العمارة والتشييد > التصميم المعماري

البرج السّكنيّ Garden Tower

استمع على ساوندكلاود 🎧

إنَّ النّظرَ إلى الطّبيعةِ المُحيطةِ الّتي يقومُ المبنى ضمنَها قد يكونُ من أهمِّ المعطياتِ الّتي ينبغي لأيِّ معماريٍّ أن يأُخذَها بعينِ الاعتبارِ، فالموقعُ العامُ وباقي الوظائف المُحيطةِ بالمبنى لها تأثيرٌ كبيرٌ على وظيفةِ المبنى والحلولِ التّصميميّةِ المُتَبَعَةِ في عمليّةِ التّصميمِ. هذا ما كان حجرُ الأساسِ في تصميمِ مبنى (Garden Tower).

موقع المبنى:

يقعُ المبنى في منطقةٍ تتألّفُ من خمسةِ مواقعَ بناءٍ حضريّةٍ وكُلٌ مِنها يحملُ سمةً معيّنةً، والمبنى المدروسُ تمَّ اختيارُ موقعِهِ لبناءِ برجٍ سكنيٍّ سمته الأساسيّة هي التّفاعلُ مع الإطلالةِ المُحيطةِ به، وعلى ذلك تمَّ وضعُ الفكرةِ التّصميميّةِ بالنّظرِ إلى المحيطِ، ولكن دونَ معرفةِ تصاميمِ المباني المجاورة؛ فالطّبيعةُ المحيطةُ والّتي تمتدُّ على مساحةٍ واسعةٍ والواقعةُ على حافةِ النسيجِ الحضريِّ للمدينةِ كان لها حضورٌ كبيرٌ في موقعِ البناءِ، وباختيارِ الموقعِ بالقربِ من جبل Gurten المحليِّ واّلذي يُطلُّ بشكلٍ بانوراميٍّ على جبالِ الآلبِ في Bern.

انتماءُ المبنى لموقعهِ والتّناسقُ معهُ تحقّقَ عن طريقِ عدّةِ عناصر؛ فالعرائشُ الخضراءُ الّتي تُغطّي الواجهات تعكُسُ المساحاتِ الخضراءِ الّتي تُغطّي جبلَ Gurten إلى جانبِ خطوطِ التّصميمِ الحرّةِ وغير المحدَّدةِ الّتي توحي بشكلِ سلسلةِ جبالِ الآلب، ممَّا وجّهَ التصميمُ لخلقِ بناءٍ مرتفعٍٍ، ومفتوحٍٍ من كافةِ الجوانبِ مؤمِّنًا بذلكَ الإطلالةَ الواسعةَ، إلى جانبِ الاندماجِ مع الطّبيعةِ والموقعِ المحيطِ حيث نرى البرجَ يرتفعُ من التّضاريسِ المُحيطةِ من ضواحي Bern.

الفكرةُ التّصميميّةُ:

عند النّظرِ إلى شكلِ المبنى يمكننا معرفةُ المصدرِ الرّئيسيِّ المُلهِِمِ لعمليّةِ التّصميمِ فالحضورُ الواضحُ للطّبيعةِ ضمنَ موقعِ البناءِ وتضاريسُ الجبالِ المرتفعةِ في أُفُقِ مدينةِ Bern جعلَ الفكرةَ التّصميميّةَ تنبثقُ من النّقاطِ البصريّةِ المميِّزةِ لهذا الموقع؛ فالمبنى مُحاطٌ بحديقةٍ تتألّفُ من نباتاتٍ مُتسلّقةٍ، والأرضيّاتُ الملويّةُ للأعلى مُصمّمةٌ لتكوّنَ مقاعدَ للجلوسِ، إلى جانبِ أحواضِ النّباتاتِ المحفورةِ ضمنَ الأرضيّات واّلتي تبدو مصنوعةً من الحجارةِ ، إضافةً إلى التّعويضِ عن الدرابزين بشبكةٍ مُستمرّةٍ منَ المعدن بهدفِ جعلِ الفراغِ الدّاخليِّ مفتوحًا بشكلٍ أكبرَ نحوَ المحيطِ الخارجيِّ الطّبيعيِّ، وعندَ النّظرِ إلى الواجهاتِ الخارجيّةِ فإنّنا نرى الملامحَ الأساسيّةَ المُكَّوَنَةَ من أشكالِ القضبانِ الحرّة مع العناصرِ الأخرى كالزّجاجِ والّتي توحي بالشّكلِ العامِ لتضاريسِ الجبالِ المرئيّةِ المُحيطةِ على مدِّ النَّظر، وبشكلٍ نهائيٍّ فإنِّ الهدفَ تركَّزَ على إيجادِ شكلٍ غيرِ منتظمٍ للمبنى، ولكن يتناسبُ مع محيطِهِ الطّبيعيِّ.

تنبُعُ أهميّةُ المشروعِ من كونِ الفكرةِ التّصميميّةِ ناتجةٌ عن التّعاونِ بينَ جَميعِ الأطرافِ المعنيّةِ ممَّا جعلَها قابلةً للتّطويرِ من قِبلهم جميعاً، فبالنّظرِ إلى هذا المشروعِ أدركَ الجميعُ منذُ البدايةِ الحاجةَ الماسّةَ إلى فرَقٍ متناغمةٍ ومُتَعدّدةِ الاختصاصاتِ، إلى جانبِ الاعتمادِ على خِبرةِ الآخرَ، الأمرُّ الّذي كان ضروريًّا بهدفِ تنفيذِ جميعِ الأفكارِ المعماريّةِ من النّواحي التّقنيّةِ والإنشائيّةِ والمفاهيميّةِ.

مسقط الطابق الأول

مسقط الطابق الـ 15

مسقط الطابق الـ16

فالتّصميمُ الأساسيُّ للمشروعِ بقيَّ دونَ تغييّرٍ، ولكن ما تمَّ تطويرهُ عندَ التّفكيرِ في عمليّةِ التّنفيذِ هو المُغلَّفُ الخارجيُّ للمبنى؛ فشكلُ عناصرِ البيتونِ مُسبقِ الصُّنعِ والقُضبانُ المعدنيّةُ تمَّ تعديلُها خلالَ المرحلةِ التّنفيذيّةِ للمشروع، فقد كانت القضبانُ متوضِّعةً بشكلٍ مائلٍ ومتراتبٍ بشكلٍ أفقيٍّ باستمرار، وتمَّ لاحقًا التّأكيدُ على الأفقيّةِ دونَ إظهارِ البروزاتِ والتّراجعاتِ الّتي استُخدِمت بشكلٍ مُتناسبٍ ومتوازنٍ في الواجهات، الأمرُ الّذي كانَ واضحًا للمشاهِدِ المهتمِّ، حيث التّفاعلُ بين القضبانِ المعدنيّةِ والأشكالِ المقعّرةِ والمحدّبةِ وتداخلِ الأرضيّاتِ الطّافيةِ أعطى المبنى إحساسًا بالتّأرجح.

مقطعٌ في البرج

عند سؤال Andreas Bründler - وهو أحدُ مؤسّسي شركةِ Buchner Bründler Architekten AG القائمةِ على تصميمِ المشروعِ وتنفيذِه - عن وجودِ أيّةِ اتّجاهاتٍ إنشائيّةٍ أو تصميميّةٍ كان لها تأثيرُها على المشروعِ أجاب بأنَّ "فكرةَ الحدائقِ الشّاقوليّةِ الّتي تمَّ العملُ بها، وتنفيذُها في العديدِ من الدّولِ الأخرى كانت بمثابةِ مصدرِ إلهامٍ لنا، لأنَّ الطّبقاتِ النباتيّةَ مع المناخِ والمساحاتِ الخضراءِ بمعناها المجازيِّ والحَرفيِّ كان لها تأثيرٌ إيجابيٌّ على الجوِّ المحيطِ طِوالَ فصولِ السّنةِ الأربعة؛ ففي الصّيفِ على سبيلِ المثالِ تؤمِّنُ ظلالًا للمناطقِ السّكنيّةِ، حيثُ أنَّ زراعةَ النّباتاتِ كانت مدروسةٌ بشكلٍ متناسبٍ مع تصميمِ المبنى وتوجُّهه، فمفهومُ انتشارِ المزروعاتِ الخضراءِ تبدو مهمّةً أكثرَ فأكثرَ بالنّسبةِ لنا في أوقاتِ تصاعُدِ انتشارِ الكثافةِ الحضريّةِ في كلِّ مكانٍ".

المواد:

يعودُ السَّببُ الرّئيسيُّ لنجاحِ المبنى لموادِ البناءِ المُستَخدَمةِ في التّنفيذِ، البيتونِ المصبوبِ في المكانِ للأساساتِ والبيتونِ مسبقِ الصُّنعِ إلى جانبِ القُصبانِ المعدنيّةِ في الواجهاتِ، إضافةً إلى التّفاوتِ في عناصرِ التّصميمِ، والشّبكةِ المعدنيّةِ الّتي تُحيطُ بهذهِ الكتلةِ الأشبهِ بالحجريّةِ، والّتي كانَ لها دورٌ كبيرٌ بالنّسبةِ للمشروعِ وحضورِهِ ضمنَ السّياقِ المكانيِّ.

عند النّظرِ إلى باقي أعمالِ الشّركةِ نرى التّناسُبَ بينها وبين المشروعِ المدروسِ، فموضوعُ الطّبقاتِ في الواجهةِ والعُمقِ في سطوحِ العمارةِ كان حاضرًا منذُ التّصاميمِ الأوليّةِ، ففي منزلِ Loft في Basel نرى قشرةً من الزُّجاجِ الملوَّنِ بالأخضر والّتي تُغطّي إنشائيّةً هيكليّةً مصنوعةً من البيتون، وبالتّالي فالزُّجاجُ يعطي الواجهةَ مظهر سطحٍ مستوٍٍ مُتحرّكٍ ومُشعٍّ. سكنُ Sevogelsrasse يكشُفُ عن طبقةٍ ذاتِ شكلٍ تصميميٍّ حرٍّ في خطوطِهِ، أمّا جناحُ المعرِضِ السّويسريِّ Swiss Expo Pavilion في شنغهاي يحتوي أيضًا على الجدرانِ القاطعةِ وشبكةٍ ناعمةٍ في الواجهاتِ كفكرةٍ رئيسيّةٍ، وفي جناحِ جينهوا Jinhua Pavilion في الصّينِ نرى فكرةً أساسيّةً أخرى تمَّ تطويرُها في برجِ الحديقةِ ألا وهي تطويرُ الأشكالِ الرّئيسيّةِ الحرَّةِ في التّصميمِ على أساسِ المُضلّعاتِ الهندسيّةِ، حيث تمَّ تخصيصُ مساحاتٍ مُحدّدةٍ للغُرفِ ضمنَ هيكليّةٍ مُضَلَّعةٍ اصطفّت بشكلِ مجموعةٍ حولَ ثلاثِ باحاتٍ مفتوحةٍ.

نهايةً نرى الشّكَل النّهائيَّ للمبنى ينتمي لطبيعتِهِ المحيطةِ شكلًا ووظيفةً، فما رأيُكَ بهذا النّوعِ من التّصاميمِ الّتي تُستوحَى من الوسطِ المحيط؟ وهل الاعتماد عليه كافٍٍ للفكرةِ التّصميميّةِ الرّئيسيّةِ للمبنى برأيك؟

المصدر: هنا