الفيزياء والفلك > فيزياء

كيف تقلبُ البيض من المقلاة دون أن يلتصق بسطحها؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

كثيراً ما نُشاهد في التّلفازِ طبّاخين يحضّرون كعكَ المِقلاة "Pan cake" أو حتّى البيضّ المقليّ، ومن ثمّ يرمون بمحتوى المِقلاةِ في الهواءِ لتنقلبَ في الهواءِ وتعودَ سليمةً إلى المقلاة. إنه أمرٌ رائع، ولكن هل تمكّن أحدنا يوماً ما من إتمامِ الخُدعة بنجاح؟ عندما نحاولَ تقليدَ الخُدعة يبقى البيضُ ملتصقاً بالمقلاة عوضاً عن ارتقائه في الهواء! فما السرّ الّذي مكّن الطّباخين في التلفازِ من إتمام تلك الخُدعة بنجاح؟ الأمر سهلٌ جداً، ولكن قبلَ أن نُتابع دعونا نتحدّث أولاً عن أثرٍ عجيب مُرتبطٌ بتلك الخدعة.

لنجري سوياً تجربةً صغيرةً. أحضر مقلاةً وضعها على النّار، وحينَ تشعرُ أنّ المقلاةَ أصبحت ساخنة، بلّل يدَك بالماءِ وارشق سطحَ المِقلاة بالماء. ماذا تلاحظ؟ إذا لم تكنِ المقلاةُ ساخنةً فإنّ سطحَ المقلاةِ سيتبلّل فقط، وإذا كانتِ المقلاةُ ساخنةً فإنّ الماءَ سيتبخّر، وهذا أمرٌ طبيعيّ؛ إذ نعلمُ جميعاً أنّ الماءَ يتبخّر عند الدّرجة 100 سلزيوس في الشّروط المثاليّة. ولكن ماذا لو كانَ سطحُ المِقلاة ساخناً جدّاً؟ ستلاحظ عزيزي القارئ أنّ قطرةَ الماءِ لا تتبخّر بُسرعةٍ، وعوضاً ذلك ستتجوّلُ قطرةُ الماءِ على سطحِ المقلاة لفترةٍ من الزّمن، وسيصغرُ حجمُها أثناء تجوّلها لتصلَ إلى نقطةٍ تختفي فيها قطرةُ الماء (تتبخّر كلّها)؛ أي أنّ عمليّةَ التّبخرِ استغرقت وقتاً أطول. ألا يُعارض هذا المنطق؟ أليس من المُفترضِ أن تتبخّر أسرعَ بزيادة درجة الحرارة؟

ما رصدّتهُ عزيزي القارئ هو أثرُ لايدن فروست! لفهمِ هذا الأثرِ، ننظرُ إلى قطرةِ الماء نظرةً أعمق. عندما نُسخّن الماءَ فإنّنا نمنحهُ القُدرة على التّحرك بحريّة، إذ كما نعلمُ، الحرارةُ هي مقياسٌ لسرعةِ تحرّكِ الجُزيئات. لكنّ درجةَ الحرارةِ تلكَ قد لا تكونُ كافيّةً لجعلِ جزيئاتِ الماءِ تتحرّكُ سويةً لتصلَ جميعها إلى نقطة الغليان. عند تلكَ النّقطةِ يتبخّر الماءُ ولا تُتاحُ له القدرةُ على الحركة؛ إذ أنّ حرارةَ الجزيئاتِ لم تصل بعدُ إلى درجةٍ تسمحُ لها بالحركةِ سوياً.

أمّا إذا رشقنا ماءً على سطحٍ ساخنٍ جدّاً (حرارته بين 150 و500 درجةٍ مئويةٍ) عندها تكونُ الحرارةُ كافيّةً لمنحِ جُزيئاتِ الماءِ في القطرةِ حريةَ الحركة، وهذا ما يحدث، إذ تبدأ القطرةُ بالتّجولِ على هذا السّطحِ السّاخن. ولكن، ألا يجدرُ بالماءِ أن يتبخّر عند هذه الدّرجات شديدة الارتفاع؟

نعم بالطّبع. فعلياً، يتبخر جزءٌ من قطرةِ الماءِ فورَ ملامستها السّطحَ السّاخن، ولكنّ البخارَ النّاتجَ عن ذلك التّبخرِ يبقى عالقاً تحت القطرةِ، الأمرُ الّذي يرفعُ القطرةَ قليلاً عن السّطح السّاخن. كما لو أنّها تتحرّك على وسادةٍ تفصلها عن السّطح السّاخن، لكنّ تلكَ الوسادةَ تختفي تدريجيّاً ليتبخّر جزءٌ آخرُ من القطرةِ يُشكّلُ بدورهِ وسادةٌ جديدةً. الأمرُ أشبه ببساطِ علاء الدين!

يُفسّرُ هذا الأمر طفوّ جزيئاتِ الماءِ على سطحِ المِقلاة، ولكن كيفَ للماءِ أن يجدَ طريقه عبر متاهةٍ ما؟!

لاحظ العلماء في العام 2006 أنّه يُمكنُ التّحكم بالجهةِ الّتي يسيرُ إليها الماءُ تحت أثرِ لايدن فروست. إذ لُوحظ أنّه بحفرِ أخاديدَ على سطح المعدن، فإن قطرةَ الماءِ ستسير بجهةِ تلك الأخاديد. الأمر الذي يسمحُ لنا بصنعِ صفائحَ مُخدّدةٍ ووضعها على شكل متاهة، ممّا سيسمحُ لقطراتِ الماءِ أن تجدَ طريقها عبر المتاهة!

يُمكن الاستفادةُ من أثر لايدن فروست في توليد الكهرباء! إذ أن هناكَ موادّ أخرى تخضعُ لأثر لايدن فروست، كالجليدِ الجافّ. فإذا تمكّنا من تخديد السّطح المعدنيّ ليرسمَ دائرة، فإنّنا سنجعلُ قطرةَ الماء أو مكعّب الجليد الجافّ يدورُ في حلقاتٍ غيرِ منتهيّة. كلُّ ما علينا فعله الآن هو توصيلُ المكعب بشكلٍ ملائمٍ وسنحصلُ على مولدِ طاقةٍ كهربائيّة!

يوضّح الفيديو التّالي أثر لايدن فروست:

والآن إليكم الإجابة، قبلَ أن تضعوا البيضَ في المقلاة، ارشقوا ماءً على سطح المِقلاة، فإذا تمكّنتم من رصدِ أثرِ لايدن فروست، فيمكنكم عندها وضعُ البيض في المقلاةِ ومن ثمّ رميهِ في الهواء، إذا لن يلتصق البيضُ بسطحِ المقلاة، وكلّ ما تبقّى عليكم فعلُه هو إعادةُ التقاطه!

المصدر: هنا