الهندسة والآليات > منوعات هندسية

السفر عبر الزمن ( الجزء1): ماهية الزمن

استمع على ساوندكلاود 🎧

السفر عبر الزمن هو الانتقال بين نقاط مختلفة في الزمن على نحوٍ مماثل للانتقال في المكان، وقد شغلت هذه الفكرة العلماءَ عقوداً عديدة منذ أن جاء أينشتاين وأثبت إمكانية حدوثها في نظريته النسبية 1915 م.

في الحقيقة، يعدُّ بعض العلماء ذلك ضرباً من الجنون ويستحيل حدوثه؛ في حين يؤمن البعض الآخر أنه حقيقةٌ ممكنة.

لنعرف حقيقة السفر عبر الزمن لا بدّ من معرفة ماهية الزمن التي وضّحها أينشتاين من خلال نظرية النسبية: نعتقد جميعنا أن الزمن عاملٌ ثابت يرتبط بدقات الساعة في الماضي والحاضر والمستقبل؛ إذ تقول: الساعة الواحدة ظهراً الآن؛ لكن مهلاً ... في أي مكانٍ أنت وكم هي سرعتك؟! كان للفيزيائي العبقري أينشتاين شكوكٌ حول مسألة ثبات الزمن واعتقد أنه وهمٌ، فعدَّه شيئاً نسبياً يتغير من شخص لآخر حسب سرعته ومكانه، وأضافه كبعدٍ رابعٍ بالإضافة للأبعاد المكانية الثلاث (الطول – العرض – الارتفاع)، فإذا كنت تتحرك بسرعة كافية في الفضاء، فسوف تختلف ملاحظاتك حول الزمان والمكان عن ملاحظات شخص آخر يتحرك بسرعة مختلفة عنك، وكلما زاد الاختلاف بين السرعتَين اختلفت الملاحظات أكثر[2].

كذلك فقد وجد علاقةً وثيقةً بين الزمان والمكان؛ فلا يمكن دراسة أحدهما بمعزل عن الآخر، إذ إن كل لحظة مرت في الماضي أو نعيشها حالياً أو سنعيشها في المستقبل هي موجودة حقاً تماماً كالمكان.

ومعنى ذلك أنه يمكن السفر إلى أية لحظة في الماضي أو لربما في المستقبل؟! ... يبدو ذلك جميلاً ولكن فلنتابع: كذلك تنص النظرية النسبية الخاصة لأينشتاين1905 م على أن الزمن ليس ثابتاً فهو يمر على نحوٍ أبطأ أو أسرع اعتماداً على السرعة التي يتحرك الجسمُ بها بالنسبة إلى جسم آخر واعتماداً على مكانه أيضاً، وهذا مثال توضيحي: لو افترضنا أن رائدَ فضاءٍ ركب في مركبته الفضائية القريبةِ سرعتُها من سرعة الضوء وغادر إلى الفضاء بعمر 20 عاماً، وترك أخاه التوءم على الأرض، فعند عودته إلى الأرض بعد فترة عشر سنوات سيكون عمره 30 عاماً ولكن المفاجأة أنه سيجد أخاه أكبر منه وهذا يعني أن الزمن مرّ أبطأ على رائد الفضاء من مروره على أخيه على سطح الأرض.

جاء في النسبية العامة أن الجاذبية تسبب انحناء الزمن، فماذا يعني ذلك؟ لنتخيل صورة لقطعة نسيج، فعندما نضع كرةً عليها سيسبب ذلك انحناءً، هذا ما يحدث تماماً في مستوى الزمكان رباعي الأبعاد الذي يمثل قطعة النسيج فعند وضع أي جسم له كتلة معينة عليه سيتشكل انحناءٌ يجعل الأجسام تتحرك وفق مسارٍ مُنحنٍ نعرفه نحنُ باسم الجاذبية [1].

عندما نقول النظرية النسبية فإننا نعني النسبية العامة، أما النسبية الخاصة فما هي إلا حالة خاصة وقد تم إثباتهما اعتماداً على تقنية الأقمار الصناعية GPS التي تستخدم ساعاتٍ دقيقةً جداً، وقد تبيّن بفعل الجاذبية الأقل في الفضاء والسرعة الكبيرة للأقمار الصناعية بالنسبة إلى الأشخاص الموجودين على الأرض أنّ تلك الساعات تكسب 38 ميكرو ثانية يومياً ممّا يعني حدوث تباطؤ في الزمن [1] [2].

ووفقاً لما نشرته وكالة ناسا؛ فالسفر عبر الزمن ممكنٌ استناداً إلى النسبية العامة لأينشتاين، لكن من وجهة نظر فيزيائية قد يكون ذلك صعب التطبيق إلا إذا تحرك الجسم بسرعة أكبر من سرعة الضوء في الفراغ وهي 299،792 كيلو متراً في الثانية (186.282 ميلاً في الثانية)؛ لكن كلما زادت سرعة الجسم ازدادت كتلته فالكتلة غير ثابتة؛ إنما تتغير بتغير السرعة (على خلاف الفيزياء الكلاسيكية) [1].

وعندما يتحرك الجسم بسرعة الضوء تزداد كتلته لتصبح غير محدودة؛ وكذلك طاقته اعتماداً على معادلة أينشتاين E=m.c^2 التي توضح العلاقة التناسبية بين الكتلة m والطاقة E (في هذه المعادلة الكتلة مقدار متغير وفقاً لمعادلة أخرى (الشكل 1)، حيث v سرعة الجسم المتحرك، والتي كلما اقتربت من سرعة الضوء فإن الكتلة m تزداد. وتسمَّى m الكتلة الحركية بينما m0 الكتلة السكونية وهي كتلة الجسم وهو ساكن) ، فكما نعلم كلما كانت كتلة الجسم أكبر فسوف يحتاج طاقة أكبر لزيادة سرعته، ولوصوله إلى سرعة الضوء سيحتاج إلى طاقة لانهائية يستحيل توفيرها للجسم، إذاً ارتكازاً إلى ذلك فإنه من المستحيل الوصول إلى سرعة c الضوء فضلاً عن تجاوزها، وبالتالي ففكرة السفر عبر الزمن صعبة التطبيق على الرغم من صحتها فيزيائياً [1] .

(الشكل 1)

لم تكن تلك الفكرة قيد النقاش قبل أينشتاين، ولكن أحدثت نظريتُه النسبيةُ ثورةً في الفيزياء؛ وقلبت الأمور رأساً على عقب حتّى بات الجميع يفكر بها، ويبني دراسته مرتكزاً إلى النسبية.

سنعرض لكم في الجزء الثاني الوسائلَ البديلة الممكنة التي صاغها العلماء للسفر عبر الزمن ... تابعونا

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا