الفيزياء والفلك > علم الفلك

مواجهة الأقمار الصناعية الميتة بالحقول المغناطيسية

استمع على ساوندكلاود 🎧

إذا ما نظرنا إلى عصرنا الحالي فسنجد أنَّ أكثرَ ما يُميزهُ هو التّطورُ التّقنيّ الهائل في مجال الاتّصالات المُعتمدةُ بشكلٍ أساسيٍّ على الأقمار الصّناعيّة المُحيطة بكوكبنا، ناهيك طبعاً عن المهام المُستمرة للصّواريخ الفضائيّة لتضع المزيد من التّوابع الصّناعيّة في مدارنا الأرضي، ومع تزايد أعدادها هُناك أصبح بعضها غيرَ مُستخدمٍ حاليّاً ليشكّل ما يُسمى بالحُطام الفضائيِّ الذي يدور حول الكوكب، ومن أجل التّخلص منها أو حتى تقليل عددها يبدو أنه لدينا حلٌّ مُمكنٌ عبرَ تجميعها مع بعضِها وإزاحتها عن مداراتها الرّئيسيّة بفعل القوى المغناطيسيّة.

هذه ليست المرّة الأولى التّي تُستخدم فيها القوى المغناطيسيّة في مجالِ التّوابع الفضائيّة، فسواء كانت قوى تجاذبٍ أو تنافرٍ فإنّها طريقة مُفيدةٌ للحفاظ على الأقمار الصّناعيّة المُتعددة في تشكيلٍ وثيقٍ يدور في الفضاء دون تبعثر.

ومن أجل السّيطرة على الحطام الفضائي المُحيط بكوكبنا، يتزايد الاهتمام حالياً بالتّقاط بعض الأقمار الصّناعيّة من الفضاء، ويكمن التّحدي الأكبر لهذه الفكرة في تثبيت وتأمين تلك الأجسام غير المُستقرة وسريعة التّغيير، فضلاً عن وزنها الإجمالي الذي يُقدر بعدّة أطنان.

تجري التّحريّات حول استخدام بعض التّقنيات من أجل إزالة الحُطام الفضائي منها الأذرع الرّوبوتيّة والتّقنيات المُشابهة لتقنيات الصّيد مثل الشّباك والخطّافات. كما أضاف الباحث ايمليان فابتشر من المعهد العالي للملاحة الجويّة والفضاء (Institut Supérieur de l'Aéronautique et de l’Espace) من جامعة تولوز في فرنسا طريقةً جديدةً هي الرّبطُ المغناطيسيُّ "magnetic grappling"، وكما يتّضح من التّسميّة تحتاج التّقنيّة إلى تابعٍ فضائيٍّ يُسمى "المُطارِد" وظيفته تغيير موضع التّابع الصّناعي المهجور "المُستهدف".

وأوضح فابتشر:"عندما نتعامل مع قمرٍ صناعيٍّ، يُفضَّل الحفاظ على مسافةٍ آمنة، دون الحاجة إلى تماسٍ مُباشر قد يؤدي إلى إلحاقِ الضّرر بالتّابع المُطارِد أو حتى المُستهدف. تكمن التّقنيّة التّي نتحقق منها الآن في تطبيق قوىً مغناطيسيّةٍّ سواء كانت قوى تجاذُبٍ أو تنافرٍ من أجل تغيير مسار القمر الصّناعي المُستهدف أو إبعاده كليّاً".

في حال تجربة هذه التّقنيّة لا تحتاج التّوابع المستهدفة أن تكون مجهّزة مُسبقاً، بل يمكن الاستفادة من "المدّورات المغناطيسيّة magnetorquers" الموجودة سلفاً في كل الأقمار الصّناعيّة، وهي عبارة عن أنظمة تحكّمٍ كهرومغناطيسيّةٍ تُستخدم لتعديل توجّه القمر الصّناعي عن طريق استخدام المجال المغناطيسي الأرضي. "هذه الخاصيّة موجودة على متن كلِّ التّوابع في المدار الأرضي المنخفض" على حدِّ قول فابتشر.

من الضّروري أن يحتوي التّابع المُطارِد على مجال مغناطيسيٍّ قويٍّ يُمكن توليده عن طريق أسلاكٍ فائقةِ التّوصيل مُبرَّدةٍ لدرجاتٍ حراريّةٍ منخفضة.

وعلّق فين أنكيرسن "Finn Ankersen" الخبير في تقنيّات الطّيران في وكالة الفضاء الأوروبيّة، "بنفس المبدأ الذي تطير وفقه الأقمار الصّناعيّة المُتعددة ضمن تشكيلاتٍ دقيقةٍ في الفضاء، هذا النّوع من التّأثير المغناطيسي اللاسلكيّ يعمل على بعد 10 – 15 متر، ويوفر دقّة تحديد موقع تصل إلى 10 سنتيمتر مع دقة توجه تصل إلى 2 درجة".

أثناء بحثه لشهادة الدّكتوراه درس فابتشر بشكلٍ عمليٍّ كيفيّة تأثير تقنيات التّوجيه والملاحة بعد دمجها مع نماذجَ مُحاكاةٍ للتّفاعل المغناطيسي، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة الغلاف المغناطيسي الأرضي المُتغيرة باستمرار.

كما يأمل بعض العُلماء مستقبلاً في استخدام اسراب التّوابع الفضائيّة في عمليّات الرّصد لكوكب الأرض أو حتى للفضاء، في حالة بقائها مستقرة في مدارتها فمن الممكن أن تُستخدم كمقراب واحد عملاق.

دعمت وكالة الفضاء الأوروبيّة بحث فابتشر عبر مُبادرة الوكالة لتعزيز الشّراكة والتّي تدعم بحوث الجامعات والمعاهد التّي تعنى بدراسة التّقنيات المتقدمة ذات التّطبيقات المحتملة في المجال الفضائي، كما زار فابتشر المركز التّقني التّابع للوكالة للتشاور مع خبراء الوكالة.

وذكر فابتشر بأنَّ هذه الفكرة قد راودته أثناء النّقاش مع خبراء الوكالة الأوروبيّة، "كانت المُفاجأة الأولى أن الفكرة كانت مُمكنةً نظريّاً، للوهلة الأولى لم أكن مُتأكداً ولكن أتضح لي أن الفيزياء الخاصّة بتلك الفكرة تعمل بشكلٍ جيد".

المصدر: هنا