العمارة والتشييد > التصميم المعماري

أشجارٌ على ناطحاتِ السَّحاب!! هل هي حقاً فكرةٌ جيّدةٌ أيّها المعماريّون!!

استمع على ساوندكلاود 🎧

لم يعُد منظراً غريباً أن نرى ناطحات سحابٍ عاليةٍ تُزَيَّن بالأشجارِ على الأسطحِ والشُّرفاتِ، وفي الزَّوايا أو الشُّقوقِ، وفي أيّ مكانٍ أفقيٍّ مرتفعٍ ضمنَ المبنى. لكن ستكونُ نتيجةُ الاستمرارِ بذلكَ تجريدَ الأشجارِ من أوراقِها بسرعةٍ أكبرَ من قدرتِها على إعادةِ نموِّها، كما أن لصقَ الأشجارِ بهذهِ الطَّريقةِ في كلِّ مكانٍ ليسَ بالأمرِ العقلانيّ. وعندَ تحليلِ الفكرةِ من منظورٍ علميٍّ، نجدُ العديدَ من الأسبابِ التي لا تسمحُ بوجودِ الأشجارِ في ناطحاتِ السَّحابِ، على الأقل ضمنَ الارتفاعاتِ التي يقترحُها المعماريّون؛ الحياةُ على ارتفاعٍ مماثلٍ ليست مناسبةً للإنسانِ أو للنَّباتِ أو لأيّ شيءٍ آخرَ ما عدا الصُّقورِ! الجوّ المحيطُ باردٌ جدّاً وحارٌّ جدّاً ومعرَّضٌ للرِّياحِ الشَّديدةِ والأمطارِ العاصفةِ والثُّلوجِ التي تضربُ بشدّةٍ. حياةُ الأشجارِ في المدنِ صعبةٌ كفايةٌ على الأرضِ، فكيفَ على ارتفاعِ 150 متر وأكثرَ حيث يتقلّبُ المناخُ بشدَّةٍ أكبرَ من على سطحِ الأرضِ.

لربّما تكونُ الرِّياح أشدَّ القوى على هذا الارتفاعِ، ولربّما يكونُ تقوُّصُ جذوعِ الأشجارِ مع الرِّياحِ الشَّديدةِ هو الأثرُ الأكثرُ وضوحاً، ولكنَّهُ ليسَ التَّحدّي الأكبرَ للأشجارِ، حيث أنّ الرياحَ تعملُ على الفصلِ بينَ الأوراقِ وبينَ الغلافِ الجوّيّ المحيطِ عبرَ طبقةٍ معروفةٍ باسمِ طبقةِ الحدودِ والتي تُعَدُّ صغيرةً جدّاً بالمقاييسِ الإنسانيّةِ، تعملُ هذهِ الطَّبقةُ على التَّحكُّمِ بعمليّةِ التَّبخُّرِ أو فقدانِ الغازِ والمياهِ عن طريقِ المسام الصغيرة على الوجهِ السُّفليّ للورقةِ. يمكنُ لطبقةِ الحدودِ ضمنَ الظروفِ الطَّبيعيَّةِ الهادئةِ أن تتشكَّلَ بسماكةٍ مناسبةٍ على ورقةٍ ناعمةٍ تماماً، أمّا النباتاتُ التي تكونُ ضمنَ مناخٍ حارٍّ أو عاصفٍ فإنَّها تتأقلمُ مع الظُّروفِ القاسيةِ عبرَ شعيراتٍ على أوراقها توسِّعُ مساحةَ الورقةِ وبالتالي حدودَ الورقةِ. مع ذلكَ، لا تكونُ النَّباتاتُ ضمنَ هذهِ الظُّروفِ القاسيةِ عادةً طويلةً أو رشيقةً، أي ليست كالأشجارِ الطَّويلةِ التي نراها في التَّصاميمِ المعماريَّةِ.

لنتحدَّث الآن عن تأثيرِ درجاتِ الحرارةِ شديدةِ الارتفاعِ أو الانخفاضِ، قد يقتلُ الانخفاضُ الشَّديدُ في درجاتِ الحرارةِ النَّباتات عبرَ تحويلِ المياهِ داخلَ خلاياها إلى بلّوراتٍ حادَّةٍ ومميتةٍ، أمَّا في ظروفِ الحرارةِ المرتفعةِ يكونُ التَّحدّي من نوعٍ آخرَ؛ فلتبريدِ نفسِها تقومُ النَّباتاتُ بعمليَّةِ التَّبخُّرِ "التَّعرُّق" عن طريقِ فتحِ مسامِها لتُطلقَ بخارَ الماءِ، على الأقل طالما لا يزالُ الماءُ متوافراً. ولكن تبدأُ عمليَّةُ التَّركيبِ الضَّوئيّ داخلَ النَّباتِ بالانهيارِ عندَ الوصولِ إلى درجةِ حرارةٍ معيَّنةٍ تختلفُ من نباتٍ إلى آخرَ.

درجاتُ الحرارةِ آنفةُ الذّكرِ هيَ درجةُ الحرارةِ على سطحِ الورقةِ ذاتِها، وليست حرارةُ الهواءِ المحيطِ، خاصَّةً تحتَ أشعَّةِ الشَّمسِ المباشرةِ -كما في الجانبِ غيرِ المظلَّل من ناطحاتِ السَّحابِ- فدرجةُ حرارةِ الورقةِ قد تكونُ أعلى من حرارةِ الهواءِ المحيطِ بدرجاتٍ عديدةٍ قد تصلُ إلى 14 درجة مئوية.

أخيراً، هناكَ المخاوفُ اللُّوجيستيَّة: كيفَ يمكنُ سقيُ هذه الأشجارِ وتسميدُها؟ تشذيبُها؟ استبدالُها؟ كم مرَّةً سيتوجَّبُ استبدالُها؟ تتطلَّبُ النَّباتاتُ الصَّغيرةُ عنايةً مستمرَّةً يوميَّاً وأحياناً عدَّةَ مرَّاتٍ يوميَّاً، وهذا ليسَ بالأمرِ السَّهلِ. الاهتمامُ بالأسطحِ الخضراءِ البسيطةِ عملٌ روتينيٌّ ويتمُّ اختيارُ هذهِ النَّباتاتِ لصلابتِها ومتطلَّباتِ صيانتِها القليلةِ، أمَّا الأشجارُ فلا تتكيَّفُ بسهولةٍ مع مجموعةٍ واسعةٍ من الظُّروفِ التي يُحتَملُ أن تتواجدَ على جوانبِ أسطحِ ناطحاتِ السَّحابِ.

في النِّهايةِ نجدُ بعدَ دراسةِ الخصائصِ العضويَّةِ للأشجارِ أنَّها ليست مهيَّأةً لظروفٍ كهذهِ، إلَّا إن أرادَ أحدُهم العملَ على تحويرِ وتطويرِ أشجارٍ بإمكانها النَّجاةُ في هذه الظُّروفِ. لكن ألا ترَونَ أنَّهُ علينا الاهتمام بالأشجارِ الموجودةِ في أماكِنها حاليَّاً؟ أو حتَّى زرع المزيدِ من الأشجارِ في الشَّوارعِ حيثُ نحنُ بحاجتِها أكثر؟

المصدر:

هنا