الهندسة والآليات > تكنولوجيا الفضاء

لتنظيف الفضاء: قبضة روبوتيّة مستوحاة من الوزغ

استمع على ساوندكلاود 🎧

تشيرُ التّقديراتُ إلى أنّ حوالي 170 مليون قطعةٍ من حطامِ السّفنِ الفضائيّةِ والأقمار الصناعيّة تطفو حول الأرض، وتُقدَّرُ سرعتها بأكثرَ من 000 28 كيلومترٍ في الساعة. تستطيع كذلكَ أن تجدَ في هذه الدّوامةِ من النّفاياتِ الفضائيّةِ بعضًا من المساميرِ وبقايا الألواحِ الشّمسيّةِ وغيرها. أكثرَ من 20،000 قطعةٍ من هذه النّفاياتِ حجمُها أكبرُ من حجمِ كرةِ المضربِ. ولكن يبقى السّؤالُ ماهو الخطرُ الحقيقيُّ لهذه النّفاياتِ؟

تشكّلُ هذه النّفاياتُ الفضائيّةُ خطرًا على مستقبلنا في الفضاء، فيمكنُ في أيّةِ لحظةٍ أن تتسبّبَ إحدى قطعِ الخردةِ الّتي تعومُ حولَ الأرضِ في تعطُّلِ قمرٍ صناعيٍّ ما، أو إصابةِ أحدِ روّادِ الفضاءِ أثناءَ تأديتهِ لمهمّةٍ ما. لذلك فكّرَ العلماءُ على مدى السّنواتِ الماضيّةِ في طريقةٍ للتّخلُّصِ من هذه الفضلاتِ فخرجوا بمجموعةٍ من الأفكار.

من هذه الأفكار قبضةٌ تعتمدُ على ضغطِ الهواء، وأُخرى على موادَ لاصقةٍ تقليديّةٍ، وأخيرًا قبضةٌ تعتمدُ على الحقلِ المغناطيسيِّ، لكنَّ القبضاتِ التّقليديّةَ لم تكن فعّالةً للغايةِ، ولكلٍّ منها عيوبَها، فعلى سبيل المثال لا تعملُ الموادُ اللّاصقةُ بفعاليّةٍ في الظّروفِ الصّعبةِ كدرجاتِ الحرارةِ المنخفضةِ، وكذلك القبضاتُ المغناطيسيّةُ تعملُ فقط مع الموادِ الّتي تنجذبُ للمغناطيس. لذلك كان على العلماء إيجادُ طُرقٍ أُخرى فوجدوا الإلهامَ أخيرًا في حيوانِ الوزغ (أبو بريص). ولكن ما علاقةُ الوزغِ في كلِّ هذا؟

ألهمَ الوزغُ ذلك الحيوانُ الصّغيرُ الباحثين مرارًا وتكرارًا بسبب قدرتِهِ الهائلةِ على الالتصاقِ بالجدران. لذلك قامت مجموعةُ علماءٍ في جامعةِ ستانفورد بنسخِ التّقنيّةِ الّتي يستخدمها الوزغُ، وتطبيقِها في تصميمِ قبضةٍ روبوتيّةٍ، مهمّتها التَّخلُّصُ من النّفاياتِ الفضائيّةِ، وليسَ هذا فقط وإنَّما إعطاءُ قدرةِ التّسلُّقِ للرّوبوتات ممّا يجعلها قادرةً على تنفيذِ مجموعةٍ من المهمّاتِ الخطيرةِ خارجَ مركباتِ الفضاء، كإصلاحِ العيوبِ وتصويرِ مقاطعِ الفيديو.

يقول مارك كتكوسكي Mark Cutkosky، أحد الباحثين في فريق جامعة ستانفورد: "إنّ هذا العملَ هو نتاجُ عشرِ سنواتٍ من الأبحاثِ، الّتي تهدفُ إلى صناعةِ روبوتاتٍ قادرةٍ على التَّسلُّقِ بواسطةِ موادَ لاصقةٍ مستوحاةٍ من طريقةِ حيوانِ الوزغِ في تسلّقِ الجدرانِ".

تقومُ هذه القبضةُ الجديدةُ بالالتصاقِ بالأجسامِ بفعاليّةٍ كبيرةٍ جدًّا، فهي لا تحتاجُ للضّغطِ الشَّديدِ لتقومَ بذلكَ، وهذا ما يجعلُها متفوّقةً على الموادِ اللّاصقةِ التّقليديّةِ. يتكلَّمُ إليوت هاوكس Elliot Hawkes أحدُ الباحثينَ في جامعةِ كاليفورنيا حولَ هذه النُّقطة: "إذا حاولْتُ دفعَ مادّةٍ لاصقةٍ تحتاجُ للضَّغطِ على جسمٍ عائمٍ في الفضاءِ، فإنّهُ سينجرفُ بعيدًا، وبدلًا من ذلك، يمكنني باستخدامِ القبضاتِ الجديدةِ لمسَ الجسمِ بلُطفٍ، ومن ثمَّ يمكنني تحريكَه كما أشاء".

كيفَ تعملُ هذه التّقنيّة الجديدة؟

لفهمِ السِّرِّ الكامِنِ خلفَ هذه التّقنيّةِ الجديدةِ، لا بدَّ من الذَّهابِ إلى المستوى المِيكرويّ. عند وصولنا إلى المستوى الميكروي سنلاحظُ أنّ سطحَ القبضةِ يتكوّنُ من نتوءاتٍ ميكرويّة تقومُ بخلقِ قوّةٍ بينَ الجزيئاتِ عند الاتّصالِ مع السَّطحِ. لتبسيطِ الموضوعِ أكثرَلنشبّه هذه النُّتوءاتِ بالشُّعيراتِ الصَّغيرةِ على قَدَم الوزغ والّتي يستعملُها في التَّشبُّثِ بالجدرانِ والأسقف. تعتمد كذلك هذه القبضةُ على الالتصاقِ الاتِّجاهيّ، حيث تلتصقُ عند تحريكِها باتّجاهٍ مُعيَّنٍ وتُفلِتُ عند تحريكِها بالاتّجاهِ الآخر.

حتّى تتمكَّنَ القبضةُ من التقاطِ العناصرِ المُسطَّحةِ كالألواحِ الشَّمسيَّةِ، قامَ الباحثونَ بتكوينِ شبكةٍ على الجزءِ الأماميِّ من الرُّوبوتِ القابضِ، تتكوّنُ هذه الشَّبكةُ من مساحاتٍ مربَّعةِ الشَّكلِ تحتوي النّتوءاتِ الميكروية الّتي تكلَّمنا عنها سابقًا. أمّا الأجسامُ منحنيّةُ الشَّكلِ فتستطيعُ القبضةُ التقاطَها عبرَ شرائِطَ لاصقةٍ رقيقةٍ على أذرُعِها، تقومُ هذه الشَّرائطُ بالإلتفافِ حول الجسمِ ونقلِهِ نحوَ وسطِ القبضةِ.

ترتبطُ هذه المساحاتُ ببعضِها البعضِ عن طريقِ نظامِ بكَرَاتٍ مهمَّتُهُ تحريكُ المساحاتِ بما يتوافقُ مع الشَّكلِ المرادِ التقاطه، وبالتّالي يمكنُ بكل سهولةٍ التقاطُ الأجسامِ ذاتِ الأسطحِ غيرِ المستويّةِ مثلَ قِطَعِ الأقمارِ الصِّناعيَّةِ المكسورةِ.

يمكن مشاهدةُ الفيديو التّالي لمزيدٍ من التّفاصيل:

هل ستعملُ هذه القبضةُ حقًّا في الفضاء؟

لكي يعرفَ العلماءُ ما إذا كانت هذه القبضةُ ستعملَ حقًّا في الفضاءِ أم لا، قاموا بالعديدِ من التّجاربِ في ظروفٍ صارمةٍ وقاسيّةٍ. كانت المهمَّةُ الأولى للقبضةِ التقاطَ ونقلَ روبوتٍ آخرَ عبرَ أرضيّةٍ مماثلةٍ لملعبِ الهوكي، وهي مُحاكاةٌ لبيئةٍ ثُنائيّةِ الأبعادِ ذاتِ جاذبيّةٍ معدومةٍ. وقد نجحت القبضةُ في مهمَّتها.

يقول هاوكس: "كانَ أحدُ الرُّوبوتاتِ يُطاردُ الآخرَ، ومن ثمَّ قبضَ عليه وبعدها تمَّ سحبُهُ إلى المكانِ المرغوب، فتحتُ عينيَّ بشدَّةٍ لأرى كيفَ يمكنُ لشريطٍ لاصقٍ صغيرٍ نسبيًّا، أن يسحبَ قُرابةَ 300 كيلوغرام".

نقلَ الباحثونَ مستوى التّجارب إلى درجةٍ أعلى، وقاموا باختبارِ القبضةِ في بيئةٍ مُنعدمة الجاذبيّةِ على متن طائرةِ ناسا C-9B. وفي ظلِّ هذه الظُّروفِ أيضًا، وبعدَ قيامِ الطّائرة بأكثرَ من 80 عمليّةِ هبوطٍ وصعودٍ وفي بيئةٍ منعدمةِ الوزن استطاعت القبضةُ التقاطَ مكعَّبٍ، وأسطوانةٍ، وكرةِ شاطئٍ كبيرةٍ.

ما هو مستقبل هذه التّقنيّة؟

قامَ فريقُ البحثِ بعدَ نجاحِ التَّجاربِ الأوّليّةِ، بتطويرِ قبضاتٍ مُسطّحةٍ محمولةٍ لروّادِ الفضاءِ لاختبارِها في محطةِ الفضاءِ الدّوليّةِ. وأظهرت هذه القبضاتُ ذاتُ القدراتِ على الالتصاقِ كما حدثَ هنا على الأرضِ تمامًا.

يُفكّرُ الباحثونَ في المستقبلِ في صناعةِ نُسخةٍ أكثرَ ثباتًا من هذه القبضةِ بحيثُ تستطيعُ الصّمودَ في ظروفٍ أصعبَ، كدرجاتِ الحرارةِ القصوى والتّعرُّضِ الشَّديدِ للإشعاعِ خارجَ محطَّةِ الفضاءِ، ويأملُ الباحثون أن يَنْتُجَ في نهايةِ المطافِ كميّاتٍ كبيرةٍ من الموادِ اللّاصقةِ الجديدةِ بتكلفةٍ مُنخفضةٍ، ممَّا يجعلُ استخدامَهُ على نِطاقٍ واسعٍ أمرًا سهلًا.

كما رأينا إذًا، فمرّةً أُخرى تلهمنا الطّبيعةُ إلى حلولٍ مُتقدّمةٍ تجعلُ من حياتِنا أسهلَ، والدّورُ اليومَ على الوزغ لإلهامِنا إلى طريقةٍ نحافظُ من خلالِها على مدارِ كوكبنا العزيز خاليًا من القمامة، ويبقى السُّؤال ماهو الإلهامُ القادم الّذي ستهبُنا إيّاهُ أمُّنا الطّبيعة؟

المصدر:

هنا