العمارة والتشييد > جائزة الآغا خان المعمارية

الفائزُ بجائزةِ الآغا خان المعماريَّة Tabiat Pedestrian Bridge

استمع على ساوندكلاود 🎧

جسرُ Tabiat* للمشاة أحدُ المشاريعِ الفائزةِ بجائزةِ الآغا خان لعامِ 2016، حيث يُعدُّ أكبرَ جسرِ مشاةٍ بنيَ في إيران حتَّى الآن، يتوضَّعُ في شمالِ العاصمةِ طهران، ويربطُ بينَ متنزَّهين عامَّين يفصلُ بينهما أحدُ أكبرِ الطُّرقِ السَّريعةِ في المدينة (أوتوستراد Shahid Modarres).

صمَّم المعماريّون جسرَ المشاةِ ليكونَ بطولِ 270 متر وبعرضٍ متفاوت، ومزوَّدٍ بمنسوبين مستمرَّين ومنحنيين لهما بنية معدنيَّة معقدَّة مرتكزة على ثلاثةِ أعمدةٍ شجريَّةِ الشَّكلِ استُمِدَّ تصميمُها من الأشكالِ الموجودةِ في المتنزَّهاتِ المجاورة. يضمُّ الجسرُ منصتَين فوقَ الأعمدةِ الرَّئيسيَّةِ تؤمِّنان رؤيةً بانوراميَّةً للمنطقةِ المحيطةِ، كما ترتبطُ مستوياتُ الجسرِ ببعضها البعضِ عن طريقِ عددٍ منَ الأدراجِ والرَّامبات التي تسهِّل عمليَّةَ الانتقالِ فيما بينها.

لقد كانَ هذا التَّصميمُ قفزةً خياليَّةً تخطَّت التَّوقُّعات وزايدت على الخطوطِ الأساسيَّةِ التي رسمتها المسابقةُ، والتي اقتصرت تعليماتُها على تصميمِ جسرٍ للمشاةِ يصلُ بينَ حديقتين يفصلُ بينهما طريقٌ سريعٌ شمالَ طهران دونَ حجبِ المنظرِ عن جبال Alborz؛ فبدلاً من ربطِ المتنزَّهين من نقطتين فقط (نقطة من المتنزَّهِ الأوَّل مع نقطةٍ من المتنزَّهِ الثَّاني)، اقترحَ التَّصميمُ ربطَ عدَّةِ نقاطٍ منَ الحديقةِ الأولى معَ عدَّةِ نقاطٍ أخرى في الحديقةِ الثَّانيةِ. حيثُ وصلَ عرضُ الجسرِ عندَ مدخلهِ الغربيّ إلى 60 متراً، مشكِّلاً ساحةً عامَّةً على نفسِ مستوى الحديقة، ليتماهى تصميمُ الجسرِ مع تصميمِ الحديقةِ، ويصبحَ من الصَّعبِ التَّمييزُ أينَ تنتهي الحديقةُ وأينَ يبدأُ الجسرُ. كما يوجدُ عددٌ منَ الممرَّاتِ المتمركزةِ على طرفيّ الجسر، تصلُ للمستويين رابطةً الجسرَ معَ الأماكنِ الهامَّةِ في المتنزَّه.

يتميَّزُ التَّصميمُ بتركيزهِ على التَّجربةِ الدَّاخليَّةِ للزُّوَّار عوضاً عن التَّركيزِ على تجربةِ النَّاظرين إلى الجسرِ من بعيد، فقد تمَّ إنشاءُ عدَّةِ مساراتٍ لتقودَ النَّاسَ إلى الجسرِ من كلتا الحديقتين، بالإضافةِ إلى وجودِ العديدِ من المقاعدِ والمساحاتِ الخضراءِ والأكشاكِ ضمنَ الجسرِ لتشجِّعَ النَّاسَ على التباطؤ أثناءَ مرورهم وبقائهم لأطولِ فترةٍ ممكنةٍ، متيحةً لهم عبرَ انحناءاتِ الجسرِ التَّمتُّعَ بالمناظرِ الطَّبيعيَّةِ المحيطةِ ومعالمِ المدينةِ والجبالِ المحيطةِ من زوايا مختلفة، وهو ما لم يكن من الممكنِ تأمينُه بتصميمٍ تقليديٍّ للجسر. فكانت النَّتيجةُ منشأةً كبيرةً كفايةً لتشكِّلَ فراغاً معماريَّاً صالحاً للمكوثِ فيه، حيث يتجمَّعُ النَّاسُ ويأكلونَ ويستريحون عوضاً عن مرورهم فقط.

تمَّ اختيارُ توضُّعِ الأعمدةِ الحاملةِ للجسرِ بدقَّةٍ وحذرٍ وفي أماكنَ ذاتِ كثافةٍ شجريَّةٍ قليلةٍ لتقليصِ الحاجةِ لقطعِ الأشجارِ، كما تُرِكَ الإنشاءُ مفتوحاً عندَ التقاءِ الجسرِ بحديقةِ (أبو عطش) في ثلاثةِ أماكن للسَّماحِ للأشجارِ بالنُّموِّ من خلالِها لخلقِ الشُّعورِ بفضاءٍ واحد أخضر متَّصل.

أمَّا بالنِّسبةِ للهيكلِ الإنشائيِّ المعقَّد فقد وَجبَ تقطيعُ كلٍ من العناصرِ المعدنيَّةِ بشكلٍ مختلفٍ، حيثُ تمَّ تنفيذُ قسمٍ منها باستخدام آلةِ CNC machine (Computer Numerical Control) وهيَ آلةٌ تحوِّلُ التَّصاميمَ المنتجةَ باستخدامِ برمجيَّاتِ Computer Aided Design) CAD) إلى أرقامٍ يمكنُ اتِّخاذُها كإحداثيَّاتٍ للرَّسمِ البيانيّ الذي سوفَ يتحكَّمُ بحركةِ القاطعة، أمَّا القسمُ الآخرُ فقد تمَّ تنفيذُه عبرَ طباعةِ الشَّكلِ المبسَّطِ منَ النَّموذجِ ثلاثيّ الأبعاد. كما تمَّ قطعُ الأنابيبِ وصقلها بالرَّمل ودهنها في الورشات، ومن ثمَّ توصيلُها إلى الموقع. أمَّا أسطحُ الجسرِ ومقاعدُه فمغطَّاةٌ بمادَّةِ Resysta وهيَ مادَّةٌ مسلَّحةٌ بالفايبر ومصنوعةٌ منَ قشورِ الأرزِّ والملح والزيوتِ المعدنيَّة، وهيَ قابلةٌ لإعادةِ التَّدويرِ ومقاومةِ العواملِ المناخيَّةِ المختلفة.

جسرُ الطَّبيعةِ للمشاة مثالٌ ناجحٌ للمخاطرةِ المحسوبةِ من قبلِ صاحبِ العمل، والذي تلاقى مع حماسِ واندفاعِ مجموعةٍ من المهنيِّين الأكفَّاء الذينَ يستحقُّ عملُهم الثَّناءَ ويستحقُّ الملاحظةَ والاعتراف. لقد أصبحَ الجسرُ مكانَ تجمُّعٍ مشهورٍ لسكَّانِ طهران؛ فقد ساهمَ في خلقِ فضاءٍ حضاريٍّ جديدٍ مفعمٍ بالحيويَّة.

Tabiat *: كلمة فارسية بمعنى (الطبيعة).

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا