العمارة والتشييد > التصميم المعماري

متحف الأكروبول الجديد المبنى الذي يحتفظُ بأهمِّ آثارِ العالمِ القديم

استمع على ساوندكلاود 🎧

تَمَّ افتتاحُ متحفِ الأكروبولِ الجديدِ والذي يُعَدُّ تُحفةً فنيّةً رائعةً في 20 حزيران عام 2009، تمتَدُّ المعارضُ فيهِ على مساحةِ 8000 متر مربّع إلى جانبِ مساحاتٍ كبيرةٍ لتلبيةٍ احتياجاتِ الزُّوّارِ. يُخبِر المتحفُ قصّةَ حياةِ الأكروبولِ في أثينا والمناطقِ المُحيطةِ بِهِ، عن طريقِ تجميعِ مجموعاتٍ أثريّةٍ كانت مُتَفَرِقةً ضمنَ العديدِ من المتاحفِ والمؤسّساتِ بشكلٍ عامٍّ إلى جانِبِ الأُحفوريّاتِ والبقايا الأثريّةِ لمدينةِ أثينا القديمةِ، والتي تمَّتْ المحافظَةُ عليها بشكلٍ مرئيٍّ للزّوّارِ أسفلَ المبنى، والإفريزِ المُذهِلِ الخاصِّ بمعبدِ البارثينون المُثَبَّتِ في الطابقِ العلويِّ للمبنى ومُتحَفِ الأكروبولِ الصَّغيرِ الذي بُنيَ في القرنِ التَّاسعِ عَشَر.

يمكنُ التَّعرُّفُ على الحضارةِ الإغريقيَّةِ أكثرَ هنا: (هنا)

موقعُ المتحف:

يَقَعُ المُتحَفُ ضمنَ منطقةِ ماكريانّي Makryianni الأثريّةِ في أثينا جنوبِ شرقيّ معبدِ البارثينون بمسافةِ حوالي 300 متر وضمنَ شبكةِ ممرّاتِ مُشاةٍ تربطُ المواقعَ والمَعَالِمَ الأثريَّةَ بالأكروبول. تَمَّ اختيارُ الموقعِ بعنايَةٍ للعملِ على خَلقِ نوعٍ من الحوارِ المُتَبَادلِ بينَ معارضِ المُتحَفِ المُتَعَدِّدَةِ وبينَ مباني الأكروبولِ الأثريَّةِ؛ حيثُ أنَّ الطّابقَ العلويَّ يَمَنحُ للمشاهدِ زاويةَ رؤيةٍ بانوراميّةٍ بإطلالةٍ على الأكروبولِ الأثريِّ ومدينةِ أثينا الحديثةِ معاً.

المُصمِّمُ والتَّصميمُ:

تَمَّ تصميمُ المبنى من قِبَل بِرنارد تشُومي Bernard Tschumi المعماريُّ الفرنسيُّ -السّويسريُّ بالتّعاونِ معَ مايكل فوتياديس Michael Photiadis من أثينا كمهندسٍ محلّيٍّ. تَمَّ اختيارُ تَصميمِ تشُومي بعدَ مسابقةٍ تصميميَّةٍ حُكِّمَت من قِبَلِ لجنةِ تحكيمٍ مُختارةٍ بعِنايةٍ من المعماريّينَ والمهندسينَ المدنيّينَ وعُلَماءِ الآثارِ برئاسةِ المعماريِّ سانتياغو كالاترافا Santiago Calatrava. يقولُ البروفيسورُ ديمتريوس بانديرماليس Dimitrios Pandermalis رئيسُ لجنةِ تشييدِ المتحفِ الحديثِ: "تَمَّ اختيارُ التَّصميمِ لبساطةِ ووضوحِ الحلِّ الذي يتماشى معَ جمالِ وبساطةِ معارضِهِ، وهذا يضمَنُ تجربةً معماريَّةً وتاريخيَّةً فعّالةً في الحاضرِ والمستقبلِ."

جاءَ التَّصميمُ بسيطاً بخطوطِهِ الأفقيَّةِ وتعمّدَ عَدَمَ لفتِ الانتباهِ؛ ليتمَّ تركيزُ انتباهِ الزُّوّارِ على الأعمالِ الفنّيَّةِ المُمَيَّزةِ في الداخلِ مع أكبرِ قدرٍ ممكنٍ منَ الوضوحِ.

