المعلوماتية > مسابقات ومؤتمرات

مؤتمر فيسبوك السّنويّ (F8): اليوم الثّاني

في اليومِ الأوّلِ للمؤتمر أبهرنا "مارك" بالعديدِ من الإنجازاتِ والمشاريعِ المستقبليّةِ الّتي تسعى شركةُ فيسبوك لإنجازِها. حيث أعلن رؤساءُ أقسامِ فيسبوك المختلفة عن تقدُّمِهم في مشاريعَ متعلّقَةٍ بالواقعِ المعزّز (Augmented Reality)، والرّؤية الحاسوبيّة (Computer Vision)، وغيرها من الأمور الرّائعة. ولمن فاته المقال فيمكنه قراءته من هنا.

أمّا اليوم الثّاني، فيمكنني إخباركم بأنّه كان أكثر إبهارًا من سابقه. ففيه تحدّث "مايك شريب" Mike Schroepfer، -الرئيس التنفيذي لقسم التكنولوجيا في فيسبوك-، مطوّلًا عن خطّة فيسبوك للعشرِ سنواتٍ المقبلة. وقد دار حديثه عن الاتّصال (Connectivity)، وتعلُّمِ الآلة (Machine Learning) والعديدِ من الأمور المذهلةِ الّتي سنتحدث عنّها في مقالنا هذا.

Terragraph

في بدايةِ حديثه عن تقنّيات التّواصلِ الجديدةِ الّتي تسعى فيسبوك لتطويرِها، أعلن "شريب" في بدايةِ اليومِ الثّاني عن تقنيّةٍ جديدةٍ تُدعى بـ Terragrap. هذه التّقنية هي ببساطةٍ عبارةٌ عن طريقةٍ جديدةٍ وعمليّةٍ لإيصالِ الإنترنت إلى الأماكنِ النّائيةِ دونَ الحاجةِ إلى التَّمديدِ الأرضيِّ الّذي قد يكونُ مُكلفًا جدًّا، وفي بعضِ الأحيان حتّى مستحيلًا بسببِ العديدِ من العقباتِ.

وأضافَ "يال مغواير" Yael Maguire، مديرُ برنامجِ التّواصل في فيسبوك، أنّ أحدَ أهدافِ فيسبوك الأساسيّةِ هو جعلُ تواصلِ المجتمعاتِ أسهلَ من السّابقِ عن طريقِ ابتكارِ تقنيّاتِ تواصلٍ تتّصفُ بكونها رخيصةً، وتتميَّزُ بالأداءِ والسُّرعة.

تتألّفُ هذه التّقنيّة من أجهزةٍ توضَعُ على أعمدةِ الإنارةِ في المدن، يمثِّلُ كلُّ جهازٍ عُقدةً (Node) تكون بمثابةِ مُستقبِلٍ ومرسِلٍ للإشارةِ في نفسِ الوقت. فمثلًا، إذا أردنا إيصالَ الإنترنت من مدينةٍ مُعيّنةٍ إلى إحدى ضواحيها، يُمكننا تغذيةُ أوّلِ عُقدةٍ بالإنترنت، وهي بدورها ستغذّي العقدةَ الّتي تليها. وتنتقلُ الإشارةُ بهذه الطريقة حتّى تصلَ إلى المستخدِم.

واجهَ الفريقُ تحديَّينِ اثنين أثناء تطبيقهم هذا المبدأ. كان أوّلهما هو مكانُ وضعِ أجهزةِ البثِّ لتصلَ إلى جميعِ المستخدمين أينما كانوا في المدينة. وللتّغلُّبِ على المشكلة، قامَ فريقٌ تابعٌ لمختبرِ الاتّصالاتِ بإنشاءِ نموذجٍ رقميٍّ ثُلاثيِّ الأبعادِ لمدينةِ سان خوسيه (San Jose) لتجربةِ حلِّ هذه المشكلة. يسمحُ هذا النَّموذجُ للفريقِ بتحديدِ أماكنَ وضعِ أجهزةِ البثِّ بدقةٍ، وبطريقةٍ تسمحُ للإشارةِ بالوصولِ للمستخدمينَ أينما كانوا ضمنَ نطاقِ البثِّ.

أمّا التّحدِّي الثَّاني، فكانَ مُتعلِّقًا بطبيعةِ المدنِ الحركيّةِ، أي حركةُ السَّيَّاراتِ والطّيورِ وغيرِها. يكمنُ التّحدِّي هنا في اعتماد التّقنيّة على الأليافِ البصريّةِ (Fiber Optics)، أو الشُّعاعِ الضَّوئيِّ (Laser Beam) من أجلِّ الدِّقة في الكلام. وهذا يعني أنَّه على المستخدِمِ أن يبقى ضمنَ نطاقٍ مُحدَّدٍ لجهازِ البثِّ. فمثلًا، إذا حالَ بينَ الجهازِ وبينَ المستخدِمِ حافلةٌ مرتفعةٌ أو سربٌ من العصافيرِ، سيتسبَّبُ هذا الحدثُ في انقطاعِ الإنترنت عن المستخدِمِ. وهنا يكمنُ التَّحدِّي الحقيقيِّ.

ولأنَّ انقطاعَ الإنترنت يعني تجربةً سيّئةً للمستخدِمِ، وبالتَّالي فشلُ التِّقنيَّةِ. أنشأَ فريقُ مهندسي الشَّبكاتِ في فيسبوك بروتوكولًا (Protocol) يُعنى بالتبديلِ بينَ العُقَدِ إذا ما انقطعَ الاتِّصالُ عن المستخدِمِ. فإذا فرضنا أنَّ منزلي يقعُ ضمنَ نطاقٍ جغرافيٍّ واقعٌ ضمنَ مجالِ ثلاثِ عُقدِ اتّصالٍ وانقطعَ الاتِّصالُ بيني وبينَ العقدةِ الّتي كُنتُ مُتّصلًا بها، سيقومُ هذا البروتوكولُ بتحويلي إلى العقدةِ الثَّانيةِ المُجاورةِ بشكلٍ لَحظيٍّ. لدرجةِ أنَّني إذا كنتُ أعرضُ مقطعًا مباشرةً عبر كاميرا هاتفي، لن أشعُرَ بأيِّ اضطرابٍ أو انقطاعٍ في إشارةِ الإنترنت.

Machine Learning

يُعتَبر تعلُّمُ الآلةِ (Machine Learning) من أهمِّ التِّقنيَّاتِ الّتي تستخدمُها فيسبوك للتَّحكُّمِ بالمحتوى لكلِّ فردٍ على حِدة. فمثلًا، الأخبارُ الّتي تظهرُ على صفحتي الشَّخصيّةِ تُعتَبَرُ مُختلفةٌ كليًّا عن الأخبارِ الّتي تظهرُ على صفحةِ زميلي في العمل. وبهذا الاختلاف لا أعني اختلافَ الأخبارِ بسببِ اختلافِ إعجاباتنا ببعض الصَّفحاتِ، بل أعني الاختلافَ بالاقتراحاتِ والمنشوراتِ الّتي تظهرُ على الصّفحةِ الشَّخصيّةِ لكلِّ فردٍ على حِدة. ويعودُ السَّببُ وراءَ ذلكَ إلى الخوارزميّاتِ المبنيّةِ على تقنيّةِ تعلُّمِ الآلة، والّتي تسمحُ بإنشاءِ محتوىً خاصٍّ لكلِّ فردٍ مُعتمدةً على اهتماماتِهِ الشَّخصيَّةِ.

وتخصيصُ المحتوى ليس الشَّيءَ الوحيدَ الّذي تسعى إليه فيسبوك. فمنذُ العامِ الماضي بدأت فيسبوك بالعملِ على تقنيّةٍ تسمحُ للكمبيوتر بفهمِ الصُّوَّرِ والفيديوهات.

ولكنَّ الشَّيءَ الجديدَ الّذي أضافته فيسبوك هذا العام هو مدى دقَّةِ التَّعرُّفِ على الأشياءِ، وعمقِ فهمِ هذه الصُّوَّرِ والفيديوهات. ولتوضيحِ ذلك، عرَضَ "واكين كوينينيرو كانديلا" Joaquin Quinonero Candela، مدير قسم تعلُّمِ الآلةِ التَّطبيقيِّ في فيسبوك، صورةً توضيحيّةً عن تطوّرِ التّقنيّةِ المُستخدَمةِ. يظهرُ في الصُّورةِ مجموعةٌ من موظفي فيسبوك يجلسون حولَ طاولَتَين، في القسمِ الأوَّلِ من الصُّورةِ الأولى على اليسار، يُظهِرُ لنا الصّورةَ الأصليّةَ ولكن بشكلٍ ضبابيٍّ بسببِ البِكسِلاتِ (Pixels) الكبيرةِ الموجودةِ فيها. حيث كانت هذه طريقةُ الكمبيوتر للتَّعرُّفِ على الأشياءِ والأشخاصِ – التَّعرُّفُ على البكسلاتِ للتَّعرُّفِ على الأشياء.

أمَّا في القسمِ الثَّاني من الصُّورةِ، فتظهرُ لنا الصُّورةُ الأصليّةُ وبوضوحِها الأصليِّ، ولكن مع وجودِ مستطيلٍ حولَ كلِّ شخصٍ وغَرَضٍ في الصُّورةِ. تُمثِّلُ هذه الصُّورةُ التَّطوّرَ الّذي وصلت إليهِ هذه التّقنيّةُ من عِدّةِ أعوامٍ مَضَت.

أمّا في الصُّورةِ الثَّالثةِ والأخيرةِ، فتُظهرُ لنا الصُّورةَ الأصليّةَ أيضًا وبوضحِها الأصليِّ، ولكن مع وجودِ إطارٍ أبيضَ اللَّونِ على شكلِ كلِّ شخصٍ أو غَرَضٍ فيها. وتدلُّ هذه الصّورةُ على مدى دقّةِ تعرُّفِ التِّقنيّةِ على الأشياءِ مقارنةً بما سبَق.

أمّا عن فائدةِ واستخدامِ التّقنيّةِ، فعلينا أن نعودَ إلى مقدِّمةِ هذه الفقرة. فغَرَضُ هذه التّقنيّةِ التَّعرَُّفَ على محتوياتِ الصُّورِ والفيديوهاتِ المنشورةِ على الفيسبوك لإعطاءِ المستخدِمِ تجربةً أفضلَ عبرَ تخصيصِ محتوياتٍ تهمُّهُ عن طريقِ هذه التّقنيّة. ويمكن لهذه التّقنيّةِ حتّى السَّماحَ لشخصٍ بإيجادِ أيِّ فيديو يبحثُ عنه عبرَ البحثِ باستخدامِ كلماتٍ مُفتاحيّةٍ.

Caffe2

تحدّث "واكين" أيضًا عن صُعوبةِ تطبيق تقنيّاتِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ (Artificial Intelligence) وتدريبِها بشكلٍ عامٍ. حيث تحتاجُ هذه التّقنيّة إلى مُخدِّماتٍ عُملاقةٍ وكمبيوتراتٍ قويّةٍ من أجلِ تدريبِ التّقنيّةِ وتعلِيمِها. ومن الصَّعبِ تقنيًّا تطبيقُ هكذا تقنيّةٍ على الهواتفِ الذَّكيّةِ مهما بلغت من التَّطوّرِ. من أجلِ ذلكَ، طوَّرت فيسبوك إطارًا (Framework) جديدًا يمكنُ للمطوِّرينَ استخدامُه لجلبِ تقنيّاتِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ إلى الهواتفِ المحمولةِ. هذا الإطارُ يُدعى بـCaffe2 وهو يسمحُ للمطوِّرين بكتابةِ الشّيفرة البرمجيّة (Code) الّتي يريدون دونَ القلقِ حولَ إعادةِ كتابةِ الشّيفرة مرّةً أُخرى لجعلِها تعمل على الهاتفِ المحمول، لأنَّ الإطار سيتكفلُّ بذلك.

