العمارة والتشييد > التصميم المعماري

عشُّ الطَّائر، الاستادُ الوطنيُّ في بكِّين.

استمع على ساوندكلاود 🎧

يُعَدُّ ملعبُ بكِّين الوطني (عشُّ الطَّائر) أحدَ أهمِّ المنشآت المعدنيَّة ذاتِ المجازاتِ الكبيرةِ، بسبب اعتمادِه على الجملةِ الإنشائيَّةِ الحاملة لإبرازِ جماليَّةِ المبنى، فتجمعُ الواجهاتُ بينَ الفوضويةِ المقصودة والقوَّةِ في التَّصميمِ والإنشاءِ.

كيفَ استطاعَ المصمِّمونَ تحقيقَ ذلك؟ ولماذا أُطلِقَ لقبُ (عشُّ الطَّائر) على هذا الملعبِ؟ تابعوا معنا هذا المقال للتعرُّفِ إلى أهمِّ ميزاتِ ملعب بكين الوطني.

بعدَ التّطوُّرِ الكبيرِ في النَّظرةِ المعماريَّةِ والجماليَّةِ للمهندسين المعماريّين وظهورِ الأشكالِ العضويَّةِ والمباني العالية ظهرت الحاجةُ إلى مواد تلبِّي التَّصاميم الجديدة والمجازات الطَّويلة التي تحقِّق شروطَ الجمال والأمان والاقتصاد، ويتطلَّبُ تحقيقُها باستخدامِ البيتونِ كلفةً مضاعفةً إضافةً إلى صعوبةِ التَّنفيذِ ومخاطره، ويُعَدُّ الفولاذ بكافَّةِ أشكالِهِ أهمَّ هذهِ المواد المستخدمة، إذ شكَّلَ منذُ بدايةِ استخدامهِ في عمليَّاتِ البناءِ نقلةً نوعيَّةً نحوَ الأمامِ بسبب مرونتِهِ الكبيرةِ وقدرتِه على تحمُّلِ الحمولاتِ ومقاومةِ قوى الشَّدِّ والضَّغطِ، ممَّا ساعدَ على استخدامِهِ في الأبنيةِ ذاتِ المجازاتِ الكبيرة.

ويُعَدُّ هذا الملعب أحد التُّحفِ المعماريَّةِ والإنشائيَّةِ بسبب جملتِهِ الحاملة ومقاومتِهِ الكبيرةِ لقوى الزَّلازِل التي تهدِّدُ الصِّينَ كثيرًا.

يقعُ ملعبُ بكِّين الوطني في القسمِ الجنوبيِّ منَ المنطقةِ الأولمبيَّةِ الخضراءِ في بكِّين، وصُمِّمَ من قِبَلِ المعماريين جاك هيرتزوك herzog Jacques وبيير دي مويغُن Meuron de Piere صاحبي شركة  Herzog & de Meuron Architekten المعماريَّة والحائزين على جائزة Pritzker المعماريَّة.

أُطلِقَت مسابقةٌ عالميَّةٌ للتَّصميمِ بعدَ أن اختيرت بكِّين لتستقبلَ الألعابَ الأولمبيَّةَ مباشرةً عام 2008، وكانَ

الرَّابحون هم Herzog و Meuron de من سويسرا بالشَّراكةِ مع Arup  و CADG الصِّينيَّة.

اقترحَت الفكرةُ التَّصميَّمة أن تكونَ إنشائيَّةُ السَّقفِ والواجهاتِ من الخارجِ دونَ تزيين، إذ سيؤدِّي الإنشاء الوظيفةَ التَّزيينيَّةَ لأنَّهُ أقواسٌ فولاذيَّةٌ ضخمةٌ مجتمعةٌ على نحوٍ ديناميكي لتشكِّلَ عشَّ الطَّائر وتجعلهُ يبدو فوضويًّا وقويًّا في الوقت نفسِه.

يتألَّفُ المبنى من أربعةِ أضلاعٍ متطابقةٍ تقريبًا، وتشكِّل معًا الحلقةَ الفولاذيَّةَ الضَّخمةَ التي يصلُ وزنُها إلى 27000 طن من الفولاذ، وبسبب كلفة الفولاذِ التي بدأت بالارتفاعِ تدريجيًّا، تراجعَ المنظِّمونَ عن بناءِ السَّقفِ المتحرِّك الذي صُمِّمَ مخفيًّا تحتَ العشّ.

تصميمُ الموقع:

يقعُ العشُّ في المنطقةِ الجنوبيَّةِ من المنطقةِ الأولمبيَّةِ الخضراء Green Olympic القريبة من محورِ المدينةِ المركزيّ شمال بكين، ويُعَدُّ الملعبُ المبنى الأساسي في المنطقةِ الأولمبيَّةِ الخضراء ضمن مساحةٍ مربَّعةٍ غير منتظمةٍ تغطِّي قرابة 20.4 هكتارًا.

ميِّزاتُ الملعب:

ترتفعُ المنصَّاتُ الشَّرقيَّةُ والغربيَّة عن المنصَّاتِ الشَّماليَّةِ والجنوبيَّةِ لتحسِّنَ الاستفادة من الإضاءةِ الشَّمسيَّة،

ويوجدُ قرب الملعب مجمِّعٌ لمياهِ الأمطارِ يعملُ على مدارِ 24 ساعة لتُستَخدمُ المياهُ بعدَ تنقيتِها داخلَ وحول الملعب، وقد وُضِعت أنابيب تحتَ سطحِ اللَّعبِ لحفظِ الحرارةِ وتدفئةِ الملعبِ شتاءً وتبريدِ الملعبِ صيفًا.

صُمِّم البناء ليستوعبَ 100000 شخص، لكن أزيل 9000 مقعد عندَ تبسيطِ التَّصميمِ، وأُزيلَ 11000

مقعدًا إضافيًّا بعدَ الألعابِ الأولمبيَّةِ ليصبحَ استيعابُ الملعبِ 80000 متفرِّج.

يرتقي الملعبُ إلى التَّطلُّعاتِ بأن يكونَ معْلَمًا عالميًّا بقشرتِه البيضويَّةِ المتشابكة، إذ عُدَّ عام 2008 أكثرَ منشأةٍ لافتةٍ للأنظارِ في العالم، ويشكِّلُ بتصميمه الدِّيناميكي ومقياسِهِ الهائلِ أيقونةً جديدةً للصِّين ومدينةِ بكِّين.

ويمثِّلُ الشَّكلُ الدَّائريُّ للملعب "الجنَّة"، ويعكسُ الشكلُ القريبُ للمربَّعِ للمركزِ المائيِّ الوطنيِّ (مكعَّب الماءِ)

-المصمَّمِ من قبل Arup أيضاً- الرَّمز الصِّينيَّ للأرض.

غُطِّيَ السَّقفِ بصفائح من الإيثيل تيتروفلوروثيلين (ETFE) على السَّطحِ الأعلى وغشاءٍ صوتيٍّ على

السَّطحِ الأسفلِ، للحفاظِ على الجوِّ وضمانِ تجربةٍ رائعةٍ في الملعب.

التَّصميمُ والجانبُ المعماري:

يضمنُ التَّصميمُ أن يكونَ مجالُ الرُّؤيةِ واضحًا لجميعِ المتفرجِّين، وأن يكونوا أقربَ ما يمكن لمتابعةِ الحركة، وعلى الرغمِ من أنَّ الملعبَ معروفٌ غالبًا باسم عشِّ الطَّائرِ لكنَّ التَّصميمَ الأساسيَّ استوحيَ من مجموعةٍ من الأشكالِ الفنيَّةِ الصِّينيَّةِ المحليَّة والزَّخرفةِ الزُّجاجيَّةِ الملوَّنةِ المحليَّةِ في بكِّين مع أحجارِ الفلاسفةِ المعرَّقةِ الصِّينية، لكن عندما رأى الفنان WeiWel Ai التَّصميمَ للمرَّةِ الأولى رسمَ طائرًا على شجرة.

صُمِّمَ عشُّ الطَّائرِ من الدَّاخلِ إلى الخارجِ؛ من مركزِ الملعبِ إلى المقاعد التي تصطف حولَه بتصميمٍ مثيرٍ يشجِّعُ الَّلاعبين على أداءِ أفضلِ ما لديهم، وصُمِّمت المقاعدُ لتحتوي أقلَّ ما يمكنُ من الفراغاتِ لإعطاءِ انطباعٍ بالتَّجانسِ قدرَ الإمكان، وأُخفيَت الخطوطُ المميَّزةُ لسطحِ السَّقفِ السُّفليّ بصفائح صوتيَّة ليركِّزُ المشاهدونَ على الملعبِ التَّنافسيّ.

يتوهَّجُ الملعبُ خلالَ الأحداثِ الرِّياضيَّةِ بالطَّاقةِ؛ إذ يتحوَّلُ تدرُّجُ السَّقفِ الشفَّافِ من مباراةٍ لأخرى حسبَ

ألوانِ الفريقِ، وتخلقُ المدرَّجاتُ الحادَّةُ في الدَّاخلِ انطباعًا بأن الـ 70000 متفرِّجٍ ملتفُّونَ بإحكامٍ حولَ الملعب.

يعطي التَّباينُ بينَ الأعمدةِ الفولاذيَّةِ المنحنيةِ والشكل البيضوي المنتفخ مظهرًا سرياليًّا مزاجيًّا وكأنَّهُ يعاني ليحتوي القوى التي تتدافعُ في جميعِ الاتِّجاهات.

صمَّمَ المهندسون المعماريون سلسلةً من الدَّعاماتِ لدعم السَّقفِ الذي يظلِّلُ المقاعدَ، واستُخدِم نمطٌ ثانويٌّ من العوارضِ المتقاطعةِ المنسوجةِ مع الدَّعائمِ لتوهِمَ النَّاظرَ بأنَّها شبكةٌ ضخمةٌ من الأربطةِ المطَّاطيَّةِ التي تعاني لتُبقي البناءَ في مكانِه.

الواجهةُ والسَّقف:

يُعَدُّ الملعبُ وفقًا لـ Arup أكبرَ مساحةٍ مغلقةٍ في العالمِ بحجمهِ الهائلِ المكوَّنِ من 3 ملايين م3، وقد بُنِيَ داخلُ الملعبِ وخارجِه في وقتٍ واحد؛ إذ عملَ Meuron de & Herzog على الواجهةِ والسَّقف وحدَّدَ Arup  حجمَ الدَّاخل واقترحوا إنشاءً محسَّنًا للسَّقف.

يبدو الإطارُ الحاملُ للقوى فوضويًّا دون أيِّ تسلسلٍ إنشائيٍّ، ولكنَّه مصمَّمٌ بدقّةٍ كبيرة، إذ توجدُ 24 عارضة رئيسيَّة تتبعُ نمطًا منتظمًا جدًّا، وتُقسَمُ بعوارضَ ثانويَّة في مواقعَ غير منتظمة، وصرَّحت مجلةُ آروب أنَّ هذا التَّرتيبَ الذي يبدو عشوائيًّا للعناصرِ الفولاذيَّةِ التي تشكِّلُ الغلاف يجعلُ تمييزَعناصر الإنشاءِ الأساسيَّة التي تدعمُ السَّقفَ عن عناصر الإنشاءِ الثَّانويَّة والعناصرِ الأخرى التي تُضفي التَّأثيرَ العشوائي مستحيلًا تقريبًا.

يمتدُّ إنشاءُ السَّقفِ بمساحةِ 313 م* 226 م تقريبًا، ويغلِّفُ التَّجويف ويتجمَّعُ ليشكِّلَ السَّقف والواجهات معًا،

وتتضمَّنُ الواجهةُ الأدراجَ الأساسيَّةَ للملعب. 

يبدو الغلافُ الخارجيُّ متماسكًا ومتموِّجًا لا تقطعُه الأقواسُ أو حواملُ الأدراجِ، وتمتدُّ تغطيةُ السَّقفِ مصنوعةً من طبقةٍ واحدةٍ من عناصرِ ETFE بين الأقسامِ المعدنيَّةِ لتحمي المتفرِّجين من الرِّياحِ والمطر.

وقد طُليت العناصرُ الإنشائيَّةُ الفولاذيَّةُ بالرَّمادي الفاتح لتشكِّلَ تباينًا مع السَّطحِ الخارجيّ لغطاءِ المقاعدِ الذي

يظهرُ بوضوحٍ في الواجهة، ممَّا يسمحُ بالتَّحكُّمِ بالمؤثِّراتِ البصريَّةِ المثيرةِ للإعجابِ وخاصَّةً عندما يُضاءُ

الملعبُ مساءً.

يُستخدَمُ الملعبُ الآن كمعلمٍ سياحيٍّ مهمٍّ وكمركزٍ للرِّياضاتِ التَّنافسيَّةِ والأنشطةِ التَّرفيهيَّةِ محلِّيَّاً وعالميَّاً. 

التَّصميمُ الإنشائيُّ للملعب:

طوَّرَ الفريقُ عناصرَ فولاذيَّة تبدو عشوائيًّة في محاولةٍ لإخفاءِ الدَّعاماتِ الفولاذيَّةِ للسَّقفِ المتحرِّكِ.

وقد واجهَ الملعبُ تحدِّيًا كبيرًا عندما سقطَ سقفُ مبنى مطارٍ جديدٍ في فرنسا بإنشائيَّةِ السَّقفِ ذاتها غيرِ المدعومة من الدَّاخلِ، ووصلَ المشروعُ إلى طريقٍ مسدودٍ بعد مراجعةِ المسؤولين الصينيين سلامةَ المبنى، إذ قلّلوا عددَ المقاعد، وألغوا تصميمَ السَّقفِ ونصحوا بسقفٍ أخفَّ وأقلَّ كلفة، واستُكمِلَ المشروعُ بعدَ خمسةِ أشهرٍ، وأعادَ المعماريّونَ تصميمَ سقفٍ مفتوحٍ، ممَّا جعلَ الملعبَ أقلَّ كلفةً وأكثرَ أمانًا.

مقاومةُ الأحمال:

صُمِّمَ المبنى ليقاومَ الأحمالَ الذَّاتيةَ وأحمالَ الزَّلازلِ. 

الأحمال الأفقيَّةُ والعموديَّة:

يجبُ أن يقاومَ الإنشاءُ 56625 طن من الأحمالِ العموديَّة، بالإضافةِ إلى الأحمالِ الذَّاتيَّة للمنشأةِ نفسِها بما

يعادلُ 42000 طن و11625 طن من الحمولاتِ الحيَّة.

الأحمالُ الشَّاقوليَّة:

يقاومُ الإنشاءُ المعدنيُّ الهائلُ الأحمالَ الشَّاقوليَّة بنفسِ طريقةِ الأحمالِ الأفقيَّةِ، ولكن بدلًا من أن اصطدام

الأحمال بالمنشأةِ وانتقالها نحوَ الأسفل، تُخفَّفُ عبرَ الشَّبكةِ الفولاذيَّة ممَّا يؤدِّي إلى إضعافِها وتأمينِ

التَّهويةِ الطَّبيعيَّةِ في المبنى.

مقاومةُ الزَّلازل:

تقعُ بكِّين في إحدى أكثرِ المناطقِ المعرَّضةِ للزَّلازلِ في العالم، لذلكَ قامت آروب بتحليلاتٍ زلزاليَّةٍ متقدِّمةٍ لتختبرَ الملعبَ تحتَ ظروفٍ زلزاليَّةٍ متنوِّعة، وتضمنَ أنَّ الملعبَ يستطيعُ تحمُّلَ الصَّدماتِ الكبيرة.

وتنفصلُ الجملةُ الإنشائيَّةُ الفولاذيَّةُ الخارجيَّة عن منطقةِ الجلوسِ الدَّاخليَّة، ويفصلُ بينهما 50 قدماً (قرابة 15 م)، ويسمحُ هذا التَّشكيلُ للجملتين الإنشائيتين بالتحرُّكِ على نحوٍ مستقلٍّ عند التعرُّضِ للزَّلازلِ، ولأنَّ مرونةَ الفولاذ أعلى من مرونةِ الخرسانة، أمكنَ تصميمُ الجملةِ الإنشائيَّةِ الخارجيَّة لتعملَ بكاملِها كجسمٍ واحدٍ يقاومُ الزَّلازل.

أُنشئت نواةُ الملعبِ من الخرسانةِ المسلَّحةِ مسبقةِ الصَّبِّ، ولأن الخرسانةَ ضعيفةُ المرونةِ قُسِمت النَّواةُ إلى ثمانيةِ أقسامٍ منفصلة، ويسمحُ هذا التَّقسيمُ لكلِّ قسمٍ بالحركةِ على نحوٍ مستقلٍّ عن الآخر عند وجودِ أيَّةِ حركةٍ زلزاليَّةٍ قد تسبِّبُ أيَّ قدرٍ من الضَّرر، فالملعبُ مصمَّمٌ ليتحمَّلَ زلازل تصلُ شدَّتُها إلى 8 درجات على مقياسِ رختر.

بعدَ أن قُمنا بهذهِ الرِّحلةِ في تفاصيلِ الملعبِ وتعرَّفنا إلى ميِّزاته، هل كنتَ تتخيَّلُ أنَّهُ يحملُ أفكارًا بسيطةً

على الرغم من مظهرهِ البالغِ التَّعقيد؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا