توضح أن بقاء الأنواع يعتمد على الإناث أكثر من اعتماده على الذكور، لأن الإناث هي التي تنتج أعداداً محدودةً من الأمشاج مقارنةً مع الذكور، ونتيجة هذا التراخي تتراكم الطفرات الضارة في جينات الذكور والتي يظهر ضررها عند الذكور فقط.

وبصرف النظر عن الأعضاء الجنسية، اكتشف الباحثون عدداً قليلاً من الجينات المرتبطة بالجنس في الغدد الثدييِّة، وليس من المستغرب أنه تم التعبير عن نصف عدد هذه الجينات فقط في الذكور، وذلك لأن الذكور لديهم الأعضاء الأساسية الخاصة بالثديات بشكلٍ عام (الغدد الثديية) ولكنها غير فعَّالة، ويؤكد الباحثون أن بعض الجينات السابقة هي من قمعت إنتاج الحليب عند الذكور.*

وما تجدر الإشارة إليه، أن نسخة الجينوم البشري الأساسي متماثلةٌ عند كل البشر تقريباً، ولكن يتم استعماله والتعبير عنه بشكلٍ مختلف في الأجزاء المختلفة من الجسم من جهة، وفي الأفراد المختلفين من جهةٍ أخرى، ولهذا عندما يتعلق الموضوع بالاختلافات بين الجنسين، نلاحظ أن التطور يعمل على مستوى التعبير الجيني.

ويشير الباحثون في هذا الخصوص، إلى أن العديد من الجينات الجنسية النوعية، والتي خضعت لاصطفاءٍ طبيعيٍ منخفض، كانت مهمةً في عملية التكاثر، ويبدو أن هذه المقارنة تفسر جزئياً ارتفاعَ نسبة العقم عند البشر، وفي هذا السياق أجرى الباحثون دراساتٍ تؤكدُ وجودَ اختلافاتٍ في التعبير الجيني بين الذكور والإناث، فقد أُجريت دراسةٌ على أحد أنواع الحمام الذي يعرف باسم حمام الصخور، ومن خلال دراسة الجينات في كل من المهاد والغدة النخامية والغدد التناسلية في النوع السابق وجد الباحثون مئاتٍ من أنماط التعبير المختلفة بين الجنسين.**

إضافةً إلى ذلك توجد أدلةٌ قويةٌ تُظهر اختلافاً في كلٍ من التطور العصبي والكيمياء العصبية والأمراض العصبية والنفسية بين الذكور والإناث، ولكن لا يزال الأساس الجزيئي لهذا الاختلاف غير واضح، وقد تعرقل التقدم في هذا المجال بسبب نقص المعلومات المتوفرة على نطاق الجينوم بين كلٍ من الذكور والإناث، ويظهر ذلك الاختلاف في التعبير الجيني، بشكلٍ خاص في الدماغ البشري، ولدراسة هذه الاختلافات يقوم الباحثون بإجراء الأبحاث على الدماغ والحبل الشوكي لأفراد بالغين بعد الوفاة مباشرةً، وقد أجريت الدراسة على مجمل الجينوم البشري وشملت 12 منطقة مختلفة من الدماغ وكانت النتائج تشير إلى وجود اختلاف في التعبير الجيني و طريقة الربط العصبي سواء تعلق ذلك بالأمراض أو الوظائف بين كلٍ من الجنسين، وقد يقودنا ذلك إلى الإجابة على النقاشات الفلسفية الكبيرة التي امتدت على مر العصور والتي ناقشت الاختلافات بين دماغ الأنثى ودماغ الذكر***

المصادر:

* هنا

** هنا

*** هنا