التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

مهبل الإنسان كبيرٌ جداً، لماذا؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

لطالما انشغَلتِ المقالاتُ بحجمِ العضو الذكريّ والخِصى، لدرجةِ أنّنا نادراً ما نقرأُ عن المهبِل، وإنْ قرأنا فغالباً ما يتركّز الحديث عن الفرج (Vulva). بالمقارنة مع الرئيسيات، فإنَّ العضوَ الذكريّ للإنسانِ كبيرٌ جداً، وهذا ما نقرأُه بشكلٍ متكرّرٍ في المقالاتِ على الانترنت، ولا يتفوّقُ فقط بالطُّولِ بل بالثخانةِ أيضاً. ذَكرَ آلان ديكسون في كتابه "الانتقاءُ الجنسيُّ وأصولُ نظامِ التزاوجِ البشري" أنّ قُطرَ العضو الذكريّ هو ما يميّزه عن الرئيسيّاتِ الأخرى، ولكنْ بما أنّه يدرسُ نظامَ التزاوجِ البشري بشكلٍ عام فيبدو مُحافظاً حين يكتفي بذكرِ العضو الذكريّ فقط!

أحدُ أهمِّ التفسيراتِ لضخامةِ العضو الذكريّ هي نظريةُ اختيارِ الأنثى لشريكها، فهي تقوم انتقائياً بتفضيل إنجاب أطفالٍ من ذكورٍ بِعُضوٍ ذكريٍّ أكبر، وعلى الأغلب فإنها وسيلةٌ أكثرُ متعةٍ لعمليّةِ إيصال النطاف المُكلِفة والصَّعبة. طبعاً هذا ما تقوله الدراسات، حيث تقول أنّ النساءَ يَجدن الأمثلةَ الذكريةَ العاريةَ لرجالٍ بقضيبٍ أكبر أكثرَ جاذبيّةٍ لهم.

تتضمّنُ التَّفسيراتُ الأخرى التنافسَ بين الذكورِ، وتقول بأنّ الأعضاء الأكبرَ أكثرُ فعاليةً في إيصالِ النِّطافِ للرحمِ من الأخرى الأصغر، بل قد تتفوّق بالوصولِ إلى مناطقَ أبعد من تلك التي وصلَتْ إليها نِطافُ عضوٍ أصغر في عمليّةٍ سابقةٍ، وبذلك تنقلُ معلوماتِها الجينيةَ بفاعليةٍ أكبر.

إذا بحثتَ في غوغل للدراسات Google Scholar عن مصطلحِ تطوّرِ القضيبِ البشريّ ستجدُ آلافَ النتائجِ، فلا بُدَّ أنَّ الموضوعَ فعلاً حديثُ تداولِ الباحثين دائماً، وستجدُ رقماً أكبرَ في محرِّكِ بحثِ غوغل العادي Google.

ولكن، أليس من المنطقيّ الارتباطُ الوثيقُ لتطوّرِ العضو الذكري لحجمٍ أكبر مقارنةً بالرئيسات الأخرى بحجم المهبل نفسه؟ طبعاً نحن نتحدّث عن حجمِ القضيبِ الذكري والمهبلِ للإنسان مع جميع تنوّعاته ونقارنُه مع الفصائل الأخرى. وحسب التفسيرات فإنَّ زيادةَ الطولِ تبدو ذاتَ فعاليةٍ ولكن أكثر من حدٍّ معيّن غير ضرورية، حيثُ لم تثبُت ضرورةُ ذلك لا للمتعةِ ولا للعاملِ النفسيّ. المهمُّ حقاً هو الفعاليةُ الوظيفيةُ مع بعضِ التَّوافقِ في الحجمِ بين عُضوَي الذكرِ والأنثى. عند الحيوانات مثلاً، لم يثبت ارتباطٌ بين حجمِ القضيبِ والمتعةِ أو العاملِ النفسيّ، بل ما يحتاجُ تفسيراً تطورياً حقاً هو: لماذا يتوافرُ بين الحيواناتِ قضيبٌ كبيرٌ لا يزيدُ المتعةَ الجنسيةَ أبداً!

لا بدّ من تفسيرِ حجمِ وشكلِ القفل، حتّى نستطيعَ تفسيرَ حجمِ وشكلِ المفتاح! لذلك ألا يبدو أكثرَ منطقيّةً طرحُ تفسيرِ حجمِ العضو الذكري بأنَّه تطوّرٌ ليتناسبَ مع حجمِ العضو الأنثويّ؟ طبعاً هنا ندخلُ في حلقةٍ تشبه: "من جاء أولاً: الدجاجةُ أم البيضة؟" ولكن لا بدَّ من أخذِ التوافقِ الحجمي بين العضوين على الأقل بعين الاعتبار! فإنّه من النادرِ أنْ أخبرَنا أحدُهم - إنْ فعلَ أحدٌ على الإطلاقِ - أنّ العضوَ الذكري للإنسانِ كبيرٌ بسببِ كِبَرِ حجمِ مهبلِ الأنثى، فكلُّ التفاسيرِ لا تقترحُ إلَّا (كما ذكرنا سابقاً) نظريةَ الانتقاءِ الأنثوي أو التنافسِ الذكريّ.

نحنُ مختلفون عن أقربائِنَا التطوّريين باختفاءِ عظمِ القضيبِ، ولكنْ هل يُشكِّل حجمُ وشكلُ القضيبِ الذكريّ قضيّةَ تفوّقٍ بشريٍّ على الكائناتِ الأخرى حقاً؟ إذا ربطنا حجمَ القضيبِ والمهبلِ عندَ كلِّ الفصائلِ، فقضيّةُ حجمِ القضيبِ البشري ليسَتْ مميّزةً حقاً، إلّا إذا كانَ المهبَلُ الأنثوي مميزاً أيضاً، فهل هو كذلك حقاً؟ لنقرأ إذاً..

إذا قُمنَا بدراسةِ حجمِ المهبلِ كما فعلنا في حالةِ القضيبِ بمُقارنتهِ بالحيواناتِ الأخرى، فهنالك بعض التفاسيرِ:

عندما وقفَ الإنسانُ على قدميه أصبحَ المِهبلُ أكثرَ بروزاً، وظنّ الذكورُ أنَّ المهبلَ الأكبرَ أفضلَ لهم من حيثِ قدرَتِه على التقاطِ النِّطافِ مقارنةً بالمهبلِ الصَّغير، والمتعةِ الأكبرِ التي يوفّرُها أثناءَ الجماعِ، والتنظيمِ الحراريّ الذي يؤمِّنه، وتلاؤمِ حجمِه مع حجمِ دماغِ الإنسان.

طبعاً لا بدّ من الإشارة إلى أنّ افتراضَ كِبَرِ حجم مهبلِ الإنسانِ بالمقارنةِ مع الرئيسات يرتكزُ على مقارنتِه بحجمِ الجسم. أحدُ أشهرِ التفاسيرِ لذلك هو ضرورتُه أثناءَ الولادةِ لإمكانيةِ دفعِ طفلٍ برأسٍ كبيرٍ كرأسِ الطِّفلِ البشري.

مقارنة بين السِّعلاة (orangutan)، والغوريلا، والشمبانزي، والإنسان التي تنحدر جميعاً من الرئيسات.

لذلك فإذا وُجد أيُّ تفسيرٍ لكِبرِ حجمِ العضو الذكري فهو لا يرتبطُ بالمتعةِ الأنثويّةِ أو رغبتِها الجنسيّةِ بل بعمليةِ الولادةِ غيرِ المرتبطةِ بالجنس.

في الحقيقةِ ورغمَ مقالِنا النَّاقدِ لاقتصارِ دراسةِ تطوّرِ حجمِ المهبلِ اعتماداً على الولادةِ فقط، فإنّنا لم نجد دراساتٍ تقدّمُ اقتراحاتٍ بديلة. وعلى الرُّغمِ من ذلك توجدُ دراساتٌ تنقدُ اقتصارَ الفهمِ التطوّري فقط بالاعتمادِ على نظريّةِ الانتقاءِ الأنثوي للشريكِ الجنسي، وتقترحُ وجودَ عواملَ مساعدةٍ ساهمت في تطوّرِ شكلِ الأعضاءِ التناسليّةِ عند الرئيسات. أحد هذه الدراسات مثلاً تنتقدُ طرحَ فكرةِ الانتقاءِ الأنثويّ، بكونِها لا ترتبطُ فقط بالمورّثات، بل بالعواملِ البيئيةِ أيضاً، وبالتالي فإنَّ التغيّراتِ في بيئةِ ومجتمعِ الكائناتِ قد تجعلُ توأمين يقعان على اختياراتٍ مختلفةٍ تماماً إذا نشآ في بيئتين مختلفتين.

في دراسةٍ أخرى نُشرت في مجلةِ العلومِ الطبيعيّةِ الأمريكيّةِ حاولَ الباحثون دراسةََ وجودِ العواملِ الأخرى إلى جانبِ الفكرةِ المقترحةِ "التنافس الذكريّ"، حيثُ ذَكرَ الكُتَّابُ في مقدّمةِ الدراسةِ بأنّهم يجدون هذه النظريّةَ متركّزةً على الذكورِ فقط وأنّها لا تراعي البنيةَ والوظيفةَ التناسليّةَ الأنثويّة، كما ختموا الدراسة بقولهم:

"للأسف، تتعامى الدراسةُ الحاليةُ عن تقصّي بنيةِ الجهازِ التناسليّ الأنثويّ، وعن حقيقةِ أنّه يتنوّعُ بين الرئيساتِ، وأنّ هذا التنوّعَ ليسَ وظيفةً مرتبطةً بحجمِ الجسمِ فقط، وهذا ما يقترحُ ضرورةَ مزيدٍ من التحليل، ،خصوصاً في فهمِ علاقةِ حجمِ المهبلِ والمسافةِ بين بدايتِه ونقطةِ الإلقاحِ وفي تخفيفِ عدد النطاف المقذوفة بين مختلف الفصائل. كما يجب بالإضافة لذلك ذكرُ السببِ الآخرِ لتطوُّرِ الأعضاءِ التناسليةِ، والمنافسِ لنظريةِ التنافسِ الذكري، ألا وهو "الخياراتُ الأنثويةُ"، لأنّ هذه النظريةَ في أفضلِ حالاتها تصفُ الإنسانَ بعدمِ النضوجِ، وتُسَبِّبُ في أسوأ الحالات استنتاجاتٍ وتطبيقاتٍ سيئة."

كما اقترحَتِ الدِّراسةُ التي بحثَت غيابَ عظمِ القضيبِ عند الإنسانِ أنّ الفصائلَ التي تملكُ نسبةَ تنافسٍ ذكريّ أعلى تملك عظم قضيبٍ أكبر، وأدَّى تغيّرُ السلوك الجنسي لدى الإنسان والرئيسات وقلّة هذه التنافسيّة لاختفاءِ عظمِ القضيبِ، وهذا أيضاً ما يجعلُ موضوعَي التنافسِ الذكريّ والاختيارِ الأنثوي موضعَ النقاشِ لاحتمالِ وجودِ عواملَ أخرى مؤثرةٍ خلالَ تطوّرِنا في حجمِ أعضائنِا التناسليةِ، المهبلِ والقضيب.

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا