الفيزياء والفلك > أساسيات الرصد الفلكي

المقاريب العاكسة للضوء

استمع على ساوندكلاود 🎧

تحدّثنا في المقال السّابق عن أنواعِ المقاريبِ الرّئيسة، وذكرنا أنّه يُمكنُ تصنيفُ المقاريبَ ضمن ثلاثةِ أنواعٍ رئيسةٍ:

- المقاريبُ الكاسرةُ للضّوء "Refractors"

- المقاريبُ العاكسةُ للضّوء "Reflectors"

- المَقاريبُ المُجَمَّعَة "Compound Catadioptric"

ونتابعُ في حديثنا عن المقاريب العاكسة للضوء "Refractors" وتعريفها.

مبدأُ عملِ المقرابِ بسيطٌ جدّاً، فهو يتكوّنُ من أنبوبٍ في مقدّمتهِ فُتحةٌ تُدعى الهدف "Object" وفي نهايتهِ مرآةٌ مُقعرةٌ تُدعى المرآةَ الرّئيسة "Primary Mirror". يُوضعُ في جزئه العلويّ مرآةٌ صغيرةٌ بشكلٍ مائل، تُدعى تلك المرآة: المرآةَ الثّانويّة "Secondary Mirror". عند ورودِ الضّوءِ فإنّه ينعكسُ عن سطحِ المرآةِ الرّئيسة إلى المرآةِ الثّانويّة، لينعكسَ بعدها مجدّداً إلى فُتحةٍ موجودةٍ في جدارِ المِقراب. تُوضعُ المرآة الثّانويّة بطريقةٍ خاصّةٍ ليتجمّع الضّوء المعكوسُ في تلكَ الفَتحة في نُقطةٍ تُعرف باسمِ النّقطة المحرقيّة "Focal Point" وتُوضعُ العدسةُ العينيّةُ عند تلك الفتحةِ لتكبيرِ الصّورةِ وجعلِها أكثرَ وضوحاً. يُمكنُ توضيحُ المبدأ بالصّورة التّالية:

لِمَ يُفضّلُ صائدو الجوائزِ المقاريبَ العاكسة؟

لننظرْ معاً إلى لائحةِ محاسنِ هذه المقاريب. تعتمدُ المقاريبُ رئيسيّاً على المرايا. وكما نعلمُ فالمرايا سهلة التّصنيعِ ورخيصةُ الثّمن، أقلّ من تكاليفِ صنعِ العدساتِ على الأقلّ. لهذا فإن المقاريبَ الكاسرةَ رخيصةُ السّعر، وقد مكّننا هذا الأمر أيضاً من صنعِ مقاريبَ هائلةِ الحجمِ، مع بقاء سعرها مقبولاً. علاوةً على ذلك فإنّ المرايا لا تُسبب زيغاً في اللون كما هو الحالُ في العدسات، وهذا يعني أنّ المقاريبَ العاكسةَ لا يحدثُ فيها زيغٌ لونيٌّ كما في المقاريبِ الكاسرةِ. هذه الأسباب جعلت أمرَ شراءِ مقرابٍ كبيرٍ قادرٍ على رصدِ المجرّات والسُّدمِ الخافتةِ أمراً ممكناً ومتاحاً للجميع، ولهذا فإنّ هذه المقاريبُ محبوبةٌ لدى صائدي الجوائز.

وكما هو الحالُ دائماً، فلا وجودَ لشيءٍ له محاسنُ وليس له مساوئ. أهمّ ما يبرزُ في قائمةِ مساوئ المقاريبِ العاكسةِ هي حجمُها الكبير، الأمرُ الّذي يجعلُ من نقلها أمراً صعباً. علاوةً على ذلك، حقيقةُ وجودِ مرآةٍ مُنحنيّةٍ في أسفل الأنبوبِ يعني اختلافاً بسيطاً في االأطوالِ المِحرقيّة، ما يُسبّبُ خطأً بصريّاً يُعرفُ باسم الكوما "Coma". تظهرُ الصّورُ عبر هذا الخطأ وكأنّ لها ذيل. إحدى المساوئ أيضاً هي وجودُ المرآةِ الثّانويّة، فحقيقةُ وجودِ المرآةِ الثّانويّةِ أمام المرآةِ الرّئيسةِ يعني أنّ جزءاً من المرآةِ الرّئيسةِ لا يصله الضوء، وهذا يعني عدم استعمالِ القُدرةِ الكاملة للمقراب. سأوضّحُ ذلك عبرَ مثالٍ بسيط. إذا كان قطرُ المرآة الرئيسةِ في مقرابٍ كاسرٍ للضّوء 150 مم، فهذا يعني أنّ المقرابَ يمكنه أن يستعملَ 146-144 مم من مرآته فقط، والباقي مُغطىً من قِبل المرآةِ الثّانويّة. يُضافُ إلى ذلك أنّ مقراباً ضخماً يعني أنبوباً كبيراً، أي الكثيرَ من أعمالِ التّنظيفِ ومسحِ الغُبار عن سطحِ المرايا! وفوقَ كلّ ذلك فإنّ مرايا المقرابِ بحاجةٍ إلى محاذاةٍ ومساواةٍ من حينٍ إلى آخر.

على الرّغم أنّ قائمةَ المساوئِ أطولَ من قائمةِ المحاسن، إلّا أنّ الحجمَ الكبيرَ والقدرةَ الهائلةَ والسّعرَ الرّخيصَ يجعلُ الرّاصدَ يتناسى كلّ شيءٍ ويتمتعُ بنظرةٍ على مجرّةٍ أو سديمٍ غازيّ!

تبدو المقاريبُ العاكسةُ للضّوء بهذا الشّكل:

أو بهذا الشّكل:

أو بهذا الشّكل:

توضّحُ الصّورةُ الأولى مقراباً عاكساً منصوباً على قاعدةٍ مداريّةٍ، وتوضّحُ الصّورةُ الثّانية مقراباً عاكساً منصوباً على قاعدةٍ دوبسونيّةٍ، أمّا الثّالثة فتوضّحُ مقراباً عاكساً من النّمط "سياج" منصوباً على قاعدةٍ دوبسونيّة.

صُنعت مقاريبُ النّمط سياج لتسهيلِ مهمّةِ نقلِ المِقراب، إذ كما تُلاحظون يُمكنُ تفكيكُ المقرابِ إلى قضبانٍ وقِطعٍ صغيرةٍ يُمكنُ حزمها في حقائبَ ونقلها بسهولة.

نتابع معكم في مقالنا التّالي عن آخرِ أنواعِ المقاريبِ، وهي المقاريبُ المُجمَّعة، لنتابعَ بعدها ونتعرّفَ على أهمّ أهدافِ المقاريبِ حسب فصولِ السّنة.

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - Night Watch by Terence Dickinson