وبعد نجاحِ فيسبوك بتشغيلِ تقنيّاتِ الذَّكاءِ الصُّنعيِّ على الهاتفِ المحمولِ، تسعى فيسبوك لبناءِ أكبرِ كاميرا ذاتِ مؤثّراتٍ مدعومةٍ بالذّكاءِ الصُّنعيِّ. فبالإضافة إلى تقنيّةِ البحثِ في الصُّورِ والفيديوهاتِ الّتي تحدَّثنا عنها، أعطى "واكين" مثالًا عن إحدى تطبيقاتِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ، والّتي أصبحَ من المُمكنِ تشغيلها على الهواتفِ المحمولةِ باستخدامِ إطارِ Caffe2، والّتي تُدعى بالعُمق (Depth). والمعنى من العمق هو جعل الهاتفِ المحمولِ يعرض الصُّوَر كما لو أنَّ العينَ المجرَّدة تراه. فما يُميِّزُ العينَ عن أيِّ كاميرا في العالم، هو قدرتها على رؤيةِ أبعادِ أيِّ مشهدٍ يظهرُ أمامَها. وحتّى وإن غطّينا إحدى العينين، لا يزال بإمكانِنا رؤيةُ هذا العُمقِ بناءً على مُعطياتٍ موجودةٍ سابقًا في أدمِغتنا. وباستخدامِ طريقةٍ مشابهةٍ لتعليمِ الكمبيوتر، درّب المُطورون في فيسبوك خوارزميّةَ ذكاءٍ صُنعيٍّ على تحليلِ أيّةِ صورةٍ، وإعادةِ بناءِ عُمقِها بشكلٍ تقريبيٍّ.

إعادةُ ابتكارِ نظَّاراتِ الواقعِ الافتراضيّ Oculus

طوال المؤتمرِ الّذي امتدَّ على يومين، تحدّث المشاركونَ عن التِّقنيَّاتِ والمشاريعِ الجديدةِ والتَّطبيقاتِ بشكلٍ تقنيٍّ تطبيقيٍّ أكثرَ منه إلى مُستقبليٍّ تخيُّليٍّ. وللصّراحةِ، هذا شيءٌ بديهيٌّ كونُ المؤتمرِ مخصَّصٌ للحديثِ عن الواقعِ التِّقنيِّ الّذي وصلنا إليهِ حتّى الآن. أمّا بالنّسبةِ لآخَرِ فقرتين، كانَ الوضعُ مختلفًا قليلًا. حيث بدأ "مايكل أبراش" Michael Abrash، العالِمُ المسؤولُ في مختبر Oculus، بالثَّناءِ على أحدِ الأشخاصِ الّذين أثَّروا في تاريخِ وحاضرِ الكمبيوترِ الشَّخصيِّ. وهذا الشَّخص يُدعى بـ "ليك"JCR (Lick) Licklider .وكان هَدفُ الحديثِ المُطوّلِ عن"ليك" إيصالُ فكرةٍ مُعيّنةٍ. فالشَّيء المميَّزُ في "ليك" أنَّه آمنَ وعملَ على مبدأ الكمبيوتر المُخصَّصِ للبشر (Human-Oriented Computer)، والّذي تخيَّلَ مهمَّتَه حينها مُتعلِّقةً بتعزيزِ ذكاءِ وقدراتِ البشر. كما دعمَ "ليك" العديدَ من المشاريعِ ماديًّا، والّتي أثمرت فيما بعد عن العديد من الأشياءِ كالإنترنت، والفأرة.

إذا ما نظرنا لفترةِ حياةِ "ليك" والأعمالِ الّتي عَمِلَ عليها، أمكننا القولُ أنَّ نظرتَه المستقبليّة جعلت من هذا العالَمِ مكانًا أفضل.استخدمَ "أبراش" حديثَهُ عن ليك مُنطلقًا للحديثِ عن مُستقبل الواقعِ المُعزّز (Augmented Reality) والواقعِ الافتراضيِّ (Virtual Reality)، حيث تُعتَبر الحقبةُ الحاليّةُ هي الأكثرُ حظًّا من ناحيةِ سرعة الحصولِ على المعلوماتِ والتّواصلِ، فالأجهزةُ تُحيطُ بنا أينما كُنَّا وفي أيِّ وقت كان. ومع هذا، يؤمن العديدُ من العلماءِ، و"أبراش" مِنهم، أنَّ باستطاعتِنا الحصولَ على أكثرِ من ذلك. إنّهم يؤمنون بفكرةِ الواقعِ الافتراضيِّ بشكلٍ كبيرٍ جدًّا. فعوضًا عن النَّظرِ عبرَ شاشاتِنا ثنائيّةِ الأبعادِ، يمكننا ااستخدامُ نظَّاراتِ الواقعِ الافتراضيِّ والّتي سوفَ تدمجُ الواقعَ الحقيقيَّ بالعالمِ الافتراضيِّ.

حقيقةً، سنحتاجُ العديدَ من الأشياءِ لنحقِّقَ هذه الرُّؤية. فنحن بحاجةٍ إلى جعلِ العالمِ الافتراضيِّ أقرَبَ للواقعِ الحقيقيِّ قدر الإمكان. كما نحتاج أن نستشعرَ هذا العالَمِ الجديدِ بحواسِنا كما لو أنَّنا في العالَمِ الحقيقيِّ. والإنجازُ الكبيرُ سيكونُ عندما نتمكَّنُ كبشرٍ من الوصولِ إلى تلكَ المرحلةِ الّتي تمزِجُ بينَ الواقعِ الافتراضيِّ والحقيقيِّ بحريَّةٍ تامَّةٍ، لدرجةِ يُصبِحث فيها الواقعُ الافتراضيُّ جزءًا من حياتِنا اليوميّةِ. هذا التَّحدِّي سيتطلَّبُ إنتاجَ نظَّاراتِ (Glasses) الواقعِ الافتراضيِّ، والّتي ستشكِّلُ تحدٍ تقنيٍّ أكبرَ من أجهزةِ الواقعِ الافتراضيِّ الرَّأسيَّةِ (VR Headsets). وللأسف، تقنيَّةُ بناءِ هكذا نظاراتٍ غيرُ موجودةٍ بعد.

ما هي هذه النَّظَّاراتُ المستقبليّةُ؟ يمكننا القولُ بأنَّها نظاراتٌ كالموجودةِ عندَ العديدِ من الأشخاصِ ذوي المشاكلِ البصريَّةِ، ولكن بوجودِ تقنيَّةٍ عاليةِ المستوى فيها. فيمكنُ لهذه النَّظَّاراتِ حينها مثلًا مساعدتنا على الرّؤية في الأماكنِ ذات الإنارةِ المنخفضةِ. أو مثلًا، يمكنها مساعدتنا على معرفةِ ما إذا كان أحدُ الأحبَّةِ مريضًا عبر النَّظرِ إلى وجهه. أو من الممكنِ أن تستحضرَ أرقامًا وإحصائيَّاتٍ مُهمَّةٍ في اجتماعِ عملٍ. والعديدَ من الأشياءِ الّتي ستجعلُ عالَمنا أسهلَ وأكثرَ ليونةً.

من الجديرِ بالذِّكر أنَّ هذه التّقنيّة ستحتاجُ على الأقلِّ إلى خمسِ سنواتٍ لإنتاجِ نموذجٍ أوليٍّ، وأنَّ السنينَ الّتي تلي الإنتاجَ ستكونُ حافلةً لاستكشافِ قدراتِ هذه التّقنيّة المذهلة.

Building 8

أمّا عن الفقرةِ الأخيرةِ من المؤتمرِ، فكانت مِسكُ ختامِ هذا المؤتمر. فقد ناقشت "ريغينا دوغان" Regina Dugan، مديرةٌ ومهندسةٌ في قسم Building 8، أنّ الهواتفَ الذَّكيَّةَ في عالمِنا الحاليِّ تُشبه المخدَّراتِ بسببِ إدماننا الشَّديدِ عليها. صحيحٌ أنّها سمحت لنا بالتَّواصُلِ مع العديدِ من الأشخاصِ البعيدينَ عنَّا، إلا أنَّ ذلك كانَ على حسابِ علاقاتِنا مع الأشخاصِ القريبين منَّا. كما ساهمت هذه الأجهزةُ أيضًا بالعديدِ من الشِّجاراتِ والانفصالاتِ العاطفيّةِ بينَ الأشخاص. وفقط عندما بدا كلامها مُقنعًا للجميع، قالت "ريغينا" بأنَّ هذه شهادةٌ باطلةٌ بحقِّ الهواتفِ الذَّكيَّةِ. فتبعًا لرأي "ريغينا"، هذه الأجهزةُ مهمَّةٌ كونها تُحفِّزُ فضولنا لمعرفةِ العالمِ الخارجيِّ والأماكنِ البعيدةِ عنَّا. كما أنَّها تُعزِّزُ قُدرتَنا على التَّعاطُفِ كونَها تَسمحُ لنا بالتَّعرُّفِ على الأشخاصِ الّذين ما كُنَّا سنسمعُ عنهم، أو حتّى نتحدَّثُ معهم دونَ استخدامِ هذه الأجهزةِ الرَّائعةِ. أضف أنَّ هذه الأجهزةَ جعلت منَّا مغامرِين، ومستكشفِين، وأكثرَ إنسانيَّةً، ومُواطنةً في هذا العالم. هذه بعضٌ من الأشياءِ العظيمةِ الّتي تمنحنا إيَّاها الهواتفُ المحمولة.

كان القصدُ من وراء مثال “ريغينا” السّابق هو الحديثُ عن التِّكنولوجيا وعلاقتِها بالتَّواصُلِ البشريِّ. ما يعني أنَّ غايةَ الجهازِ المحمولِ هي جعلُ البشرِ أكثرَ قدرةً على فعلِ أشياءَ كثيرةٍ، من ضمنِها التّواصل. وإضافةً للتَّواصُلِ النَّصيِّ، كان للتَّواصل الصَّوتيِّ أو المصوَّرِ أهميَّةً أكبرَ، كونها تعطي لهذا التَّواصلِ لمسةً بشريّةً. ولهذا السَّببِ تسعى فيسبوك جاهدةً لصُنعِ منتجاتٍ يُمكنُ استخدامُها كأدواتِ تواصلٍ اجتماعيٍّ.

يمكننا القولُ بأنَّ المثالَ الّذي استخدمته "ريغينا" كأحدِ المنتجاتِ المستقبليّةِ يبدو مألوفًا كونه عُرِضَ في أفلامِ الخيالِ العلميِّ، ولكن "ريغينا" كانت جادّةٌ في كلامِها. فتحدَّثت عن خطةٍ لتمكينِ البشرِ من استخدامِ عقولِهم للتَّحكُّمِ بالكمبيوتر. تمَّت تجربةُ هذه التّقنيّةِ من قبلِ فريقِ Building 8 التَّابعِ لفيسبوك، بالشَّراكةِ مع فريقِ مُختبر جامعةِ ستانفورد على امرأةٍ عاجزةٍ عن الحركةِ أو الكلام. فتمَّ زرعُ حسَّاسٍ كهربائيٍّ في دِماغِها في المنطقةِ المُستقبِلَةِ للسَّيَّالاتِ الكهربائيَّةِ التَّابعةِ للنُّخاعِ الشَّوكيِّ. وكانت النَّتيجةُ قدرتُها على التَّحكُّمِ بمؤشِّر فأرةٍ قادرٍ على التَّعلُّمِ والتَّكيُّفِ معها لتشكيلِ كلماتٍ من على لوحةِ مفاتيحٍ تظهرُ أمامَها. واستطاعت هذه الامرأةُ كتابةَ ما يعادلُ ثمانِ كلماتٍ في الدَّقيقةِ الواحدةِ.

بشكلٍ عام، سيكونُ صعبًا علينا استخدامُ هذه التّقنيّةِ كونَها تتضمَّنُ جراحةً في الرَّأسِ. وكما تعوَّدنا في عصرِ التِّكنولوجيا: إن لم تكن التِّقنيّةُ تتمتَّعُ بسهولةِ الاستخدامِ والأمانِ فإنَّها ستبوءِ بالفشل. لذلك، وبسببِ معرفةِ الفريقِ لتلكَ الحقيقةِ، بدأ التَّفكيرُ بحلٍّ لا يحتاجُ إلى كلِّ هذا التَّعقيدِ. إحدى المبادئ الأساسيّةِ هي استخدامُ تقنيّةِ اللّيزر. فعند وضعنا لضوءِ اللّيزر على أحدِ أصابعنا، ستتشتَّتُ الفوتوناتُ وتنتشرُ ضمنَ الإصبعِ ليظهرَ وكأنَّهُ أصبحَ لمبةً ضوئيَّةً. ولكن مع أنَّ الضَّوءَ يتشتَّتُ، فإنَّ نسبةً قليلةً من فوتوناتِ اللّيزر تستمرُّ باتِّجاهِها المستقيمِ عابرةً للإصبع؛ وتُدعى هذه الفوتوناتُ بالفوتوناتِ البالستيّةِ (ballistic photons). مع ذلك، نحن بحاجةٍ إلى فوتوناتٍ أقوى ومركزة بشكلٍ أكبر، كالفوتوناتِ شبه البالستيّةِ (quasi-ballistic photons)، الّتي تتمتَّعُ بصيغةٍ مُركَّزةٍ أعلى. وإذا تمَّ تجميعها بشكلٍ جيّدٍ، فإنَّها ستنقلُ الإشارةَ بشكلٍ جيّد.

قد تبدو هذه التّقنيّةُ مخيفةً وخطرةً للوهلةِ الأولى، ولكن عند فهمِنا لها فستتبدَّدُ هذه المخاوف. فعندَ استخدامِنا لأجهزتِنا الذَّكيّةِ لنشرِ صورةٍ من ألبومِ الصُّورِ الّذي قد يحتوي على صورٍ خاصَّةٍ، لا يقومُ الهاتفُ بنشرِ جميعِ الصُّورِ، بل يقومُ بنشرِ الصُّورةِ الّتي اخترناها حصرًا. أمّا بالنّسبةِ للتّقنيّةِ الّتي يعملُ عليها فريقُ Building 8 فإنَّ إحدى أهدافِ الفريقِ هو العملُ على هكذا إضافةٍ تحافظُ وتحمي خصوصيَّةَ المُستخدِم. وعلى الرَّغم من كونِها تقنيَّةً قد تُشكِّلُ خطرًا على خصوصيّتِنا نظريًّا، يُمكننا القولُ بأنَّ عصرنا هذا عصرٌ تميّزَ فيه مجالُ أمنِ المعلوماتِ. فيا تُرى، هل ينجح المُختصُّونَ بالحفاظِ على أفكارِنا خاصَّةً بنا عند استعمالِنا لهذهِ التّقنيّة؟ ما رأيكم؟

المصدر: هنا