البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

هل للخلايا المناعية دور في حصول التوحد

استمع على ساوندكلاود 🎧

تعرفُ الخلايا الدّبقيّةُ الصغيرة ( microglia ) أنّها نوعٌ من خلايا الدّبقِ العصبيِّ، توجدُ على امتدادِ الدماغِ والنخاعِ الشوكيّ، وتمثِّلُ الشَّكلَ الرئيسَ للمناعةِ في الجهازِ العصبيِّ المركزيّ.

فضلاً عن ذلك فإنّها تقومُ بتقليمِ الاتصالاتِ بينَ العصبوناتِ في أدمغةِ الرُّضَّعِ أثناءَ نموِّهم، وقدِ اقْتُرِحَ سابقاً أن يكونَ لهذا الدّورِ أثرٌ في الإصابةِ باضّطرابِ طيفِ التّوحدِ، واليومَ تقتَرِحُ دراسةٌ أنَّ عددَ هذه الخلايا وسلوكها يختلفُ بينَ الصِّبيةِ والبناتِ، وهو اكتشافٌ قدْ يساعدُ في تفسيرِ سببِ تشخيصِ إصابةِ أعدادٍ من الصِّبيَةِ أكثرَ بكثيرٍ من الفتياتِ بالتّوحُّدِ والاضطراباتِ المرتبطةِ به.

لا يُعْرَفُ سوى القليلِ عن كيفيّةِ تأثيرِ عمليّة التقليمِ التي تقومُ بها الخلايا الدّبقيّةُ الصّغيرةُ على تطورِ الدماغِ، يوجد من ضعفينِ إلى خمسةِ أضعافٍ من الذّكورِ المصابينَ بالتَّوحُّدِ أكثرَ منَ الإناثِ، ومع الاعترافِ بقلةِ تشخيصِ الاضطرابِ لدى البنات -والذي لا يزال هناك صعوبة في تحديد سببه- إلا أن الأطباءَ النفسيينَ يوافقونَ على وجودِ تفاوتٍ ملحوظٍ بينَ أعدادِ حالاتِ الذّكورِ والإناثِ؛ مما جعلهم يقترحونَ أن تكونَ الاختلافاتُ الحيويةِ بين الجنسينِ مسؤولةً عن ذلك.

كيف تمت الدراسة؟

وجدتْ عالمةُ الوراثةِ العصبيّةِ (Donna Werling) وزملاؤها أنّ الجيناتِ المرتبطةَ بالخلايا الدّبقيّة الصغيرةِ أكثرُ نشاطاً في أدمغةِ الذكورِ عنها في أدمغةِ الإناثِ في الأشهرِ التي تسبقُ الولادةَ؛ مما جعلها تقترحُ رأيا وهو أنّ هناك اختلافاً أساسياً في مكانٍ ما فيما يتعلَّقُ بتطوِّرِ أدمغةِ الإناثِ والذّكورِ.

وبغرضِ اكتشافِ السببِ البيولوجيِّ لامتلاكِ الذّكورِ معدلاتٍ أعلى من التّوحدِ أكثرَ من الإناثِ تبحتْ (Werling) معَ زملاءِها كيف يختلفُ التعبيرُ الجينيّ في النسيجِ الدماغيِّ بينَ الرجالِ والنساءِ، وقد كان توقّعُهم الأوّليُّ هو أن يكونَ التعبيرُ عن الجين الذي ربطَ فيما سبقَ بالتّوحدِ بمستوياتٍ أعلى لدى الرجالِ إلا أنّ الفريقَ لم يجدْ نمطاً واضحاً للتعبيرِ عن جينِ التَّوحدِ الذي يميّز الرجالَ عن النساءِ، على أيَّةِ حال، فإنّ الجيناتِ التي تسبِّبُ تطوُّرَ الخلايا الدبقيّةِ الصغيرةِ أو التي تَنْشَطُ بالخلايا كانت أكثر نشاطاً لدى الرجال.

في تحليلٍ لاحقٍ، قامتْ (Werling)وزملاؤها بتجميعِ عيناتِ الدِّماغِ حسبَ العمرِ ووجدُوا أنّ الفرقَ الأكبرَ في تعبيرِ جينِ الخلايا الدّبقيةِ الصغيرةِ بين الذّكورِ والإناثِ يحصلُ في الأشهرِ التي تسبقُ الولادةَ، وفي الوقت نفسه، كانَ بعضُ زملائهم جزْءاً من المجموعةِ التي ذكرتْ العامَ الماضي أنّ الجيناتِ المرتبطةَ بالتّوحدِ كان يُعبَّرُ عنها بمستوياتٍ أعلى في عيناتِ دماغِ الأشخاصِ الذين لديهم توحُّدٌ من الذينَ لم يكونوا مصابينَ بالحالةِ.

تحليل النتائج

بالنظرِ إلى هاتينِ النتيجتينِ سويّةً، فإنّهما تقترحانَ أنّ النشاطَ الأعلى للخلايا الدّبقيّة الصغيرةَ عند الذكورِ قبلَ الولادةِ يجعلُهم أكثرَ حساسيةً للجيناتِ التي ترتبطُ بالتّوحد، والاحتمالُ الآخر هو حمايةُ الخلايا الدّبقيّة الصغيرة الأقل نشاطاً لدى الإناثِ لهنَّ من آثارِ هذه الجيناتِ.

ويمكنُ تصويرُ ذلك بحسبِ العالمةِ (Werling) عبْرَ التفكيرِ برسمٍ بيانيٍّ منَ دائرتين متقاطعتين تحوي إحداها دائرةَ المظاهرِ الحيويةِ للدّماغِ التي تختلفُ بحسبِ الجنسِ، والأخرى تحوي مظاهرَ الدماغِ التي تختلفُ بينَ الأشخاصِ المصابينَ بالتّوحدِ وغير المصابينَ، وهي تعتقدُ أن الآليةَ التي تسبِّبُ اختلافَ خطورةِ التّوحدِ بينَ الذّكورِ والإناثِ توجدُ في منطقةِ التقاطعِ بين المظهرين.

وجدتْ دراساتٌ سابقةٌ أنّه يمكن للخلايا الدّبقيةِ الصغيرةِ أن تؤثِّرَ في التَّوحدِ، إذ ذكرَ باحثونَ عام 2010 أنّه من بينِ عيناتِ 13 دماغاً لأشخاصٍ لديهم توحُّدٌ، فإن تسعَ عيناتِ احتوتْ خلايا دبقيّة صغيرة كانت إما كبيرةً بشكلٍ غيرِ عاديٍّ، أو كثيفةً أو نشطةً أو مميزةً بطرقٍ أخرى، وفي عامِ 2014، ذكرَ فريقٌ آخر أنّ الفئرانَ الذينَ كانَت لديهم أعدادٌ قليلةٌ من الخلايا الدّبقية الصغيرةِ في المراحلِ المبكّرةِ من حياتِهم أظهروا مظاهرَ تذكِّرُ بالتَّوحدِ، كالامتناعِ عن التفاعلِ مع الفئرانِ الأخرى.

يتناسبُ عملُ (Werling) وزملائها مع الدراساتِ الأخرى من حيث اقتراحه أنّ التّغيراتِ في الأدمغةِ المصابةِ بالتّوحدِ غالباً ما تحصلُ قبلَ الولادةِ، وذلك بحسبِ العالم (Simon Baron-Cohen) الذي ربطَ في أبحاثِه بينَ المستوياتِ العاليةِ من التستسرون المميتِ والتَّوحدِ مقترحاً على الدراساتِ المستقبليِّةِ أن تبحثَ في الكيفيةِ التي يؤثِّرُ فيها التستسرون والهرمونات الجنسية الأخرى عبرَ الخلايا الدّبقيّةِ الصغيرةِ لتشكيلِ الدّماغِ أثناءَ تطوَّره.

وحتى بعدَ الكشفِ عن الأسبابِ البيولوجيّةِ للتّوحدِ، ستمرُّ سنينٌ قبلَ أن يتمكّنَ العلماءُ من الكشفِ عن الآليةِ التي تظهر فيها هذه الأسبابُ على صورةِ أعراضِ التّوحدِ، كالتّحدثِ المتأخِّرِ والانهماكِ في مواضيعَ محددةٍ، رغم ذلك، تختمُ (Werling) بقولها: "إذا تمكّنّا من معرفةِ ما الذي تقومُ به الخلايا الدبقيةُ الصغيرةُ أثناءَ تطوِّرِ الدّماغِ، فقد نتمكنُ من الفهمِ بشكلٍ أفضلَ كيفَ ينخرطُ هذا النّوعُ المحددُ من الخلايا في خطورةٍ التّوحدِ، مع التَّركيزِ على الهدفِ النّهائيّ المتمثِّلِ بتطويرِ أدويةٍ تستهدفُ هذا المجالَ المحدّدَ من البيولوجيا".

المصادر:

هنا

^ Ginhoux، Florent; Lim، Shawn; Hoeffel، Guillaume; Low، Donovan; Huber، Tara (2013). "Origin and differentiation of microglia". Frontiers in Cellular Neuroscience. 7. doi:10.3389/fncel.2013.00045