الهندسة والآليات > منوعات هندسية

السفر عبر الزمن - الجزء 3: آلات الزمن ومفارقة الجد

استمع على ساوندكلاود 🎧

تستلزم آلة الزمن Time machine انحناءً في الزمكان، وعندها تلتف خطوط الزمن على نفسها لتشكِّل حلقاتٍ تدعى المنحنيات الزمنية المغلقة "closed time-like curve" ولتحقيق ذلك؛ تحتاج آلات الزمن شكلاً غريباً من المادة "exotic" مثل التي تحدَّثْنا عنها في الثقوب الدودية تماماً، ولها خصائصُ غريبةٌ؛ بما في ذلك السيرُ باتجاه معاكس للمادة الطبيعية عندما يتم دفعها. ونظرياً، يمكن أن توجد هذه المادة، إنّما بكميات قليلة جداً لا تكفي لتصميم آلة زمن. ومن جهة أخرى، هناك أبحاث تقترح إمكانية الاستغناء عنها عند تصميم الآلة، إذ بدأ العمل بثقب على شكل كعكة الدونات مُغلَّفَة بمجال من المادة الطبيعية، وداخل فراغ الكعكة يمكن أن ينحني الزمكان مستخدِماً حقولاً جاذبيةً مركزةً لتشكيل منحنٍ زمني مغلق. ومن أجل العودة إلى الماضي على المسافر أن يدور داخل الدونات، وكلما ازداد عدد الدورات فسوف يرجع إلى الماضي الأبعد.

ويوجد أمام هذه النظرية عدة عقبات، وكذلك يجب أن تكون حقول الجاذبية -اللازمة لتشكيل منحنٍ زمني مغلَق- قويةً جداً، وتتطلب معالجة دقيقة جداً[1].

ومن بين الطرق السابقة الممكنة للسفر عبر الزمن، تُعَدُّ الثقوبُ الدودية والسلاسل الكونية هما الطريقتان الأكثر انتشاراً، وقد تحدثنا عنها سابقا. ولكن السؤال الآن: كم هو مقدار الطاقة اللازمة لتشغيل آلة الزمن والانطلاق في رحلة زمنية؟!

أجاب بيل ناي "Bill Nye" في موقع Sincealert عن ذلك من خلال الإشارة إلى الطاقة والحرارة دائمتَي الانتشار،حيث لا تتركّز الحرارة في مكانٍ محدد وإنما تنتشر باتجاه الأماكن الأبرد في حالِ غياب المؤثر الخارجي.

ما علاقة ذلك بالسفر عبر الزمن؟

عندما ينتشر شيءٌ في الخارج، ويتحرك عبر مسافةٍ ما، فإنه يفعل ذلك بمرور الزمن، وهذا يعني أنه يوجد ارتباطٌ وثيقٌ و وِّديٌ بين الزمن وانتشار الطاقة يمنعنا من تصميم آلات الزمن [2].

مفارقة الجد Grandfather paradox:

لم يقف الفلاسفةُ جانباً وكان لهم وجهة نظرهم حول ظاهرة السفر عبر الزمن، دعونا نناقشها بعيداً عن الفيزياء:

إذا حدث وسافر شخص ما عبر الزمن وعاد إلى للماضي، ثم قتل جده قبل أن يتزوج جدته، فعندئذٍ لن يُولَد والدُه وكذلك هو لن يُولدَ، وبالتالي فلن يستطيع العودة إلى الماضي لأنه أصلاً غير موجود في المستقبل!!

إنها أحجية عجيبة جعلت الجميع يقف حائراً أمامها وينفي فكرة السفر عبر الزمن [1].

لكن لم يقف الفيزيائيون عاجزين أمام هذه المفارقة وقدموا حلولاً لها،عندما تعود إلى الماضي فأنت لا تعود إلى ماضيك نفسه وإنما إلى نسخة عنه، وعند إجرائك لأي تغيير سيظهر الأثر بمستقبلك البديل وليس الحالي، فوفقاً لفيزياء الكم لا يمكن للشخص أن يوجَد بأكثر من نسخة أثناء سفره عبر الزمن.

وربما تساعدنا Jennifer Ouellette"" على فهم ذلك:

بما أن آلات الكم لا تسمح بالاستنساخ، فإن عملية الانتقال إلى الماضي تبدأ بفحصِ جميعِ ذراتِ جسدك ثم تحطيمها بأكملها، بعد ذلك تنتقل كل المعلومات الخاصة بك إلى موقعك أو عالمك الجديد حيث يتم استخدام ذراتٍ جديدة لبناء شخصٍ جديد منك بما في ذلك ذكرياتكَ الشخصية وجميع العلامات التي وُلدَت معك. ومن الممكن أن يُعادَ بناؤك باستخدام العناصر نفسها؛ سواء أكنت قد نُقلت خمسة أمتار أو خمس ثوانٍ في الماضي، ولكن في الحقيقة أنت لن تكون الشخص نفسه الذي ضغط على زر آلة الزمن للعودة إلى لماضي.

قد لا يكون هذا الحل مقنعاً وشافياً، لأننا نريد أن نعلم عمّا يحدث إذا عاد الشخصُ إلى الوراء وغيّر أحداثاً في ماضيه بالفعل وليس في نسخةٍ عن ماضيه ... كيف تنظر الفيزياء إلى ذلك؟!

إنّ ذلك يؤدي إلى تشكّل حلقةٍ مغلقة:

عُدتَ إلى الماضي وقتلتَ جدَّك ← يستحيل أن تُولد ← لا تستطيع العودة إلى الماضي ← جدك لم يُقتل ← وُلِدت أنت ← تستطيع العودة للماضي وقتل جدك ... وهكذا،أي يوجد هنا واقعتان حدثتا على التوازي، الجد حيّاً وميتاً في آن واحد وكذلك الأمر ينطبق عليك. كل ما سبق هو افتراضيٌّ بلا شك؛ لأنه ما من شخص يعود في الزمن ليختبر ذلك، ولدينا دلائل على واقعتين حدثتا على التوازي، إذ تؤدي الجسيمات دون الذرية أشياءً على التوازي وبانتظامٍ، وتُعرف هذه العملية باسم "تراكب الكم"، وهو ما يحدث في نواة الشمس في وقتنا الحالي [3].

وفي النهاية، سنطرح عليكم السؤال الأهم الكامن وراء المقال: هل السفر عبر الزمن ممكنٌ؟

إن العملية ليست بتلك السهولة، وتبدو مستحيلةً في وقتنا الحالي، لكن ربما تعطينا الفيزياء الكمية في المستقبل الإجابات الشافية عن مفارقات السفر عبر الزمن، وقد نستطيع أيضاً إزالة الغموض حول كيفية اتصالِ أجزاءٍ محددةٍ بعضها مع بعضٍ لحظياً وعلى نحو أسرع من سرعة الضوء لنقل الشخص من عالم إلى عالمٍ آخرَ.

ولا نغفل عن أن نسأل أنفسنا السؤال الآتي: هل نحن -البشرَ- قادرون على الصمود أثناء سفرنا عبر الزمن؟!

أن تتحرك بسرعة الضوء يعني أن تتعرض لقوةٍ نابذةٍ للتغلب على قوة الجاذبية الأرضية؛ كما يقول البروفيسور في الفيزياء Jeff Tollaksen"" من جامعة شامبون [1].

وبالفعل، إن ذلك قد يعرض حياتنا للخطر ويؤدي إلى الموت بدلاً من الانتقال إلى عالمٍ زمنيٍّ آخرَ! ففي الوقت الحالي يستطيع المهتمون بالسفر عبر الزمن أن يعيشوا التجربة على الأقل من خلال الكتب والتلفاز والأفلام!!

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا