البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

علاج جيني جديد وآمن على البشر لفاقدي البصر

استمع على ساوندكلاود 🎧

في تجاربَ سريريةٍ صغيرةٍ وأولية، أَظهرَ باحثو مركزِ جونز هوبكنز Johns Hopkins والمتعاونون معهم، أنَّ العلاجَ الجينيَّ التجريبيَّ الذي يستخدِم الفيروساتِ لإدخال الجين العلاجيِّ في العينِ آمن، وقد يكون فعالاً في الحفاظِ على رؤيةِ الأشخاص الذين يعانون من التَّنكُّس البُقعي الرطب المرتبطِ عادةً بالتقدم بالعمر والذي يُرمَز له ب (AMD).

يُعدُّ AMD السببَ الرئيسيَّ لفقدانِ الرؤيةِ في الولايات المتحدة، مما يؤثِّرُ على ما يقدر بنحو 1.6 مليونِ أمريكي. يتميزُ هذا المرض بنموِّ أوعيةٍ دمويةٍ غيرِ طبيعية (شاذَّة) تُسرِّب السوائل في الجزءِ المركزيِّ من الشبكية والذي يُسمَّى اللَّطخة macula، والتي نستخدُمها للقراءة والقيادة والتعرُّف على الوجوه.

قَدَّمت الدراسةُ التي نُشِرت في شهر مايو في مجلة The Lancet، نهجاً جديداً ومثيراً عن فيروسٍ شبيهٍ بذلك المسؤولِ عن نزلاتِ البرد الشائعة، تمَّ تعديلُه في المختبر ليُصبِح غيرَ مُمرِض، وتم استخدامه كحاملٍ للجِين. وعند حقنِه في العين، بخترقُ الفيروس خلايا الشبكية ويودِع الجين، الذي يُحوِّل الخلايا بدوره إلى مصانعَ لإنتاج بروتينٍ علاجيٍّ يُسمى sFLT01.

تنمو الأوعيةُ الدمويةُ غيرُ الطبيعية التي تُسبِّب AMD الرَّطِب لأنَّ إنتاجَ عاملِ نموِّ بطانةِ الأوعية الدموية vascular endothelial growth factor (VEGF)يزداد في شبكية العين لدى المرضى. وتتطلب العلاجاتُ الحاليةُ حَقنَ البروتيناتِ مباشرةً في العين، ترتبط هذه البروتيناتُ وتُعطِّل بدورها العاملَ VEGF، بالإضافة إلى أنها تحدُّ من السوائل في اللطخةِ وتُحسِّن الرؤية. إلا أنَّ هذه البروتيناتِ العلاجية تخرج من العينِ خلال شهر، لذلك عادةً ما يتوجب على المرضى الذين يعانونَ من AMD الرطب العودةُ إلى العيادةِ لمزيدٍ من الحُقن كلَّ ستةِ إلى ثمانيةِ أسابيع لتجنُّبِ فقدانِ البصر. ويحمِّل أخصائيو العيون النظامَ مسؤوليةَ عدمِ حصولِ العديدِ من المرضى على ما يحتاجون من الحُقَن، الأمرُ الذي يتسبب بفقدانِهم لبصرِهم.

ولأنَّ الفيروساتِ تخترق الخلايا بشكلٍ طبيعيٍّ تاركةً وراءها موادَّ وراثية، فقد صمَّم الباحثون فيروسَهم لاستهدافِ خلايا الشبكيةِ وتزويدهم بالجين الذي يُُنتِج SFLT01. وهكذا، تعملُ خلايا الشبكيةِ نفسها كمصانعَ لإنتاجِ البروتين العلاجي ،مما قد يُلغي الحاجةَ لحقنِه مراراً وتكراراً.

يقول Peter Campochiaro وهو أستاذٌ في طبِّ العيون في كليةِ الطب التابعةِ لجامعة Johns Hopkins: "هذه الدراسة الأولية هي خطوةٌ صغيرةٌ ولكنها واعدةٌ نحو نهجٍ جديدٍ من شأنه أن يُقلِّل ليس فقط زياراتِ الطبيب والقلق وعدمَ الراحة المرتبطةَ بالحُقن المتكررة في العين، ولكنه قد يُحسِّن أيضاً النتائجَ على المدى الطويل لأنه يجبُ قَمعُ VEGF لفتراتٍ طويلةٍ للحفاظ على الرؤية، وهذا أمرٌ يصعُب تحقيقُه مع الحُقنِ المتكررة".

شَملت المرحلةُ الأُولى من التجارب السريرية 19 رجلاً وامرأة، أعمارهم تبدأ من 50 سنةً وما فوق ويعانون من حالاتٍ متقدمةٍ من AMD الرطب. حيث تمَّ تقسيمُ المشاركين إلى خمسِ مجموعاتٍ مختلفةٍ تَلقَّت جرعاتٍ متزايدةً ما بين 2X10^8 إلى 2X10^10 من الجُسيمات الفيروسية التي تحتوي على الجينِ العلاجيِّ في 0.05 مل من السائل. تمَّ فحصُ كلِّ مجموعةٍ من قِبَل المُختصين للكشف عن علاماتٍ لردودِ فعلٍ سلبيةٍ لمدة 4 أسابيع على الأقلِّ قبلَ إعطاءِ جرعةٍ أعلى للمجموعة التالية.

بعد أن أوصَل الفيروسُ الجِين، بدأت الخلايا بإفراز sFLT01 المرتبطِ بـ VEGF والذي يمنعه من تحفيزِ تسرُّبِ ونموِّ الأوعيةِ الدموية غير الطبيعية. والهدفُ من ذلك، هو حثُّ خلايا الشّبكية المُصابة بالفيروس لإنتاجِ ما يكفي من sFLT01 لإيقاف تطوُّرِ AMD.

وبعدَ مراقبة المجموعات الثلاث الأولى وعدمِ العثورِ على جرعةٍ محدَّدةٍ للسُّمية، قام الباحثون بإعطاء الجرعةِ القصوى لمجموعةٍ من عشرةِ مشاركين ولم تُلاحظ أيةُ آثارٍ جانبية خطيرة. يقول Campochiaro: "حتى في أعلى جرعة، كان العلاجُ آمناً تماماً، فَلَم يُكنْ هناك تقريباً أيةُ ردودِ فعلٍ سلبيةٍ عند مرضانا ".

ولأسبابٍ وقائيةٍ وأخلاقية، كانت المجموعةُ المدروسة تضمُّ أشخاصاً يُستبعد احتمالُ استعادتهم لبصرِهم في ظلِّ العلاجاتِ النموذجية المعتَمدة، مما يعني أنَّ 11 من أصل 19 فقط لديهم إمكانيةُ خفضِ السوائل. ومن بين هؤلاء المرضى الأحد عشر، أظهرت أربعُ حالاتٍ تحسُّناً كبيراً، إذ انخفضت كميةُ السائلِ في عيونهم من شديدةٍ إلى ما يقارب الصفر، تماماً كما لوحِظَ مع العلاج النموذجي الأمثل. بالإضافة إلى ذلك، أظهر مريضان آخران انخفاضاً جزئياً في كميةِ السوائل في عيونهم.

من جهةٍ أخرى، لم يُظهِر خمسةُ مشاركينَ أيَّ انخفاضٍ في مستوياتِ السوائل، والمثير للدّهشة، أنَّ الباحثين وجدوا أنَّ جميعَ المرضى الذين لم تظهر عليهم علاماتُ التحسُّن، يملِكون في الأصلِ أجساماً مضادّة (أضداداً) لفيروس AAV2.

من هذه النتيجة، يستنتج الباحثونَ أنّه حتى لو أكّدت دراساتٌ أُخرى سلامةَ وقيمة العلاج الجيني، قد يكون لها قيودٌ للاستخدام الواسع، وذلك لأنَّ ما يُقارِب 60% من سكانِ الولايات المتحدة قد أصيبوا بفيروسٍ مرتبطٍ بالغدة، وهو من عائلةِ الفيروسات التي ينتمي إليها AAV2، وبالتالي بََنَوا حصانةً ضِدها. ويعتقدُ الباحثون أنَّ الجهازَ المناعي لدى هؤلاء المرضى دمَّرَ الفيروسَ قبلَ أن يتمكنَ من إدخال الجين العلاجي. ويوضح Campochiaro: "إنَّ الأرقامَ صغيرةٌ وتُبيِّنُ ببساطةٍ وجود ارتباط، لذلك نحن لا نعرف ما إذا كانت الأجسامُ المضادَّةُ في الدم تُعدُّ كعقبة، ولذلك هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من العمل لتحديد ذلك".

المصدر: هنا

الورقة البحثية: هنا