اكتشفَ العلماءُ خلالَ عمليَّاتِ الحفرِ قبلَ البناءِ بقايا مدينةِ أثينا القديمةِ، وتَمَّ الحفاظُ على هذهِ الحفريَّاتِ ودمجِها ضمنَ تصميمِ المتحفِ لتصبحَ جزءاً مهمّاً من جولةِ الزُّوّارِ حاليّاً.

يتكوّنُ المبنى من ثلاثةِ مستوياتٍ؛ الأرضيّ الذي يرتفعُ عن مستوى الحفريّاتِ -التي تعودُ للقرنِ الرابعِ وحتّى السابعِ الميلاديِّ- تحتَ المبنى، مُستَنِداً على أكثرَ من 100 دعامةٍ أسطوانيّةٍ بيتونيّةٍ حُدِّدتْ مواقعُها بشكلٍ مدروسٍ تحتَ إشرافِ الخبراءِ حتّى لا تُلْحِقَ الضَّررَ بأيٍّ من البقايا الأثريّةِ في الأسفلِ. يحتوي هذا المستوى على بهوِ الدّخولِ الرئيسيِّ والمعارضِ المؤقتَّةِ وقاعةِ محاضراتٍ تستقبلُ 200 شخصٍ إلى جانبِ متاجرِ المتحفِ والخدماتِ العامَّةِ والفتحاتِ الزجاجيّةِ ضمنَ الأرضيّاتِ لتُطِلَّ على الحفريّاتِ الأثريَّةِ في الأسفلِ وتسمحَ للزَّائرِ برؤيتِها.

المستوى الثاني المتوسّطُ، والذي يأخُذُ شكلَ شبهِ منحرفٍ، يتكوّنُ من مساحةٍ مزدوجةِ الارتفاعِ تصلُ حتّى 10 أمتار وتحتوي على صالاتِ المعارضِ الدَّائمةِ، تعودُ معروضاتُها إلى العصرِ القديمِ وحتّى الفترةِ الرومانيَّةِ المُتأَخِّرةِ، إلى جانبِ مناطقِ الكافيتيرياتِ والتيراسِ العامِّ الذي يطلُّ على الأكروبولِ خارجاً.

المستوى الثالثُ يُتَوِّجُ المبنى في الأعلى بصالاتِ عرضٍ (البارثينون) بارتفاعِ 7 أمتارٍ ومساحةٍ تزيدُ عن 2050 متراً مربّعاً؛ وهو عِبارةٌ عن مستطيلٍ مُحاطٍ بالزُّجاجِ ومُضاءٍ بضوءِ السَّماءِ ومُنحرِفٍ بزاويةِ 23 درجة عن باقي المبنى ليواجهَ البارثينون. تسمحُ جدرانُ هذا المعرضِ الزُّجاجيّةِ للزُّوّارِ بأن يُكمِلوا جولَتَهُم ضمنَ المتحفِ دونَ انقطاعٍ بإطلالةِ 360 درجة باتّجاهِ المعبدِ القديمِ والمدينةِ المحيطةِ بهِ. في منتصفِ هذا المستوى نرى النَّواةَ البيتونيَّةَ التي تشبهُ الفناءَ الدَّاخليَّ، ويُعرَضُ عليها إفريزُ البارثينون متوضّعاً بنفسِ التَّرتيبِ والتَّوجيهِ الذي كانَ عليهِ في موقِعِهِ الأصليِّ، وتسمحُ النَّواةُ للضَّوءِ بالوصولِ إلى التماثيلِ الأصليَّةِ الموجودةِ ضمنَ المستوى الثَّاني منَ المتحفِ.

يُشكِّلُ المسارُ عبرَ هذهِ الطَّبقاتِ الثَّلاثةِ حلقةً ثُلاثيَّةَ الأبعادِ، تقودُ الزَّائرَ عبرَ المجموعاتِ الفنيَّةِ الأثريَّةِ التي وُضِعت وفقَ التَّرتيبِ الزَّمنيِّ ابتداءً من الحفريَّاتِ المرئيَّةِ منَ الأرضيَّةِ الزُّجاجيَّةِ للمستوى الأوَّلِ في بهوِ الدُّخولِ، ومن ثَمَّ نحوَ الأعلى حيثُ إفريزُ البارثينون المتوضِّعُ ضمنَ المعرضِ والمُوجَّهُ نحوَ الأكروبولِ بإطلالةٍ بانوراميَّةٍ، وأخيراً يتَّجهُ المسارُ إلى الأسفلِ لينتهي بالقسمِ الرُّومانيِّ.

يقولُ المُصَمِّم: "كانَ شكلُ المبنى استجابةً للمهمَّةِ الصَّعبةِ المُتَمَثِّلةِ في خلقِ بُنيةٍ جديرةٍ باحتواءِ هذهِ المنحوتاتِ الإغريقيَّةِ البالغةِ الأهميَّةِ، إلى جانبِ القيامِ بذلكَ في أحدِ أهمِّ المواقعِ التَّاريخيَّةِ، فالمتحفُ يتوضَّعُ على سفحِ الأكروبولِ ويواجهُ بشكلٍ مباشرٍ البارثينون الذي يُعَدُّ أحدَ أكثرِ المباني تأثيراً في الحضارةِ الغربيَّةِ، وفي ذاتِ الوقتِ كانَ علينا أن نأخُذَ بعينِ الاعتبارِ الحفريَّاتِ الموجودةَ تحتَ الموقعِ، إلى جانِبِ وجودِ المدينةِ الحديثةِ وشبكةِ الشوارعِ والتَّحدياتِ الخاصَّةِ بكونِ أثينا تقعُ ضمنَ منطقةٍ معرَّضةٍ للزلازلِ وذاتِ مناخٍ حارٍّ."

موّادُ البناءِ:

تتكوَّنُ المجموعةُ الفنيَّةُ الأثريَّةُ التي يتمُّ عرضُها ضمنَ متحفِ الأكروبولِ الجديدِ بشكلٍ أساسيٍّ منَ المنحوتاتِ التي كانت أغلَبُها تزيّنُ مباني الأكروبولِ سابقاً. صُمِّمتْ هذهِ المنحوتاتِ في الأصلِ لتُعرَضَ في ضوءِ النَّهارِ. يَسمحُ استخدامُ الزُّجاجِ بشكلٍ واسعٍ في المبنى لضوءِ النَّهارِ بالتَّدفُّقِ إلى المعارضِ وبالتَّالي تحقيقُ ظروفِ عرضٍ مماثِلةٍ للأصليّةِ. يصلُ الضَّوءُ حتَّى الحُفَرِ الأثريَّةِ الموجودةِ أسفلَ المبنى عبرَ النَّواةِ البيتونيَّةِ.

تَمَّ استخدامُ الزُّجاجِ والبيتونِ والرُّخامِ ضمنَ متحفِ الأكروبولِ الجديدِ في جميعِ أجزائِهِ لاستكمالِ بساطةِ التَّصميمِ العامِّ؛ يُشكِّلُ البيتونُ البنيةَ الرَّئيسيَّةَ للمبنى ويعملُ كخلفيَّةِ عرضٍ للأعمالِ الفنيَّةِ، ونلاحظُ الفتحاتَ الدائريَّةَ التي وُضِعتْ بشكلٍ مُتَباعِدٍ مدروسٍ ضمنَ جدرانِ البيتونِ وهي تعملُ على امتصاصِ الصَّوتِ.

استُخدِمَ الرُّخامُ المحلِّيُّ ضمنَ الأرضيَّاتِ باللَّونِ القاتمِ للمسارِ واللّونِ الأصفرِ الضَّارِبِ إلى الرَّماديِّ للمعارضِ.

يَضُّمُّ المتحف ما يزيدُ عن 14000 متر مربّع منَ المعارضِ -عشر مرَّاتٍ أكبرَ من مساحةِ المتحفِ السَّابقِ- ويحيطُ بها حوالي 7000 متر مربّع منَ الحدائقِ الطَّبيعيَّةِ. كانتْ تكلفةُ المشروعِ الإجماليَّةِ 130 مليونِ يورو.

يعرضُ المتحفُ الجديدُ الآثارَ المُتَبقِّيةَ منَ الأكروبولِ ويعملُ على تحفيزِ الاهتمامِ الدُّوليِّ بالعصرِ الكلاسيكيِّ؛ حيثُ يُعَدُّ نقطةً مرجعيَّةً للمجتمعِ الفنّيِّ حولَ العالَمِ.

هل أعجبَكَ التَّناغُمُ بينَ القديمِ والحديثِ في هذا المبنى؟ وهل تعتقدُ أنَّ التَّصميمَ كانَ مُوفَّقاً في هذا المحيطِ الأثريِّ الغنيِّ؟ شاركنَا رأيَكَ!!

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا